- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مصر: غلاء اللحوم يخنق المستهلك والجزار
مصر: غلاء اللحوم يخنق المستهلك والجزار
- 17 يناير 2023, 10:37:03 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فزت أسعار اللحوم في مصر بنسبة 10%، دفعة واحدة، خلال اليومين الماضيين. بلغ سعر كيلو اللحم البلدي 210 جنيهات بالأحياء الشعبية والريف، ووصل إلى 230 جنيها بالمتوسط في المراكز التجارية.
رفعت الزيادة الثانية في سعر اللحوم خلال شهر، حالة الغضب بين المواطنين المحاصرين بنار مستعرة في أسعار السلع، تؤجج يوميا.
في مدينة "كرداسة" الواقعة على الطريق الدائري للعاصمة المصرية القاهرة، والحد الفاصل بين عشوائيات المدينة، وتحضّر الريف، يجلس محمود الجزار ذائع الصيت بالمنطقة، على قارعة الطريق ينتظر إقبال الزبائن، لشراء ما لديه من كميات ضئيلة. يخشى الرجل أن يضطر إلى التصرف ببيع اللحم المتبقي مع نهاية أسبوع عمله، لمحلات المأكولات أو يضطر إلى وضعها في ثلاجة، فتباع بسعر منخفض يكبده خسائر مع بداية أسبوع عمل جديد.
أخذته الفرحة عندما أقبلنا على محله المعروف، الذي اعتدنا رؤية الزبائن يقفون أمامه في طوابير، ظنا منه أننا سنشتري منه.
سألناه عن سعر كيلو اللحم، فقال: 210 جنيهات (الدولار = نحو 29.65 جنيها). سرقت الفرحة من وجه الجزار، عندما قلنا لماذا رفعت السعر وقد كانت لديك منذ يومين بـ 190 فقط، وكشر عن أنيابه بغضب: "أول أمس كانت بـ 190، وصباح اليوم بعتها بـ 200، والآن 210 جنيهات، ولا تسألني عن السبب لأن جميع الناس والحكومة تعلمه".
استدركناه بسؤال عن تأثره بارتفاع أسعار الأعلاف، رغم توفرها حاليا بالأسواق، فقال: إنه الدولار يا سادة، لقد أصبح المتحكم بحياتنا في كل شيء، الحكومة لم تستطع التحكم في سعره، والتجار يحددون قيمة المواشي والأعلاف وكل ما يبيعونه، وفقا لسعر الدولار.
يواصل الجزار حديثه مع "العربي الجديد" قائلا: طالما الحكومة لا تستطيع أن تسيطر على الدولار، فلا تسألني لماذا أغير الأسعار! وفي رده على سؤال حول سبب عدم كتابة السعر على مدخل الدكان، التزاما بالقانون، نظر الجزار بغضب وقال: لماذا أكتب والسعر يتبدل حسب الأحوال، من الصباح للمساء؟ من يطلبون الالتزام بالقانون أول من يتخلون عنه.
ألقى الجزار بكلمته ساخرا، بينما غرس سكينه في قطعة اللحم لينهي حوارا "أصابه بصداع"، لتكراره مع كل زبون يدخل عليه الدكان، وفجأة قال: "تصدق بالله.. يفترض أن هذه الفترة، مع الاستعداد لشهر رمضان، تكون الأفضل لشراء قطع الجواميس استعدادا لموسم بيع طويل ومثمر، الناس الآن لا تقدر على الشراء، فالسعر المرتفع يخنق الزبون ويقلل من المبيعات، فلا تصدق أن صغار التجار يفرحون بزيادة السعر لأن الغلاء يخنقهم أيضا".
بنظرة إلى محلات الشواء المتراصة على جوانب الشارع السياحي بمدينة، ترى من وجهاتها الشرقية والجنوبية سفح الأهرامات، لا تخطئ العين ندرة الإقبال على شراء أكلات "الكبدة الجملي" والمشويات. يرجع مسؤول المبيعات، في محل شهير، رفض ذكر اسمه، ندرة البيع إلى عدم قدرة الناس على تناول الوجبات، في المحلات الشعبية.
يرفع المسؤول سعر منتجات اللحوم أسبوعيا، بما اضطره إلى كتابة قائمة الأسعار بالقلم الجاف، فلا وقت لطبع أسعار- وفقا للتعليمات الحكومية- إذ تتبدل حسب أحوال الدولار يوميا.
شملت الزيادة أسعار الدجاج والبط والرومي. لم تفلح حملة المقاطعة الشعبية لشراء الدجاج، التي انطلقت 10 يناير/ كانون الثاني الجاري، مستهدفة إجبار التجار على خفض الأسعار. يؤكد منتجو الدواجن أن الأسعار ارتفعت إلى 75 جنيها للكيلو في المتوسط، متأثرة بندرة العرض، من المزارع التي تعطلت دورات الإنتاج بها منذ 3 أشهر، لعدم قدرة المنتجين على توفير الأعلاف، واستمرار ارتفاع أسعار الدولار، المسيطر على قدرة التجار في تدبير الكميات الكافية للمنتجين، وتحمل زيادة سعره في البنوك.
