- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
«قوارب الموت» تحولت إلى ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان
«قوارب الموت» تحولت إلى ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان
- 11 سبتمبر 2022, 4:22:43 ص
- 538
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اتسعت خلال الأسابيع الماضية وبشكل غير مسبوق، موجات الهجرة غير الشرعية من السواحل اللبنانية إلى الشواطئ الأوروبية. ولا تخلو وسائل الإعلام اللبنانية بشكل يومي من خبر أو أكثر عن القوارب التي كشفتها الأجهزة الأمنية اللبنانية في عرض البحر، أو عن قوارب أخرى خرجت من لبنان وغرق من فيها عرض البحر أو قرب السواحل الأوروبية.
وتحولت الهجرة غير الشرعية عبر القوارب البحرية إلى ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد أن تحدثت معلومات أن عائلات فلسطينية عرضت منزلها في المخيم، وعرضت أثاثه وكل ما تملك للبيع لتأمين تكاليف الهجرة لسماسرة من مختلف الجنسيات.
ويقول منعم عوض أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية لـ«القدس العربي» إن ارتفاع موجات الهجرة وعدد المهاجرين عبر قوارب البحر أو ما يطلق عليها «قوارب الموت» كان نتيجة طبيعية لحجم المعاناة وحالة الانهيار النفسي والمعيشي وحالة اليأس والإحباط التي يتعرض لها اللاجئ الفلسطيني في لبنان، خاصة في مخيمي نهر البارد والبداوي قرب مدينة طرابلس منطقة شمال لبنان.
ويضيف عوض، لقد تفاقمت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال السنوات الأخيرة، بعد الانهيار المالي والمعيشي الذي يتعرض له البلد، إلى جانب معاناة اللجوء وارتفاع نسبة البطالة والقهر والحصار.
وطالب عوض من الصحافة ووسائل الإعلام تسليط الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان واتساع موجات الهجرة غير الشرعية خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتشريح أسبابها ومن يقف خلفها. بدورها، أشارت الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين إلى تزايد عمليات الهجرة وبشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة لعائلات اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى دول أوروبا، لا سيما من فئة الشباب ومن كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية وتحديداً مخيميْ البداوي ونهر البارد شمال لبنان، وذلك عبر القوارب البحرية، ومنها من نجح ومنها من فشل.
ورأت الهيئة أن الهجرة غير الشرعية عدا أنها تهدد حياة من يخوض غمارها من اللاجئين والغرق في البحر، أو الوقوع فريسة بين يدي السماسرة وعصابات تجار البشر التي تتقاسم الأموال وتفاوض على من يريد الهجرة وكأنه سلعة، فإنه يهدد الوجود الديموغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويمهّد لتفريغ المخيمات من الثِقل الكمي والنوعي للاجئين، ولما له من تأثير على تفكك للعائلات الفلسطينية وبعثرة للمجتمع الفلسطيني في دول العالم، والابتعاد جغرافياً عن الحدود مع فلسطين، ما استدعى تسليط الضوء على فرصتين بتقديرنا هامتين لإنقاذ ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الأولى مرتبطة بتشكيل الحكومة اللبنانية، والثانية مرتبطة بالتحضيرات لبدء الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
الفقر والبطالة
حسب تقديرات أشارت إليها «الأونروا» فإن 86 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وبأن أكثر من 80 في المئة من أطفال اللاجئين الفلسطينيين الرضّع في لبنان لا يحصلون على ما يكفي من المتطلبات الغذائية للنمو الصحي، وبأن نسبة معدلات الفقر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى لبنان قد وصلت إلى 87 في المئة، هذا وقد وصلت نسبة البطالة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حوالي الـ 80 في المئة.
معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سبقت الأزمة الاقتصادية المدمرة التي تمر بها البلاد منذ نهايات سنة 2019 بعقود، وجاء انهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار وارتفاع أسعار سلع غذائية ومواد استهلاكية وأدوية. إلى أكثر من 1000 في المئة (ألف في المئة) وتراجعت خدمات «الأونروا» نتيجة العجز المالي، ليزيد الطين بلّة وليفاقم الأوضاع الصعبة للاجئين في المخيمات والتجمعات والمناطق.
يقول أبو محمد وهو والد أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين تمكنوا من الوصول إلى إيطاليا وهو من مخيم البداوي، باتت الهجرة المجال الوحيد المفتوح أمام الشباب الفلسطيني. فمع انسداد الآفاق الاقتصادية عموما في البلاد، والمعاناة الخاصة التي كان يعيشها اللاجئون الفلسطينيون قبل الأزمة أي قبل العام 2019 (الحرمان من حق العمل والتملك والحقوق المدنية) جعلت كل مشاريع هؤلاء الشباب في لبنان محكوم عليها بالفشل. ما الحل إذا؟
غياب الأفق
أما الحاج أبو ناصر (75 سنة) فيقول: «كيف سأعيش إذا كان ثمن كيلوغرام السكر دولارا واحدا وسلة البيض 4 دولارات؟ نحن 9 أشخاص ولا يعمل أحد سواي. صدقني، بكيت في المنزل أمس لأنني لا أستطيع شراء ما تحتاجه أسرتي، وأعرف الكثير من العائلات في المخيم يطعمون أطفالهم الخبز المغمس بالشاي».
