د.يسري عبدالغني : التجليد في المكتبات العربية الاسلامية

profile
د. يسري عبدالغني ناقد وكاتب
  • clock 16 يونيو 2021, 3:01:37 ص
  • eye 845
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 فن وصناعة  

لقد ظهرت ونمت صناعة مهمة تخص كتب التراث العربي   والإسلامي ، هذه الصناعة أو( فلنقل هذا الفن ) ، أسهمت بشكل كبير في الحفاظ  على التراث ، والعمل على إحيائه ونشره بين جمهور القراء ، مما أدى إلى زيادة الإقبال عليه بهدف القراءة والنسخ والتحقيق .

 هذه الصناعة هي صناعة التجليد التي كانت تقوم في الأساس على حفظ جميع أنواع الكتب المكتوبة ومتونها الداخلية بالصورة السليمة التي تحفظها من الضياع أو التلف ، فضلاً عن قيامها بجذب طبقة جديدة من راغبي عمل خزانات الكتب ، والحافظين لها إحساساً بالثراء والأبهة أو الامتياز .

 نضيف إلى ذلك زيادة انتباه الطبقة المتعلمة أو المثقفة للحصول على الكتب في شتى العلوم والمعارف بصورة تضمن لهم استخدامها استخداماً مستمراً  سليماً ، دون تأثير يذكر على ورق الكتاب .

 وكذا حاجة العلماء وأهل الأدب والفكر والقضاة في الحصول على الكتب اللازمة لهم في عملهم ودرسهم ، و التي يجب أن تحفظ بعيداً عن التلف  رغم كثرة استعمالها .

 تلك الصناعة ، أو ذلك الفن الذي يمثل أحد الفنون الإسلامية   الأصيلة ، أسهم في تطور إخراج الكتب ، والمعروف لنا أن هذا الفن بدأ   بسيطاً ، ثم تخصص فيه فنيون ، واهتم به أصحاب حوانيت الكتب  والوراقون ، فأنفقوا عليه ليطوروه ، فتطور بصورة سريعة ، وبطريقة متقدمة ، وأصبح ملازماً لمصانع الورق في شتى أنحاء المعمورة العربية والإسلامية .

 و يقول بعض الباحثين : إن عمال التجليد من المسلمين تأثروا في فنونهم وأعمالهم بفن التجليد الصيني بعد أن طوروه لعمل غلافات للكتب العربية والإسلامية ، ثم استقلوا أي أصبح لهم شخصيتهم الفنية المعبرة عنهم في هذا المجال ، فأثبتوا تفوقهم في صناعة التجليد حتى صاروا نموذجاً رائعاً لفن الصناعة العربية الإسلامية ، وكانت النتيجة أن قلدتهم بلاد الغرب والشرق وأخذت عنهم الكثير والكثير في فن التجليد . 

 وهنا أحب أن أشير إلى مقالة مهمة في هذا المضمار كتبها / أرنولد برجر كريستي ، في كتاب ( تراث الإسلام ) ، تحت عنوان : (الفنون الفرعية والتصوير والعمارة) ، وقام بترجمتها الدكتور / زكي محمد حسن ، وهذه المقالة تؤكد على براعة المسلمين في مجال الفنون الجميلة بوجه عام ، وفني التصوير والعمارة بوجه خاص ، وبالطبع فن إخراج الكتاب وتجليده أحد الفنون الجميلة التي برعت فيها الحضارة العربية  الإسلامية في مختلف العصور .  

 نقول : هناك فرق بطبيعة الحال بين تغليف الكتب وتجليدها ، فالتغليف هو وضع غلاف الكتاب سواء استعمل الجلد في الغلاف أو لم يستعمل ، أما التجليد فهو التغليف بالجلد ، ولكن أبناء الحضارة العربية الإسلامية دأبوا على أن يستعملوا كلمة (مجلد ) لترادف كلمة  Bended  الإنجليزية ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن العرب لم يعرفوا في عصورهم الأولى تغليف الكتب إلا بالجلد .  

