- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أتلانتك كاونسل: حان وقت التدخل الأمريكي لتفكيك التقارب المصري الروسي
أتلانتك كاونسل: حان وقت التدخل الأمريكي لتفكيك التقارب المصري الروسي
- 31 أغسطس 2022, 4:04:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل أسابيع، أعلنت شركة "روس آتوم" الروسية، بشكل مفاجئ، أنها ستبدأ في إنتاج معدات أول محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة شمال غربي مصر. وأثار هذا التطور مخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تعتبران استمرار المشروع علامة على استمرار تقارب القاهرة مع موسكو.
ويمثل الإعلان، الذي جاء خلال زيارة رئيس هيئة المحطات النووية المصرية إلى موسكو، إحياءً لاتفاقية وقعتها مصر وروسيا في عام 2015، ولم يشهد تقدمًا يذكر منذ ذلك الحين، وهو ما جعل الإعلان المفاجئ في هذا التوقيت يثير شكوكا بين المراقبين في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويأتي إعلان روسيا - التي التزمت بتمويل 85% من تكلفة مشروع الضبعة من خلال قرض بقيمة 25 مليار دولار على مدى 22 عامًا - في وقت تعاني فيه من عقوبات اقتصادية قاسية جراء الحرب التي تواصل شنها في أوكرانيا.
مصر ليست بحاجة
بينما يرى المحللون أن مصر ليست بحاجة ملحة لمنشأة نووية الآن، حيث تتمتع بفائض في الطاقة بفضل الاستثمارات المتزايدة في الطاقة المتجددة والاكتشافات الضخمة للنفط والغاز التي تحققت في السنوات الأخيرة.
ووصل إنتاج حقل "ظهر" - أحد أكبر حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط (اكتشفته شركة الطاقة الإيطالية إيني في عام 2015) - رقماً قياسياً بلغ 2.74 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً في عام 2021، ومن المتوقع إضافة بئرين جديدين إلى حقل الغاز لزيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة.
علاوة على ذلك، هناك منشأة للطاقة الشمسية بقيمة 10 مليارات دولار قيد الإنشاء في مدينة أسوان، مع إمكانية إنتاج نفس كمية الطاقة التي ستنتجها الضبعة (بثلث تكلفة الأخيرة فقط)؛ ويجعل ذلك منشأة أسوان أكثر فعالية من حيث التكلفة وبدون المخاطر البيئية المحتملة التي تشكلها منشأة الضبعة.
ومع ذلك، يصر المسؤولون المصريون على أن أمن الطاقة المستقبلي للبلاد يستلزم تنويع مصادر الطاقة بما في ذلك الطاقة النووية. ويرون في بناء منشأة الضبعة وسيلة لتحفيز التحول في البلاد إلى اقتصاد منخفض الكربون. ويعني ذلك أن هذا المشروع يمكن أن يزود أكثر دول العالم العربي سكانًا بالكهرباء النظيفة والموثوقة وبأسعار معقولة.
وتهدف استراتيجية الطاقة المتكاملة في مصر إلى زيادة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة إلى أكثر من 40% بحلول عام 2035، وليس من المستغرب أن يتم الترويج للمشروع في وسائل الإعلام المصرية على أنه من شأنه تحسين مستويات معيشة المصريين. ويتماشى أيضًا مع طموح مصر في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.
وتحقيقا لهذه الغاية، تقوم مصر بتنفيذ إصلاحات مالية وبناء روابط بينية للطاقة (إلى جانب تحولها الملحوظ نحو تنمية موارد الطاقة المتجددة). وفي الوقت نفسه، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا والدفع اللاحق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين للتخلي عن استخدام النفط والغاز الروسي، يقدم فرصة لمصر للتدخل وسد الفجوة في إمدادات الغاز إلى أوروبا من خلال زيادة الإنتاج والصادرات.
وتم بالفعل توقيع اتفاقيات بين "إيني" الإيطالية والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي، "إيجاس"، لتزويد أوروبا - إيطاليا على وجه الخصوص - بثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال في عام 2022.
عدم انصياع
يشار إلى أن مصر رفضت الانصياع لضغوط الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين لإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا بشكل صارخ. وبدلاً من ذلك، اختارت مصر البقاء على الحياد في الصراع ورفضت فكرة فرض عقوبات على روسيا؛ بالرغم من حقيقة أن البلاد أيضًا تعاني من تداعيات الحرب المستمرة ومن أهمها زيادة تكلفة الواردات خاصة الحبوب.
وقد أشاد الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي الدولي الذي عقد في سانت بطرسبرغ يومي 15 و 18 يونيو/حزيران، بعلاقات مصر "المتميزة" مع روسيا، وأشار إلى أن البلدين ينفذان مشاريع "كبيرة" و"طموحة"، مستشهداً بمرفق "الضبعة" كأحد هذه المشاريع.