وبرأي هيئة 302 الحقوقية أن ما يدفع هؤلاء اللاجئين إلى الهجرة، الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي وغياب الأفق لأي حلول يمكن من خلالها رسم معالم مستقبل جيد، فهؤلاء اللاجئون منهم من استدان المال، ومنهم من باع ممتلكاته أو بيته أو حليّ زوجته، ليدفع للسمسار بحثاً عن الأمن والأمان والاستقرار، الذي حينا يصدق وأكثر الأحيان عكس ذلك. ولكن وفقا للمتابعين فإن معظم عمليات الهجرة تتم دون اللجوء إلى مهربين وبسرية تامة. المهاجرون أنفسهم يجمعون الأموال من بعضهم ليتمكنوا في النهاية من شراء قارب وتجهيزه بكافة المعدات المطلوبة للرحلة.
وتعتقد «الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين» بأن هناك فرصتين لإنقاذ من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والحفاظ عليهم وحمايتهم ولتثبيتهم في مخيماتهم وتجمعاتهم وتوفير العيش الكريم لهم إلى حين العودة:
الفرصة الأولى:
تجري في لبنان حالياً التحضيرات لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وفي خطوة جديدة، لها دلالاتها السياسية والإنسانية، أكّدت مصادر فلسطينية، أن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني برئاسة الدكتور باسل الحسن، تسعى لتشكيل لجنة من الوزارات اللبنانية المعنية بالشأن الفلسطيني وخاصة الخدماتية منها مثل الصحة، التربية والتعليم، العمل والشؤون الاجتماعية، استكمالا للدور اللبناني في دعم «الأونروا» لسدّ العجز المالي في أعقاب اجتماع اللجنة الاستشارية التي عقدت في بيروت منتصف الشهر حزيران/يونيو الماضي.
وهناك بارقة أمل على مستوى اعتماد هذه اللجنة الوزارية والشروع في عملها بالتنسيق مع «الأونروا» والمرجعيات السياسية الفلسطينية في لبنان، ولكن المطلوب من جميع الأطراف المعنية من مؤسسات، جمعيات، نقابات، وسائل إعلام، سياسيين، أدباء، مثقفين، فنانين، التي يمكن لها أن تخاطب الحكومة اللبنانية التي ستُشكَل، والطلب إليها بضرورة إدراج بند خاص يتعلق بتوفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان في البيان الوزاري المقبل، لا سيما حقيْ العمل والتملك، وضرورة تحويل تلك الحقوق إلى مراسيم معتمدة في المجلس النيابي، والشروع الفوري في تنفيذها، واستحضار أهمية توفير تلك الحقوق على المستوى الإنساني والسياسي والأمني، والتعالي على الحسابات الداخلية اللبنانية التي لا دخل للاجئ الفلسطيني فيها، وبأن إعطاء تلك الحقوق يوفر العيش الكريم للاجئين، ويتوافق مع ما جاء في مقدمة الدستور اللبناني برفض التوطين، ويمكّن اللاجئ من التمسك بحق العودة، وينسجم مع مشاركة لبنان بصياغة وتبني والتزامه بتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ويخفف إلى حد كبير المشاكل والاضطرابات الاجتماعية والأمنية التي تبرز أحياناً نتيجة الضغط والكبت والأوضاع الإنسانية الصعبة في المخيمات المكتظة.
كما أن جلسات الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 13/9/2022 وفي 23/9/2022 وانعقاد مؤتمر التعهدات الخاص بوكالة «الأونروا» فرصة لتسليط الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين عموماً، وعلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل خاص نتيجة ما يتعرض له من عملية تفريغ ديموغرافي. إذ بالإضافة إلى ما ورد من ضرورة مخاطبة كذلك الدول الأعضاء في الجمعية العامة، يحتاج اللاجئون الفلسطينيون كما تقول الهيئة إلى التحرك على مستويين، الأول رفع مستوى المسؤولية الوطنية الفلسطينية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً وقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على وجه الخصوص والتي تقتضي تحركاً سياسياً نشطاً من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، يسنِد بفعل شعبي منظم ومتصاعد ومستمر في مختلف أماكن تواجد الفلسطينيين، مدعوماً بحملة مناصرة عالمية تكشف الغايات السياسية من وراء استهداف وكالة «الأونروا».
كما لا بد من الاعتراف بأن الفعل السياسي الدبلوماسي الفلسطيني الراهن يعاني من قصور ولا يتجاوز النداءات وردات الفعل الإعلامية، الأمر الذي يستوجب حراكا ضاغطا في أروقة الأمم المتحدة تقوده بعثة دولة فلسطين العضو المراقب في الأمم المتحدة من خلال تشكيل لوبي في الجمعية العامة يكون قادرا على أن يسلط الضوء وإبراز قضية اللاجئين الفلسطينيين لا سيما في لبنان والدفع باتجاه أن يكون الفعل السياسي الفلسطيني استراتيجياً ضمن خطة قابلة للمراكمة لحماية حقوق اللاجئين على المستوى السياسي والإنساني من خلال تحقيق أربعة أهداف متكاملة؛ حماية وكالة «الأونروا» ومعالجة أزمتها المالية المزمنة، وتوسيع صلاحياتها، والدفع باتجاه تطبيق القرارات الأممية الصادرة عن الجمعية العامة ذات الصلة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.