 ويقول بعض الباحثين أنه لا داعي لأن نتحدث عن المجلدين ونحن نبحث في موضوع الكتب والمكتبات العربية الإسلامية ، حديثًا طويلاً ونتتبعهم من بلاد ما وراء النهر ونسير مخترقين خُراسان والعراق والشام ومصر وشمالي أفريقيا إلى الأندلس ، وعندما نسألهم عن رأيهم هذا ، يقولون لنا : إن الكلام عن النسخ والنساخ يعتبر في الوقت ذاته كلامًا عن المجلدين ، إذ أن كلمتي الناسخ والمجلد كانتا متلازمتين تقريبًا في كل ما بين أيدينا من مصادر أدبية وتاريخية ، فكلما وردت كلمة الناسخ وردت معها كلمة المجلد .  

 وللأستاذين (أدلوف جروهمان ) و (توماس أرنولد) دراسة رائعة في موضوع التجليد والمجلدين ، نجدها في كتابهما (الكتاب عند المسلمين) .

 يذهب الأستاذان الفاضلان إلى أن تجليد الكتب نال عناية خاصة من أهل العراق والأندلس ، وكانت (مالقة ) أكثر المدن براعة وإتقانًا في صناعة الجلود عامة ، وتجليد الكتب تجليدًا نفيسًا على وجه الخصوص ، وقد بذل الهواة من جماعي الكتب كما بذل الأمراء المسلمون جهدًا رائعًا كانت نتيجته تكوين المكتبات العربية الإسلامية العامرة ، والتشجيع المتواصل لتنسيقها ، وإبداع تجليد كتبها ، مما أسهم بنصيب ملحوظ في هذا التطور الذي لا نظير له في فن تجليد الكتب في العصور الوسيطة .  

 ومن هذا الكتاب ومن الكتاب الذي أخرجه (ف . سار) بعنوان (تجليد الكتب عند المسلمين) نجد مجموعة قيمة من الرسوم التي هي بحق تنطق بروعة فن التجليد إذا قيس بهذه العصور المبكرة ، وهي لا تزال محتفظة بجمالها على الرغم مما أصابها من ضرر خلال السنين العديدة في تاريخها الطويل .

 وفي واقع الأمر أن التجليد بدأ في الحضارة العربية الإسلامية بسيطًا ، ولكنه تطور بسرعة عجيبة حتى أصبح فنًا فيه دقة وفيه جمال .

 يقول ابن النديم : إن الكتب كانت تجلد بجلد مدبوغ في (النورة) وهو شديد الجفاف ، إلى أن ظهر دبغ الكوفة وفيه لين ، فاستعمل في التجليد وكان                         بدء تطوره .   

 وبعد ابن النديم استمر تطور فن التجليد وتقدمه ، ثم ظهر بعد ذلك التذهيب والزخرفة والتزويق ، فوصل التجليد عند المسلمين إلى القمة ، وأصبح آية في الإبداع والجمال ، ومن تسمح له الظروف بزيارة المكتبة الحيدرية بالنجف الأشرف في العراق سوف يرى مصاحف جلدت أجود تجليد وذهبت وزخرفة بيد فنانة لا   نظير لها .

 يقول العلامة الهندي / آية الله : لقد سيطر الذوق الجميل على الذين كانوا يقومون بهذه الصناعة (صناعة التجليد) في العالم الإسلامي ، وأقدم ما عرف عن تجليد الكتب عند المسلمين هو ذلك الذي يقوم به الصناع المصريون المهرة في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين ، ثم تطور فن التجليد عند المسلمين حتى أصبح التذهيب والتزويق شائعين ، وأصبح مجلد الكتب في العالم الإسلامي معروفًا ومشهورًا بإتقانه وسيطرته على هذا الفن الجميل .  

 نعود لنقول : لم يعرف العرب في العصر الجاهلي فن تجليد الكتب ، وذلك لعدم وجود الكتب بصورة الكراس لديهم ، وأقدم التجليدات الإسلامية التي عرفناها هي عبارة عن أسلوب بدائي يتمثل في شد جسم الكتاب في غطاء خشبي دون تغطية ذلك الغطاء بجلد ، وذلك باستعمال خيط متين .

 بعد ذلك أستعيض عن الخيط المتين بقطعة من الجلد تلصق على دفتي الكتاب ، وأخيراً غطيت دفتا الكتاب بغطاء من جلد مع زخارف وتزينات خارجية وداخلية من حرير أو قماش .

