- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
محمد حامد أبوورد يكتب: الوزن الاقليمي لحركة الجهاد الاسلامي ما بعد ثأر الأحرار
محمد حامد أبوورد يكتب: الوزن الاقليمي لحركة الجهاد الاسلامي ما بعد ثأر الأحرار
- 3 يوليو 2023, 2:22:06 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لقد أثبتت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين قدرتها على المحافظة على نهجها الثابت والدائم والذي كان المنطلق والباعث لوجودها ونشأتها في تصحيح البوصلة تجاه فلسطين ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي وحشد الطاقات والإمكانات وتفعيل أدوات المواجهة في مختلف الساحات من أجل تحرير فلسطين ، لقد انطلقت للعمل داخل الأراضي الفلسطينية بعد عودة قادتها ومؤسسيها من مصر مطلع الثمانينات من القرن الماضي بعد أن بلورت اجتماعات الشقاقي مع رفاقه في مصر عن نشأة وتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في ظل غياب الحركة الإسلامية عن العمل المقاوم على أرض فلسطين ، لتكون بذلك أول حركة إسلامية تنطلق وتتبنى العمل الجهادي المقاوم ضد الإحتلال الإسرائيلي ، ووظفت كل إمكاناتها وأدواتها في الكفاح المسلح حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن وما بتنا نشاهده من تعاظم لقوتها وترسانتها العسكرية ، والذي كان جليا واضحا في المعركة البطولية الأخيرة "ثأر الأحرار" التي خاضتها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بكل بسالة واحتراف ردا على اغتيال قادتها العسكريين في التاسع من مايو / أيار لعام 2023 ، حيث أقدم العدو الصهيوني على اغتيال ثلاثة من أبرز القادة العسكريين لسرايا القدس ، وهم : الشهيد القائد/ جهاد غنام مسئول المنطقة الجنوبية لغزة وأمين سر المجلس العسكري ، والشهيد القائد/ خليل البهتيني عضو المجلس العسكري ومسئول المنطقة الشمالية ، والشهيد القائد/ طارق عز الدين أحد قادة العمل العسكري في سرايا القدس بالضفة الغربية ..
لقد كانت ضربة قاسية ومؤلمة تتلقاها المقاومة وعلى رأسها سرايا القدس ولكنها لم تسارع بالرد على جريمة الاغتيال ، بل رتبت أوراقها ونظمت صفوفها وأرجأت ردها لأكثر من 30 ساعة ، وكان لديها قدرة عالية على ضبط النفس وإدارة المعركة وفق تكتيك الحرب النفسية الذي فاجأ العدو وجعلته ينتظر وهو خائف يترقب طبيعة وكيفية الرد ، وشلت الحركة والحياة في مستوطنات غلاف غزة وصولا إلى العمق الإسرائيلي في تل أبيب ، والعدو في حالة من التأهب الكبير والترقب خشية من رد المقاومة وسرايا القدس ، حتى بدأت الإشارة قرار من سرايا القدس وأمطرت مستوطنات غلاف غزة والمواقع الاسرائيلية وصولا إلى تل أبيب برشقات صاروخية كبيرة وضخمة في آن واحد من صفر الى شعاع 80 كيلوا متر، مما شتت عمل القبة الحديدية واستنزف طاقتها ، وأصبحت صورايخ المقاومة تصيب أهدافها بدقة و في العمق ، وهذا ما صرح به إعلام العدو في حينها حيث قال (لقد جن جنون الجهاد الإسلامي).
هذا الأداء والتكتيك بالتحكم في مسرح العمليات وكثافة النيران التي اتبعته سرايا القدس في المعركة رغم استهداف قادتها العسكريين شكل خيبة كبرى في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ، حيث كانوا يعتقدون أنه باغتيال قادة العمل العسكري لسرايا القدس في قطاع غزة سيعملون على خلط اوراق المقاومة ونزع حلقة القيادة والسيطرة وان الرد سيكون مُشتتاً ومحدودا ، لكن الإسرائيلي فوجئ برد المقاومة وتكتيكها العسكري ، لقد اعتقد الإسرائيلي أنه حقق انتصارا ساحقا ورمم صورة ردعه المتآكلة ، لكن في حقيقة الأمر إن معركة ثأر الأحرار رسخت تآكل الردع الإسرائيلي أكثر فأكثر ..