كما تعمل روسيا على تعزيز تعاونها مع مصر من خلال إنشاء منطقة صناعية روسية في قناة السويس، والتي من المتوقع أن تجتذب 7 مليارات دولار من الاستثمارات وتساعد أيضًا في تطوير شبكة السكك الحديدية المتهالكة في البلاد.
يتمتع البلدان بعلاقات وثيقة منذ عقود، لكن العلاقات نمت أكثر منذ وصول "السيسي" إلى السلطة في عام 2014. وبسبب انتقادات الولايات المتحدة والزعماء الأوروبيين للانتهاكات الحقوقية في مصر، سعى "السيسي" إلى لتنويع الشراكات العالمية من خلال تعزيز العلاقات مع نظيره الروسي غير المهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولا يزال "السيسي" حذرًا من الولايات المتحدة التي ألقت بثقلها وراء النشطاء المؤيدين للديمقراطية والذين قادوا انتفاضة 2011 ضد الديكتاتور "حسني مبارك"، وكانت على استعداد لاحقًا للتعامل مع حكم الإخوان المسلمين، باعتباره نتاج الصندوق الانتخابي.
وذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك، حيث علقت في عام 2013 جزءًا من 1.3 مليار دولار تمنحها سنويًا لمصر بسبب القمع الدموي الذي قاده "السيسي" بعد انقلاب يوليو/تموز 2013.
وبالرغم أن الولايات المتحدة أفرجت عن المساعدات المعلقة في عام 2015، فقد تسبب التعليق بالفعل في توتر العلاقات الأمريكية المصرية. وفي سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن خطط لإدارة "جو بايدن" لحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر حتى "تتخذ الأخيرة خطوات محددة تتعلق بحقوق الإنسان".
ووصفت وزارة الخارجية المصرية مرارًا الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان بأنه "تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد اعتمادا على معلومات مضللة تنشرها المعارضة".
إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تعزيز تعاونها مع مصر، فقد تحتاج إلى القيام بما فعله الاتحاد الأوروبي: التخفيف من انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في مصر والبحث عن مصالحها.
وطالما أن "السيسي" يوقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ويواصل جهوده لمكافحة الإرهاب، فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد لغض الطرف عن أي تجاوزات وتعزيز ترسانة الجيش المصري من خلال زيادة مبيعات الأسلحة الأوروبية إلى مصر (لا سيما من ألمانيا وفرنسا).
وقد دفع هذا الاتفاق غير المعلن مصر إلى توقيع اتفاقية شراكة طال انتظارها مع الاتحاد الأوروبي ليتم تنفيذها على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتتضمن الشراكة الجديدة مساعدة مصر في بناء اقتصاد مستدام وقادر على الصمود من خلال التحول الأخضر والرقمي، والطاقة، والتنمية الريفية، ودعم البلاد في مواجهة تحديات الأمن الغذائي.
ولا يعني ذلك أنه يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاهل قيمهما المتمثلة في احترام حقوق الإنسان والمساواة والحرية والديمقراطية. بدلاً من ذلك، يجب على الغرب أن يواصل الضغط من أجل الإصلاحات السياسية من خلال تعزيز الدعم وزيادة التعاون لبناء الثقة المتبادلة.
وفي خطابه أمام منتدى سانت بطرسبرغ، أقر "السيسي" بأن مصر تشعر بالأزمة الاقتصادية العالمية، ودعا إلى "بذل جهد تعاوني من جميع الأطراف لمعالجة الأزمة". ومن الأفضل للولايات المتحدة أن تستجيب للدعوة من خلال الاستمرار في تقديم الدعم لحليفتها في شمال إفريقيا في هذا الوقت من الاضطرابات الاقتصادية وعدم اليقين.
ولم تُخفِ إدارة "بايدن" توجه تقليص البصمة الأمريكية في الشرق الأوسط. وترك هذا التوجه دولًا في المنطقة تشعر بعدم الأمان؛ حيث كان قادتها يعتمدون على الولايات المتحدة كضامن أمني. لذلك ليس من المستغرب أن تتدخل روسيا لاستعادة موقعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال ملء الفراغ المحتمل مع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وتحويل تركيزها إلى منطقة الهندي-الهادي.
وبينما تواصل مصر "الحرب ضد الإرهاب" في سيناء وتكافح من أجل انتشال اقتصادها من الركود الوشيك، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى وجه الخصوص مصر، التي يعد استقرارها أمرًا أساسيًا لاستقرار المنطقة.
ويعد دعم مصر مفيدا للجانبين؛ لأنه سيضمن أن يكون للولايات المتحدة شريك موثوق للعمل معه، خاصة عند نشوب صراعات في المنطقة. وقد أثبتت مصر، في عدة مناسبات، قوتها كوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين. ويضمن هذا الدعم أيضًا التزام القاهرة بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي بدأتها، والتي تصب في مصلحة كل من الولايات المتحدة ومصر.
لقد حان الوقت الآن لكي تتعاون الولايات المتحدة مع مصر بشكل أكبر وليس أقل.
المصدر | أتلانتك كاونسل