 وهناك مثل فريد للغطاء الخشبي مازال موجوداً في دار الكتب المصرية بالقاهرة ، عبارة عن قسم من مصحف مخطوط أبعاده = 34 سم x 23 سم ، بخط الإمام / جعفر الصادق (رضي الله عنه ) ، سنة 100 هـ ، ويحتوي النصف الأول من المصحف الشريف ، وعدد أوراقها 209 ورقة من جلد الغزال . 

 وتؤكد بعض الأبحاث على أن مصر قد عرفت فن التجليد قبل معظم بلاد العالم الإسلامي ، والسبب في ذلك أن الأقباط كانوا يحفظون كتابهم المقدس ، وقد استخدموا بعد الخشب ورق البردي ، وهذا ما يؤكده كتاب مقدس تم العثور عليه بواسطة بعثة أثرية ، في محافظة الفيوم (جنوب مصر) ، ومازال محفوظاً في مجموعة (رايتر) البردية في المتحف الوطني بالعاصمة النمساوية فينا .

 ثم تأثر المجلدون العرب والمسلمون  ـ فيما بعد ـ بصناعة التجليد في البلاد المحررة التي دخلها الإسلام : القبطية ، والفارسية ، والبيزنطية ، والنصرانية ، وغيرها .. 

 وقد اعتبر عمل المجلد الإسلامي من فنون الكتاب العربي الإسلامي ، التي ساعدت على ظهور التحقيقات الأولى للكتب العربية الإسلامية ، أو بقول آخر : ساعدت على إعادة تحقيقها فيما بعد ، وعليه فقد لعبت دوراً كبيراً في حفظ أوراق الكتب من التلف ، فضلاً عن جمال مظهرها الخارجي الذي كان له دوره في إبراز الكتاب والتأثير في سعره . 7 

 ويمكن لنا القول بأن مراحل تجليد الكتب لدى أبناء الحضارة العربية الإسلامية المسلمين مرت بمراحل ثلاث ، هي : ـ 

المرحلة الأولى : 

 وهي المرحلة الطبيعية ، التي يتم تزيين الكتب بغطاء يحوي مناظر طبيعية جميلة مأخوذة من الطبيعة ، ومن فن العمارة التي برع فيها أهل الإسلام في أنحاء المعمورة العربية و الإسلامية .

المرحلة الثانية :

 وهي المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها (المرحلة الهندسية أو    المعمارية) ، وهي فن تزيين غطاء الكتب بمناظر مأخوذة من العمارة والأعمدة وغيرها ، أو ما شابه ذلك من الأشكال الهندسية مثل المربعات المتداخلة التي تشكل محاورها هيئة نجمة .

المرحلة الثالثة : 

 وهي مرحلة الإضافات الجديدة التي أضافها المجلدون المسلمون لحفظ الكتب المحققة وأوراقها من الداخل ، وبمعنى آخر : مرحلة النضج الفني في صناعة التجليد عند الحضارة العربية الإسلامية .

 بعد ذلك يمكن أن نقول : لقد اعتبر عمل المجلد العربي الإسلامي فيما بعد من فنون الكتاب العربي الإسلامي ، ومتمماً لعمل الخطاط ، والرسام ، والمحقق ، والمؤلف ، من أجل إخراج الكتاب في صورة جميلة تجذب القارئ لشرائه أو الإطلاع عليه .

 كما امتدت صناعة التجليد إلى صيانة أصول الكتب والتحقيقات الأولى لحفظها من أجل أن تكون في متناول أهل البحث والقراءة ، وكذا حفظ أوراقها من التلف والضياع .

 وبناء عليه : أصبح للتجليد دوره الكبير والمتميز في إبراز الكتاب والتأثير في سعره ، و بالتالي وجدنا بعض أصحاب المكتبات الخاصة أو الأثرياء الذين لا يعرفون قيمة الكتب الحقيقية وأهميتها ، وجدناه يسعى بكل جهده إلى شراء كتاب لمجرد أنه يتناسب مع حجم مكتبته الفخمة (شكلاً) ، وهو على استعداد كامل لأن يدفع أي مبلغ من المال لشراء هذا المجلد دون أن يدري أي شيء عن موضوعه أو محتوياته أو أهميته !! 

