- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
مجدي حداد يكتب: متلازمة الشطرنح
مجدي حداد يكتب: متلازمة الشطرنح
- 11 سبتمبر 2022, 4:28:15 ص
- 727
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا يقبل المجتمع عادة ، و بسهولة ، من يريد أن يصحح له أخطاءه التى اعتاد التعايش معها وحتى ممارستها . بل قد يتخذك عدو ، ولُد في الخصام ، إذا أصريت على تصحيح خطأ ما يتعايش معه ويمارسه بشكل اعتيادي وروتيني ، وحتى بكل أريحية ، مع نفسه ، أو حتى مع الغير . و الأسوأ هنا أن يبادله الغير نفس المشاعر ، وبلا أدنى مراجعة حتى للمواقف !
لذا لم تكن مهمة الأنبياء ، ولا المصلحين ، سهلة على مر العصور . بل منهم من لقي حتفه ، وبعد أن تآمر القوم على قتله ، مع إصرارهم على دعوة قومهم بالتمسك بالحق والابتعاد عن الباطل ، كالنبي زكريا والنبي يحيا مثلا عليهما السلام .
وفي الحقيقة قد تبين لي هذا الأمر عمليا ، و أنا تقريبا في السابعة عشر . ولا زال حتى اللحظة عالقا بذهني ذلك الموقف المرجعي .
وكنت قد مارست إذن لعبة الشطرنج و أنا في الصف الأول الاعدادي تقريبا - وفي تلك السن تقريبا تطرقت لأنشطة عديدة منها القراءة .
وعَلمت تلك اللعبة لأصدقاء وأقارب لي ، حتى منهم من صار يفوز على فيها ، وبعد أن صار مستواهم فيها أفضل مني بكثير - و أنا سعيد بذلك طبعا .
ولكن ما استوقفني حقيقة انني لما علمت اللعبة لأحد معارفي ، سعد بذلك كثيرا ، وعلمها بدوره لأقاربه ، ولكن بطريقه خاطئة تخالف قواعد اللعبة المتعارف عليها ، وقد يكونوا هم من فهموا خطأ تحركات بعض القطع . ويبدو انهم علموا بعضهم البعض بنفس الطريقة الخاطئة ، و مارسوها سنين طوال على ذات المنوال ، و على هذا النحو الخاطئ ، ولكن في الدائرة الضيقة جدا ، و المشكلة لمحيطهم الخاص جدا ، وبدون أية احتكاك مع أى أحد أخر خارج هذا الإطار ، أو المحيط المشكل لمجتمعهم ، ومن دون حتى تتبع الأخبار والبطولات الدولية و أبطال العالم في تلك اللعبة ، فضلا عن محاولة معرفة مبادئ تكتيكاتها و استراتيجيتها .
ولما حدث أن لعبت دورا مع أحدهم ، ووجدته ينقل القطع بطريقة خاطئة ، ووضحت له ذلك فما كان منه ان قال لي - وربما بشئء من التعال والنفور والقرف : " هو ده لعلبنا - يعني إذا كان عجبك - وكلنا بنلعب اللعبة دي مع بعض و بالطريقة دي ، ومن زمان ، و مبسوطين قوي من كدا ، متجيش أنت بقى و تقرفنا ، و تنكد علينا ، وتلبس علينا طريقة لعبنا !" .. وربما ترك الرقعة والدور واللعبة و انصرف غاضبا ، محدثا نفسه قائلا : " ... وبعد السنين دي كلها حتة عيل هيجي يعلمنا أيه الصح و أيه الغلط .. بلا شطرنج بلا قرف ... !"
وتلك في الحقيقة هي آفة من أخطر آفات مجتمعنا ؛ صعب عليه حتى أن يتعايش مع الحقيقة - ناهيك عن اكتشافها ، والتصرف الإيجابي بموجبها - ويتقبلها ، حتى ولو كان في ذلك نجاته ، أو على الأقل تحفيزه على مقاومة الباطل و الظلم والظالم ، بل قد يحدث هنا - وفي المجتمعات التي اختارت أن لا تتعافى أبدا من أمراضها ، ومهما كان ذلك في المتناول - وبكل أسف ، العكس ، فيتعايشوا مع القهر والفُجر والظلم ، حتى ولو وضع أي مجرم أو قزم متحكم فيهم ، ويخدعهم ليل ونهار بحلو الكلام و زيفه ولحنه ، و أيضا " سهوكته " ، السكين على رقابهم وهم في سباتهم و نومهم وحتى يقظتهم يعمهون ، وفي غيهم سادرون ..!