لم تقف العملية عند اغتيال القادة الثلاثة فحسب بل طالت أيضا قادة آخرين من أعضاء المجلس العسكري الذين كانوا يديرون مسرح العمليات في الميدان ، ففي اليوم الثالث من المعركة اغتالت إسرائيل القائد/ علي غالي عضو المجلس العسكري ومسئول الوحدة الصاروخية في سرايا القدس ، ونائبه القائد/ أحمد أبو دقة وفي اليوم الرابع اغتالت القائد/ إياد الحسني عضو المجلس العسكري ومسئول وحدة العمليات المركزية في سرايا القدس، ومع ذلك استمرت المعركة ل 5 أيام متتالية استطاعت فيها المقاومة توجيه ضربات مؤلمة وقوية للعدو ردا على سياسة الاغتيال والعدوان المتواصل.
لم تكن هذه العملية هي الوحيدة التي تستهدف حركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص بل سبقها عدة معارك افتتحها العدو باغتيال أبرز قادتها العسكريين ، فمعركة وحدة الساحات في آب / اغسطس 2022 التي اغتالت فيها إسرائيل عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الشهيد القائد تيسير الجعبري ، واغتالت فيها أيضا عضو المجلس العسكري ومسئول المنطقة الجنوبية الشهيد القائد خالد منصور ، وكانت تلك المعركة بعد أربعة أيام من فرض حالة التأهب في مستوطنات غلاف غزة خشية من رد الجهاد الإسلامي وذلك في أعقاب التوترات التي شهدتها الضفة الغربية واعتقال القيادي البارز في الحركة بسام السعدي من مخيم جنين وتهديد الحركة بالرد على ذلك ..
ومعركة صيحة الفجر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 التي اغتالت فيها إسرائيل عضو المجلس العسكري ومسئول المنطقة الشمالية الشهيد القائد بهاء أبو العطا ، وحاولت اغتيال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي ورئيس الدائرة العسكرية فيها القائد العام/ أكرم العجوري ، إلا أنه نجا من محاولة الاغتيال هذه واستشهد ابنه معاذ ورفيقه في القصف الذي استهدف منزلهم في دمشق ، واندلعت معركة لثلاثة أيام ردت فيها سرايا القدس بشكل مباشر وفوري بقصف العمق الصهيوني حتى مدينة الخضيرة المحتلة ..
تلك أبرز العمليات والمعارك التي استُهدفت فيها حركة الجهاد الإسلامي على وجه التحديد في السنوات الأخيرة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا حركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص ؟! لماذا ركز الإسرائيلي على استهداف الجهاد الإسلامي واغتيال قادتها العسكريين البارزين ؟! ما هي الأسباب والدوافع لهذا السلوك الإسرائيلي الذي جعل الجهاد الإسلامي في قلب دائرة الإستهداف ؟!
للإجابة على هذه الأسىئلة لا بد أنفهم العقلية السياسية التي بنيت عليها حركة الجهاد الإسلامي ومنطلقاتها الفكرية التي تؤمن بها وما هو البرنامج الذي تتبناه ، وعندما نستقرأ تاريخ هذه الحركة وأسباب وظروف نشأتها نجد أن الباعث الحقيقي لوجودها في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي هي تصحيح بوصلة الإسلاميين ولفت أنظارهم إلى فلسطين وأن فلسطين هي قلب العرب وقلب المسلمين ومركز الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل كما قالها الأمين العام المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي ، ودمج معادلة ( الإسلام ، فلسطين ، الجهاد )
لِتُكوِّن بذلك الهوية الفكرية لحركة الجهاد الإسلامي ، وأنها انطلقت من رحم الإسلام ومن فهمها الصحيح الواعي للإسلام بوجوب القتال والجهاد حتى دحر المحتل وتحرير الأرض وتطهير المقدسات ، وأنه يجب العمل في سبيل تحقيق ذلك الهدف مع قلة الإمكانات وضعفها أمام إمكانات العدو الكبيرة والهائلة ، وكما قال الشقاقي " لقد نهضنا لقتال العدو ، وما دون ذلك هوامش " ، لقد بنت حركة الجهاد الإسلامي عقيدتها القتالية على الإيمان والوعي والثورة ، إيمانا يتوقد في القلوب ووعيا بطبيعة الصراع والمواجهة وثورة مستمرة حتى تحرير فلسطين كل فلسطين ، أخذت على عاتقها مبدأ مشاغلة العدو حتى لا يهدأ ولا يشعر بالاستقرار على أرض فلسطين ، لقد دفعت حركة الجهاد الإسلامي من دماء قادتها ومجاهديها ثمنا لهذه الإستراتيجية وهذا المبدأ التي لا تزال متمسكة به حتى الآن لم تغير ولم تبدل تبديلا ، بل سخرت كل إمكاناتها في سبيل ذلك ، إن عمليات الاغتيال والاستهداف لهذه الحركة لم تكن وليدة اللحظة بل كانت منذ اللحظة الأولى التي وجدت فيها للعمل في ساحة الجهاد والمقاومة على أرض فلسطين ..