 وصار المجلد رمزاً لغلافات أو أغلفة الكتب العربية والإسلامية ، ودليلاً عليها ، بل باتت تعرف ويشار إليها بتجليدها الفخم الجميل .  

 نعود لنقول : لم يعرف العرب في العصر الجاهلي فن التجليد ، على هيئة حلية ، أو شكل معين ، أو تحديد ، وأول ما عرفه العرب و المسلمون عند جمع القرآن الكريم في صحائف ، حيث قاموا بتجليد المصاحف المطهرة .  

 إن استعمال الرق (الجلد) من الملف إلى المصحف الشريف ، كان طبيعياً أن تظهر الحاجة إلى غلاف يحفظها ، وامتدت التجليدات العربية الإسلامية وتطورت بعد ذلك تطوراً فنياً كبيراً ، بعد أن كانت بدائية تتمثل في تجميع أوراق المخطوط بين لوحين من الخشب بينهما كعب ، أي شد جسم الكتاب ، ويضاف إلى هذا كسوة من الرق أو الجلد أو القماش أو صفائح المعدن ، ويتم الشد فيما بعد باستخدام خيط متين .

 ويرى بعض أهل الاستشراق : إن الطريقة التي تجلد بها الكتب العربية         الإسلامية   ، والتي حلت محل الأدراج المطوية ، منشؤها القارة السمراء . 

 على كل حال ، فإن أقدم جلود الكتب المعروفة في العصور الإسلامية الأولى صنع أغلبها في مصر ، (حسب رأي العديد من الباحثين) ، ومنها تعلم العرب المسلمون بعد الفتح العربي الإسلامي لها (20 هـ ـ 21 هـ) أساليب  التجديد ، ثم نقلوها إلى ثائر بلاد العالم الإسلامي .  

 وكانت الخطوة التالية استخدام ألواح الخشب لصفائح البردي ، وكان البردي يستخدم عادة في تغليف كتب صغيرة الحجم ، وقد أشرنا من قبل أنه عُثر على كتابٍ مقدس بمحافظة الفيوم المصرية ، وكان مغلفاً بأوراق البردي .

 وتطورت صناعة التجليد وانتشرت في أرجاء المعمورة الإسلامية على يد العرب المسلمين ، في القرون الأولى بعد الهجرة المشرفة ، حتى صارت فيما بعد فناً دقيقاً ناضجاً ، واتخذ شكلاً إسلامياً واضح المعالم منذ القرن السابع الهجري .

 ومن خلال هذا التطور ، وفي إحدى مراحله غطيت دفتا الكتاب بغطاء من جلد ، مع زخارف وتزينات خارجية وداخلية من حرير أو قماش ، وقد ذكرنا لك من قبل كمثال فريد مصحف الإمام / جعفر الصادق (رضي الله عنه ) المحفوظ بدار الكتب المصرية بالقاهرة .

 ولم يترك ابن النديم ، صاحب كتاب (الفهرست) الأمر ، بل ذكر لنا عدداً من أسماء المجلدين الذين اشتهروا في مجال فن التجليد ، مثل : أبي الحُريش الذي كان يعمل مجلداً في مكتبة بيت الحكمة ببغداد على أيام الخليفة العباسي / المأمون (الفتى الذهبي للحضارة العربية الإسلامية)، وشفه المقراض العجيفي ، وكذلك أبو عيسى بن شبران ، ودميان الأعسر بن الحجام ، والحسين بن الصفار .  

 لقد أسهم فن التجليد وتطوره في شكل الكتاب ، فأصبح عمودياً مع تطور التصميم العام في زخرفة جلدة الكتاب أو الغلاف ومكانتها .

 وصارت هذه الصناعة أو ذلك الفن في تطور دائم ومستمر على يد المسلمين ، يبدعون ويبتكرون ، لتلبية كل ما يحتاجه القارئ من المجلد ، فظهر (اللسان) الذي ظهر لحماية الأطراف الأمامية من الكتاب ، وتحديد الصفحة التي توقف عندها القارئ ، ليستأنف القراءة في أي وقت يشاء دون أدنى مشقة .

