- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مصطفى إبراهيم يكتب: معركة حارم - رمضان عام 599 هجرية
مصطفى إبراهيم يكتب: معركة حارم - رمضان عام 599 هجرية
- 20 أبريل 2022, 1:07:28 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
انتصارات رمضان
في شهر رمضان عام 559 هـ / الموافق شهر أغسطس عام 1164 م، بدأ نور الدين زنكي ،حصار مدينة حارم في.و تمركز بقواته حول الحصن بطريقة عادية ثم بدأ هجومه بموجة جعلت أهل المدينة لا يتمكنون من الراحة.
في سنة 1164 خرج الملك عمورى الأول (أمالرك الأول) ملك مملكة بيت المقدس لقتال أسد الدين شيركوه بمصر، جاعلا مملكته سهلة الوصول من قبل المسلمين من قبل الشرق، فاستغل نور الدين تلك الفرصة، وراسل الأمراء يطلب العون والنصرة، فجاءه المدد من أخيه قطب الدين مودود في الموصل وكذلك الأرتقيون في الجزيرة وديار بكر، وبدأ حصار مدينة حارم .
فطلب حاكم قلعة حارم مساعدة الصليبيون لمواجهة جيش نور الدين زنكي القادم إليه فأتى ريموند الثالث وبوهيموند الثالث وجوسيلين الثالث لفك الحصار عن المدينة. وقد انضموا إلى كونستنتين كالامانوس حاكم قلقيلية البيزنطي، وكذلك توروس ملك أرمينيا وهيو الثالث وغيرهم من الأمراء الصليبيون.
فعندما تقدم الصليبيون بجيوشهم، مستلهمين من النصر في معركة البقيعة التي انتصروا فيها على نور الدين زنكي ، ولكنهم لم يهتموا بقواعد الانضباط العسكري.. وتوزعوا بشكل متهور، فانسحب المسلمون من مدينة حارم واشتبكوا معهم بالقرب من ارتاح. ووقع صدام مروع حيث طبق المسلمون خطة عسكرية وهي التظاهر بالانسحاب، فقد هجم الفرنج في البداية على ميمنة الجيش الإسلامي حتى تراجعت الميمنة وبدا وكأنها انهزمت، وكانت تلك خطة من قبل المسلمين لكي يلحق فرسان الفرنج فلول الميمنة، ومن ثم تنقطع الصلة بينهم وبين المشاة من قواتهم، فيتفرغ المسلمون للقضاء على المشاة، فإذا رجع الفرسان لم يجدوا أحداً من المشاة الذي كانوا يحمون ظهورهم. فحدث ما كان متوقعا، حيث وقع الصليبيون في الكمين، مما أتاح المسلمين أن يطبقوا على فلول المشاة ولم ينج من القتل إلا من وقع في الأسر. والوحيد الذي ينجر وراء الكمين كان توروس الأرمني الذي فضل الهروب من الكارثة والسلامة بنفسه. وكان ممن وقع في الأسر بوهمند أمير انطاكية وريموند كونت طرابلس وقسطنطين البيزنطي وهيو، حيث جرى ربطهم بالحبال سويا ونقلهم إلى حلب. وحسب ابن الأثير فقد قتل من الصليبيين حوالي عشرة آلاف شخص .
وكان لانتصارات المسلمين وتوسعة رقعتهم صدى كبيرًا في أوروبا، ما دفع الغرب الأوروبي لإرسال عدد من الحملات الصليبية لمواجهة جيوش المسلمين، خاصة بعد سقوط الرها في أيدي المسلمين، وهي أول إمارة أسسها الصليبيون في المشرق الإسلامي، هذا بجانب مكانتها المسيحية لديهم.
وبالفعل أرسلت أوروبا حملة صليبية كبيرة تتألف من جيشين كبيرين: جيش فرنسا وروما المقدسة، وقادهما أكبر عاهلين كاثوليكيين هما كونراد الثالث إمبراطور ألمانيا ولويس السابع ملك فرنسا، فيما خرج الجيش الألماني أولًا متجهًا نحو المشرق، ولما عبر إلى آسيا الصغرى قرر كونراد الثالث ألا ينتظر مجيء الفرنسيين وأن يسير نحو قونية عاصمة سلاجقة الروم، وهو ما كان في صالح المسلمين الذين أذاقوه شر هزيمة.
وبدأ صلاح الدين تنفيذ مخططه الذي انتهى في آخر المطاف بدحر الصليبيين وإعلاء راية الإسلام بعد سنوات طويلة من الجهاد
وخاضت جيوش المسلمين العديد من الحروب الجانبية والفتوحات التوسعية تمهيدًا لملاقاة الصليبيين، استمرت لعدة عقود، وبوفاة نور الدين محمود في 11 من شوال 569هـ/15 من مايو 1174م، سادت مخاوف عدة من تفتت الدولة وتمزقها، فلم يكن بين رجال الأسرة الزنكية من يصلح أن يكون خلفًا لنور الدين الذي لم يترك إلا ابن طفلٍ في الحادية عشرة من عمره اسمه إسماعيل، لا يصلح بعد للقيادة.
وبينما كانت الأمور تزداد سوءًا تطلع القائد صلاح الدين الأيوبي إلى بسط سيطرته على الشام وإعادة الوحدة بينها وبين مصر بهدف استمرار السياسة التي بدأها عماد الدين الزنكي، وجرى عليها نور الدين محمود، التي تقضي بتوحيد كلمة المسلمين والقضاء على الصليبيين.
وبالفعل أرسل صلاح الدين كتابًا إلى الخليفة العباسي أبو العباس أحمد الناصر لدين الله يخبره فيه عزمه المسير إلى الشام وعزل الأمراء المتخاصمين وتوحيد البلاد وكلمة المسلمين لأن استرداد بيت المقدس من الصليبيين لن يكون ممكننًا في ظل هذه الظروف، فأجاز له الخليفة ذلك، وبدأ صلاح الدين في تنفيذ مخططه الذي انتهى في آخر المطاف بدحر الصليبيين وإعلاء راية الإسلام بعد سنوات طويلة من الجهاد.
و بدأ ذلك بعدما نشبت في الدولة الفاطميَّة بين سنتيّ 1164 و1169م، فاستنجد الوزير الفاطمي شاور بن مُجير السعدي بِنُور الدين الزنكي لِإخمادها، فوجد نُورُ الدين في هذا فُرصةً لا تُعوِّض لِلسيطرة على مصر وتوحيد الجبهة الإسلاميَّة في مصر والشَّام ضدَّ الصليبيين، وإعادة الوحدة المذهبيَّة بين القطرين بعد أن استقلَّ الفاطميُّون بِمصر طيلة قرنين ونصف تقريبًا، كانت الغلبة فيها لِلمذهب الشيعي الإسماعيلي. فأرسل نُورُ الدين قائد جُيُوشه أسد الدين شيركوه على رأس جيشٍ عرمرميٍّ إلى مصر، فهزم الثائرين فيها وأعاد الأمن إلى رُبُوعها. وفي سنة 1169م، أسند الخليفة الفاطمي العاضد لِدين الله الوزارة إلى شيركوه، بعد قتل شاور بن مُجير الذي حاول الغدر بِالزنكيين، ولكنَّ شيركوه مات بعد شهرين، فخلفهُ ابنُ أخيه يُوسُف بن نجم الدين - الذي اشتهر لاحقًا بِصلاح الدين - وأخذ يُقوِّي مركزه في مصر ويُثبِّت حُكم الزنكيين فيها مُستغلًا ضعف الخليفة الفاطمي.