رغم حماس المواطنين لحملات المقاطعة، إلا أن سخريتهم من واقع مرير زادت بعدما تعددت الدعوات للامتناع عن شراء اللحوم والأسماك والبيض، والأرز والخبز والفول والعدس، وأصبح السؤال: ماذا سنأكل بعد ارتفاع الأسعار؟
تعتمد الحكومة على استيراد 65% من احتياجات المواطنين من الغذاء. ارتفعت أسعار الأرز الحر من 16 إلى 18 جنيها، والزيت المخلوط 700 غرام من 35 جنيها إلى 45 والسكر من 16 إلى 18 جنيها.
تضغط احتياجات المواطنين المتصاعدة سنويا نحو المزيد من الطلب على الدولار، لشراء السلع الأساسية من الخارج، وسط شح في العملة الأميركية، وأزمة مالية خانقة.
الخيارات الصعبة أصبحت أكثر خطرا، في وقت أطلقت عدة منظمات تابعة للأمم المتحدة، كمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، والصحة العالمية، و"اليونيسف" وبرنامج الأغذية العالمي، نفيرا مطلع الأسبوع، يحذر من تفاقم أزمة الغذاء والمعيشة.
تنبأ خبراء يشاركون في أعمال منتدى "دافوس" المنعقد حاليا في سويسرا، أن تشكّل أزمة الغذاء وارتفاع تكاليف المعيشة أهم دافع وراء حالة الاضطراب الاجتماعي والسياسي التي سيشهدها العالم وبخاصة الدول الناشئة، حتى عام 2025. انضم خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين إلى قائمة المنذرين بسوء الأحوال المعيشية وتدهور أسعار السلع لمدة عامين.
تأتي مصر على قائمة الدول الناشئة التي تعاني من تدهور أحوالها المالية والمعيشة، وأصبح الجنيه العملة الأسوأ أداءً في العالم، مع تراجعه المستمر أمام الدولار، ما يدفع إلى ارتفاع أسعار كافة السلع، باستمرار ولأجل غير مسمى.
يعترف مستشار اتحاد الغرف التجارية عبد الستار عِشرة في تصريحات صحافية، بعدم قدرة الغرف التجارية، على ضبط الأسواق والسيطرة على الأسعار، لافتا إلى أن الغرف تساهم مع الحكومة في توفير سلع مخفّضة، عبر تنازل التجار عن أرباحهم. قال عِشرة: من الطبيعي أن ترتفع الأسعار خلال الفترة المقبلة، بعدما ارتفع سعر الدولار، متجاوزا حاجز 30 جنيها، في البنوك.
تلقي الحكومة بكميات متواضعة في الأسواق عبر تحالفات مع كبار التجار وجمعيات أهلية، ووزارات التموين والداخلية والدفاع، من السلع التي تحملها عربات توزيع تمر على الشوارع المكتظة بالمارة في المناطق الشعبية، بمبادرات "سند الخير" و"أهلا رمضان "لتوفير" سلع غذائية جيدة وبأسعار مخفّضة وبخاصة من اللحوم والدواجن والأسماك والبقوليات".
يرصد وزير التنمية المحلية هشام آمنة، في بيان صحافي المبيعات للجمهور عبر تلك المبادرات، مشيرا إلى أنها بلغت خلال الأسبوع الماضي 170 مليون جنيه. رغم عدم وجود إحصاءات رسمية للتحقق من تلك الأرقام، إلا أنها تظل دون احتياجات المواطنين من السلع الأساسية، في حي من الأحياء الشعبية، في بلد يسكنه 104 ملايين نسمة، 60% يعانون الفقر، وفق تقارير دولية.
استوردت مصر العام الماضي سلعا بنحو 100 مليار دولار، مع توقع لصندوق النقد أن ترتفع إلى 105 مليارات دولار، عام 2026، بينما الصادرات سترتفع من 43 مليار دولار إلى 55.1 مليار دولار.
وتجري الحكومة مفاوضات مع البنك الإسلامي للتنمية، للحصول على 6 مليارات دولار، لصالح هيئة السلع التموينية، لتمويل شراء الزيت والسكر والأرز والوقود، خلال العامين المقبلين.
سبق للهيئة الحصول من البنك على 6 مليارات دولار خلال الفترة من 2019 إلى يوليو/ تموز 2022، لشراء القمح والزيوت والبنزين الخام والسولار، وتنتظر بيع أصول عامة بنحو 10 مليارات دولار، إضافة إلى قروض من أصدقاء في حدود 14 مليار دولار لسد العجز في النفقات.
يشير خبراء إلى أن المشكلة لم تعد حاليا في سعر الدولار الذي اقترب رسميا من السعر في السوق السوداء، وإنما في توافره، مؤكدين أنه طالما هو غير متوافر في البنوك سيظل يصعد دائما، خارج النطاق الرسمي ويدفع الأسواق للعيش في حلقة مفرغة، ونحو مزيد من الغلاء، لن تكون في اللحوم بمفردها ولكن في جميع السلع والخدمات.