- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
وائل عصام يكتب: عندما يتم تحويل معركة الانتخابات التركية الى مواجهة مع الغرب!
وائل عصام يكتب: عندما يتم تحويل معركة الانتخابات التركية الى مواجهة مع الغرب!
- 3 يونيو 2023, 6:47:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في كل انتخابات تركية يتم تحويل المعركة الإعلامية على المستوى الشعبوي بين المعارضة وحكومة حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية، الى ما يشبه المعركة بين الإسلام والغرب، أو بين الإسلام والعلمانية كما يعتقد أصحاب هذه الطروحات، والمشكلة أن المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم اردوغان يدعمون هذا الطرح بتصريحات تحمل نبرة مواجهة مع الغرب، تكون مخصصة غالبا للجمهور المحلي. وكما هي العادة، تتناقض التصريحات تماما بعدها بأيام عندما تختلف وجهتها، فنجد الرئيس التركي يخرج في كلمة مصورة موجهة لقادة الاتحاد الأوروبي ليقول: «نرى أنفسنا جزءا لا يتجزأ من أوروبا، ما لم يجبرنا الغرب على أهداف أخرى، فنحن نفضله على غيره … ندعو الاتحاد الأوروبي للوفاء بالتزاماته نحو بلدنا، بدءا بالعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي حتى قضية اللاجئين».
حزب العدالة نفسه لا يعتبر نفسه حزبا إسلاميا بالمعنى الشائع في أدبيات الإسلام السياسي، فهو لا يستند في نظامه الداخلي أو نشاطه في الحياة السياسية الى الشريعة الإسلامية، بل الى العلمانية والى مبادئ الدستور التركي المستمد معظم بنوده من الدساتير الغربية. ويصف قادة الحزب في كثير من الأحيان فكرهم بالإسلام الليبرالي. أما الجانب الإسلامي في الحزب فيتمثل بالقيم الاجتماعية والثقافية لأعضاء الحزب القادمين من مشارب محافظة متدينة التوجه.
صحيح أن داوود اوغلو، رئيس الحزب السابق، نقل عنه في عام 2009 أنه أطلق على حزبه اسم حزب العثمانيين الجدد لكنه رفض ذلك في مناسبات أخرى. وفي جميع الأحوال فإن المقصود بالعثمانيين الجدد كما يقول قادة آخرون هو الإرث والتراث العثماني. لكن التاريخ العثماني هو ما يرتكز منه الجمهور العربي ذو النزعة الإسلامية في رؤيته لتركيا في عهد حزب العدالة حاليا على أنها عثمانية متجددة.
لقد كانت تركيا العثمانية تسعى نحو الغرب وعندما تحطمت آمالها على أبواب فيينا استدارت نحو الشرق لتعوض خسائرها
وبغض النظر عن الخلاف حول تقييم مرحلة الدولة العثمانية، التي حرمت ومنعت آلة الطباعة لقرن كامل بعد اختراعها أوروبيا، فالمتفق عليه أن الدولة التركية الحديثة قامت على أنقاض العثمانية، فقبل أن يحارب اتاتورك الاستعمار الغربي الذي احتل اسطنبول عقب الحرب العالمية الأولى حارب «جيش الخلافة» الذي أرسله السلطان العثماني ليلاحق اتاتورك في عاصمته الجديدة انقرة، وكانت مؤسسة السلطنة العثمانية حينها متحالفة تماما مع الاحتلال الغربي ووقعت معاهدة سيفر 1920 التي وزعت أراضي تركيا بين اليونان وأرمينيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وهو ما رفضه اتاتورك ليخوض معارك حرب الاستقلال الشهيرة التي طردت الاحتلال الغربي وتوجت باتفاقية لوزان 1923، وبسبب الحرج الكبير الذي تمثله هذه الاتفاقية التي محا فيها اتاتورك عار اتفاقية سيفر التي وقعها السلطان العثماني المتحالف مع الغرب، روجت بين صفوف التيار الإسلاموي قصة الشروط السرية التي تنتقص من سيادة البلاد لمئة عام وتعيق استخدامها لمضائقها البحرية واستغلال ثرواتها والى ما الى ذلك من خرافات يتداولها ملايين المتابعين العرب المغرمين بالعثمانية ولا وجود لها، وقد نفتها رسميا وزارة الخارجية التركية.
أُسس دستور الدولة التركية الحديثة على قيم العلمانية ودساتير الدول الأوروبية السباقة في إقامة نظام ديمقراطي قائم على حكم الشعب وليس السلالة الحاكمة.
وفي عهد اردوغان عام 2004 عدلت الكثير من فقرات الدستور لتتناسب مع قوانين الاتحاد الأوروبي، وليس مع قوانين الشريعة الإسلامية، وظلت النخبة الإسلامية في تركيا تستعين بقوانين الاتحاد الأوروبي للضغط لتحييد الجيش ومنعه من الانقلابات على حكومات منتخبة كما حصل مع حكومة أبي الإسلاميين الأتراك نجم الدين أربكان. وعملت حكومة حزب العدالة بجد منذ عام 2002 على السعي للانضمام للاتحاد الأوروبي، وظلت عيونهم مصوبة نحو الغرب وليس الشرق، ومعظم مستشاري اردوغان وأبناؤه وكبار صانعي السياسات التركية تلقوا علومهم في جامعات الغرب وليس في الأزهر!
حتى النهضة الصناعية والبنية التحتية لم تنجز في تركيا إلا بالاستعانة بالدول الغربية، منذ أن بنى الألمان سكة قطار الحجاز الى تشييد البريطانيين أول خطوط مترو اسطنبول، الى اليوم لا تزال معظم المشاريع الكبيرة التي نراها في اسطنبول من الأنفاق والجسور الى مستشفى باشاك شهير العملاق هو من تنفيذ وتخطيط شركات أجنبية غربية وآسيوية، وحتى السيارة التركية والطيارة المسيّرة الشهيرة هي صناعات تجميعية، إذ تستورد أجزاءها المهمة من الخارج.
وبلا شك أنه من اللافت التقدم الإداري والديمقراطي الذي حققته تركيا مؤخرا لكن المبالغة في تفرده ونسبه لدولة أو حكومة إسلامية كلام تعبوي لا يرتكز على حقائق بل على بروباغاندا. لقد استفادت تركيا الحديثة من الغرب ثقافة وعلما ودفنت وراءها أمراض دولة سلالية دينية أسهمت في الحفاظ على تخلف رعاياها حتى لا نقول زادت منه، ولم يسمح سلطانها عبد الحميد ببرلمان منتخب، وسجن أحد أبرز قادة الدولة مدحت باشا ونعته باليهودي فقط لأنه أراد إقامة نظام منتخب يتشارك السلطة مع الشعوب الأخرى وبينهم العرب على حساب العنصر الأصلي، كما يقول في مذكراته، بينما لا يزال العرب متعلقون بها!
لقد كانت تركيا العثمانية تسعى نحو الغرب وعندما تحطمت آمالها على أبواب فيينا استدارت نحو الشرق لتعوض خسائرها، لتبدأ بالتمدد جنوبا نحو الموصل وحلب، وكذلك حصل مع تركيا الحديثة إذ أبدت اهتماما بالمشرق العربي فقط بعد أن أحبطت آمالها بالانضمام لأوروبا التي «تفضلها» تركيا على ما غيرها و»جزءا لا يتجزأ منها» كما قال اردوغان.
كاتب فلسطيني