 وقد بلغ قيمة التجليد الحسن للكتاب ، في بعض البلاد الإسلامية ، (في القرن الرابع الهجري تقريباً) دينارين فقط لا غير .  

 وعندما ظهر الثراء في أنحاء العالم الإسلامي ، وتطور أمر الحصول على الكتاب من الحب الحقيقي له ، إلى الافتخار بوجوده بأعداد وأشكال مختلفة عند ذوي الثراء والجاه والسلطان ، ورجال الدولة وأمثالهم ، كثرت المكتبات الخاصة في المنازل بجانب المكتبات العامة ، ومكتبات المساجد ، والمؤسسات الدينية والثقافية .

 ومن هنا ظهرت الحاجة إلى إظهار التجليد بصورة تنم عن الثراء ، وتعمل على تلبية الاحتياجات الجديدة من الكتب ، فكانت بعض الكتب تجلد بالخشب المزخرف المطعم بالعاج والعظم والصدف ، ثم استخدم الورق المضغوط أو المقوى ، عوضاً عن الخشب في كتب أخرى لتقوية الكتاب . 

 وأقبل الناس بسائر طبقاتهم الاجتماعية على تجليد الكتب ، وتقدم المسلمون عبر أقطار العالم الإسلامي في صناعة التجليد وفنونه ، حيث عرفوا طريقة الدق أو الضغط ، كما استخدموا التخريم ، والدهان ، والتلبيس بالقماش ، كما كانوا أحياناً يقطعون الجلد بالرسم الذي يريدونه ثم يلصقونه على الأرضية     الملونة ، وهي عملية تحتاج إلى غاية المهارة والدقة ، وكثيراً ما اتبعت في زخرفة جلدة الكتاب من الداخل .

 هذا ، ونما مع فن التجليد وصاحبه وخدمه فن الزخرفة بالذهب ، أو ما نطلق عليه (التذهيب ) هذا الفن الذي يعتبر تأثيراً إسلامياً عربياً مباشراً ، وأسهم ذلك كثيراً في تجليد الكتب بالحد المزخرف بالرسوم المضغوطة أو البارزة .  

 كما استعملت أختام مختلفة الأشكال والحجوم ، وكانت عناية المجلدين وأعوانهم بباطن الجلود وألسنتها ، كعنايتهم بالجزء الخارجي منها ، ولذلك ظل التجليد والتذهيب فناً مزدهراً في العصور المختلفة للحضارة العربية الإسلامية .

 ومن المذهبين الذين ذكرهم ابن النديم في كتابه (الفهرست) وخاصة للمصاحف : اليقطيني ، وإبراهيم الصغير ، وأبو موسى بن عمار ، وابن   السفطي ، ومحمد بن محمد أبو عبد الله الخزيمي وابنه .  

 ولقد أسهم الكثير من الخلفاء المسلمين ، وخاصة في بلاد الأندلس ، وكذلك الولاة والحكام في تطور هذا الفن ، فقيل : إن أهل قرطبة الأندلسية أهدوا الخليفة / عبد المؤمن بن علي ، مصحف الخليفة الراشد / عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، فجمع الصناع المتقنون في سائر بلاد المغرب والأندلس ، وكذلك : المهندسين ، والنقاشين ، والزواقين ، والمرصعين ، والنجارين ، والرسامين ، والمجلدين ، وعرفاء البنائين ، فصنع له أغشية بعضها من السندس ، وبعضها من الذهب والفضة ، وحلاهُ بأنواع الياقوت وأصناف الأحجار الغريبة الأنواع .  

 وختاماً نقول : إن تقدم هذا الفن بلغ أقصى مداه في البلاد العربية والإسلامية ، ولعل ما تحتفظ به دار الكتب المصرية وغيرها من دور الكتب العربية والإسلامية لأكبر دليل على ذلك ، حيث أن معظم ما بها من مصاحف جُلِدَ أو صُنِعَ  بأمر السلاطين والأمراء الذين وفروا للفنانين وقتذاك ما يحتاجون إليه من مواد خام تلزم هذه الصناعة ، وأعطوهم الأجور العالية المجزية التي تحفزهم على الإجادة والإتقان في هذا المجال .

التعليقات (0)