حاول العدو أن يستهدف هذه الحركة وينهي وجودها لما تشكله من خطر استراتيجي محدق على إسرائيل وعلى وجودها ، حيث اغتال مؤسس الجناح العسكري لها آنذلك الشهيد محمود الخواجا ، وبعدها بأشهر قليلة اغتال مؤسسها الدكتور فتحي الشقاقي وذلك في أعقاب الضربات القاسية والمؤلمة التي وجهتها "قسم" الجناح العسكري للحركة آنذلك للعدو الإسرائيلي عبر العمليات الاستشهادية وأبرزها عملية بيت ليد البطولية ، ولكن المسيرة لم تضعف ولم تلين ولم تتوقف وبقيت مستمرة متوقدة مؤمنة بحتمية الوصول إلى الهدف المنشود بتحرير فلسطين.
أمام هذه العقيدة القتالية الصلبة وهذا الفكر الواعي المستنير والثورة المستمرة لم تنجح كل محاولات الاستهداف والتصفية عن ثني الحركة عن مواقفها ومبادئها ، ولم تفلح كل المحاولات والجهود في احتوائها وتطويعها عبر اتفاقيات سياسية واغراءات وعروض تقدم لها هنا وهناك ، فهي منذ اللحظة الأولى كان لديها البصيرة النافذة بعبثية السلام مع العدو الصهيوني ورفضها كل اتفاقيات السلام مع هذا الاحتلال ولم تقبل أن تكون جزءا منه ولو بشكل غير مباشر أو أن تستظل بظله ، فقد رفضت الدخول بالانتخابات الفلسطينية لأنها من افرازات اوسلو ونادت بضرورة التخلص من اوسلو ، وبناء استراتيجية وطنية جامعة تقوم على مقاومة الاحتلال حتى دحره وتحرير فلسطين.
بهذه العقيدة التي تمتلكها حركت الجهاد الإسلامي التي لم تغير ولم تبدل فيها ، ولا زالت متمسكة مؤمنة بها لهي تعتبر عقبة كبرى في طريق تمرير المشاريع الإسرائيلية الخبيثة في المنطقة ، وخطرا وجوديا على الكيان الإسرائيلي ، لقد قالها الشقاقي " نحن أمة لا حياة لنا خارج مسيرة الدم والشهادة"
ومن منطلق إيمانها بأفكارها ومبادئها وفي سبيل الوصول إلى هدفها بمقاومة المحتل حتى التحرير , عملت بكل طاقاتها وإمكاناتها على تفعيل العمل المقاوم في الضفة الغربية عبر تشكيل مجموعات وخلايا عسكرية وبدأت تسخر كل جهودها في سبيل إعادة إحياء المقاومة بعد أن خمدت وانطفأت شعلتها لأكثر من 20 عاما ، وكانت كتيبة جنين باكورة العمل العسكري المنظم التي انطلقت على يد مؤسسها الشهيد جميل العموري برفقة عدد آخر من إخوانه ، والتي أعلن عن تشكيلها وتنظيمها بشكل رسمي في سبتمبر أيلول عام 2021 في أعقاب عملية نفق الحرية ونجاح الأسرى الستة في الهروب من سجن جلبوع ، وقد أخذت اسمها من خطاب الأمين العام للجهاد الإسلامي الاستاذ القائد زياد النخالة والذي لقب فيه الأسرى الستة ب ( كتيبة جنين )
قام مقاتلوا الكتيبة بتنفيذ العديد من عمليات إطلاق النار والاشتباك مع قوات الاحتلال ، هذه الحالة الثورية الجهادية لم تقتصر على جنين فحسب بل كانت ملهمة للشباب الفلسطيني وبدأت بالانتشار والتمدد في شمال الضفة الغربية في نابلس وطولكرم وعقبة جبر بأريحا ، حتى شكلت العديد من الخلايا المسلحة والكتائب العسكرية في مناطق شمال الضفة الغربية
و بات العدو في قلق شديد من حالة المقاومة التي بدأت بالتشكل والتمدد من بعد معركة سيف القدس في أيار / مايو 2021 ، وتراكم المقاومة في الضفة قوتها يوما بعد يوم وتعمل على تطوير أدائها وقدراتها كماً ونوعاً ، وهذا ما يربك العدو الإسرائيلي ويخشاه من أن تستنسخ حالة غزة في الضفة الغربية ، لذلك يكثر الحديث داخل الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية عن تنفيذ عملية واسعة في شمال الضفة للقضاء على المقاتلين هناك وضرب البنية التحتية للمقاومة قبل أن تكبر وتتطور كما غزة اليوم ، وتعزز هذا بعد محاولة الاحتلال اقتحام مخيم جنين ووقوعه في كمين محكم أصيب فيه على الأقل 7 جنود إسرائيليين عبر تفجير عبوات ناسفة بآليات ومدرعات الجيش الإسرائيلي الأمر الذي أدى إلى إعطاب 7 آليات عسكرية مما دفع الإسرائيلي بتعزيزات كبيرة وسط اشتباكات عنيفة مع المقاومين ، وأطلقت كتيبة جنين على هذه العملية "بأس الأحرار" ، وقالت أنها امتداد لمعركة ثأر الأحرار بغزة ، هذا التطور في أداء المقاومة وقدراتها جعل الإسرائيلي يستعين بطيرانه العسكري لتنفيذ عملية اغتيال ضد مجموعة من المقاتلين التابعين لسرايا القدس في كتيبة جنين وكتائب شهداء الأقصى في حادثة لم تشهد الضفة الغربية مثيلا لها منذ عام 2006 ، وقال الجيش "الإسرائيلي إن طائرته المسيرة " استهدفت خلية مسلحة بعد إطلاقها النيران تجاه حاجز جلمة العسكري ... كانت عملية جراحية دقيقة لإحباط الإرهاب "
واليوم رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو يعطي الضوء الأخضر للبدء بعملية عسكرية في مدن الضفة الغربية بالاعتماد على الاستخبارات والاغتيالات وتفعيل القصف الجوي على أماكن تمركز المجاهدين في جنين خوفاً من مواجهتهم وجهاً لوجه.
إن هذا الارث القتالي للجهاد الإسلامي وهذا الحراك الثوري المنظم الآخذ بالتصاعد في الضفة الغربية أربك حسابات العدو الإسرائيلي وجعله في حيرة من أمره كيف يقضي على هذه الظاهرة في بداياتها قبل أن تنمو وتتطور وتصبح مثل غزة،
يُحسب لحركة الجهاد الإسلامي أنها عملت بكل جهدها وطاقتها على تفعيل ساحة الضفة الغربية وتشكيل كتائب عسكرية مقاتلة بدعم وتمويل من حُلفائها وفي مقدمتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم تعقيدات الوضع الميداني هناك ، حيث أوجدت أرضية خصبة للعمل العسكري وأدخلت معها كتائب شهداء الأقصى في هذا العمل وبات الجميع يعمل بروح المقاومة الموحدة في الميدان ، لا شك أن دخول الضفة على خط المواجهة سيقلب الطاولة رأسا علی عقب وسیعید ترتیب المنطقة من جديد فهي خاصرة إسرائيل الرخوة، وهي مركز العمل المقاوم والذي تدحرج من بيروت في الثمانينات الى غزة في بداية انتفاضة الاقصى وصولاً الى الضفة الغربية والداخل المحتل بعد سيف القدس وثأر الأحرار، لقد فرضت حركة الجهاد الإسلامي نفسها على الساحة الإقليمية وأصبحت رقما صعبا ولاعبا مؤثرا في مسرح العمليات لا يمكن تجاهله أو تجاوزه ، وهذا ما جعلها في قلب دائرة الإستهداف الإسرائيلي، بما تتمتع به من أفكار جذرية في عقيدتها القتالية ضد إسرائيل عبر تفعيل كل ساحات المواجهة الذي بدأ يأخذ تموضعه ويحيط بإسرائيل من كل حدب وصوب مما يشكل خطراً استراتيجيا وتهديدا وجوديا على الكيان الصهيوني ، ليشعرنا بأمل النصر القادم { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا }