- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أحمد طالب الأشقر يكتب: هل الظلم مؤذن بخراب سوريا .. وما هو الحل؟!
أحمد طالب الأشقر يكتب: هل الظلم مؤذن بخراب سوريا .. وما هو الحل؟!
- 25 مارس 2023, 5:25:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وضع الفيلسوف ابن خلدون نظرية غاية في الأهمية يستشرف فيها واقعنا يتحدث فيها عن الدولة والعمران؛ أثرت هذه النظرية بالعديد من المفكرين قديماً وحديثاً؛ فوفقًا لابن خلدون، فإن الظلم يؤدي إلى خراب العمران، وذلك لأن الظلم يؤدي إلى تدمير المجتمع، وعندما يسيطر الظلم يدب اليأس و الإحباط فيتهرب أفراد الشعب من المسؤولية تجاه المجتمع والوطن، وعلى هذا الأساس ينفك العمران وينهار.
بالنسبة للمشهد السوري، فإن الوضع الحالي يعكس هذا المفهوم تمامًا؛ فقد شهدت سوريا حربًا مدمرة، وتعرضت المناطق الخارجة عن قبضة النظام للتخريب والتدمير الممنهج و العشوائي من قبله وساهمت فيه جميع الأطراف بشكل أو بآخر؛ وعلى الرغم من الجهود الخجولة لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة الاستقرار في الكانتونات القائمة، فإن الظلم والفساد واستغلال السلطة لا يزال يؤثر على الوضع العام في تلك المناطق، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى خراب جديد و بطريقة حتمية.
ومن الجدير بالذكر أن ابن خلدون يرى أن الدولة تتأثر بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأن الحضارات والدول تظهر وتنهار بسبب هذه العوامل؛ وهذا يعني أنه لا يمكن فهم الوضع في سوريا عموماً دون النظر إلى تلك العوامل التي تؤثر عليها، والتي يجب معالجتها لتحقيق العدالة والاستقرار المنشود في المنطقة.
ومن أهم العوامل التي تؤثر على الوضع في سوريا بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها، هي الصراعات والتناحرات الداخلية وغياب المؤسسات الحقيقية، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والتهجير والتشريد؛ وتزيد هذه العوامل من احتمالية حدوث الظلم والفساد والانعدام للعدالة بشكل غير مسبوق؛ لذلك فإن الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار هو العمل على معالجة هذه المشكلات، وتوفير الظروف المناسبة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، وتوفير الحماية والأمن للمواطنين، و العمل على توعية الشباب وتمكينهم وإعطائهم الفرصة للمشاركة في عملية البناء، وتمكينهم من الحصول على التعليم والفرص المناسبة التي يحتاجون إليها؛ والعمل على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتطوير المؤسسات والخدمات العامة عبر جمع الأطراف المعنية، والعمل معها على إيجاد حلول جذرية للصراعات الداخلية، ويمكن للجهود الدولية الآحادية أو حتى عبر مظلة منظمة الأمم المتحدة وعبر مؤسساتها والمنظمات غير الحكومية أن تساهم بطريقة ما لتوفير الدعم والمساعدة للمتضررين، وتعزيز التنمية في المنطقة.
إذاً، لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في سوريا قبل البدء بحل سياسي جذري شامل و توحيد الصف وتطبيق العدالة الإنتقالية ومحاسبة المجرمين في جميع أطراف النزاع، وإنهاء الظلم والفساد وإقامة دولة القانون والمؤسسات؛ عبر عقد اجتماعي جديد ينهي النظام المستبد الحالي ذو الطيف الواحد، هذا وحده يضمن الحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية، والتجربة الراوندية عنّا غير بعيدة، .
ومن المهم أيضاً العمل على إعادة بناء الثقة بين جميع أفراد المجتمع الذي انقسم بين ولاءات سياسية وطائفية وعرقية ودينية؛ إن إعادة توحيد هذا الشعب أولوية قصوى؛ حيث يجب إيجاد حلول عادلة وجذرية لمشاكل اللاجئين والنازحين الداخليين ومن المهم جداً إعادة المجموعات البشرية إلى مناطقها حيث نشأتها وذكرياتها فالتغيير الديمغرافي شيطان كامن في التفاصيل.
سوريا تحتاج إلى إنهاء حالة الصراع فوراً، ومحاسبة المجرمين ووقف التدخل الإقليمي السلبي، وذلك لإيجاد كلمة سواء يتفق عليها السوريين؛ إذ يجب أن تتم المبادرات والجهود كافة للعمل على إعادة بناء سوريا بطريقة شاملة ومستدامة بعد الإتفاق حتمًا على حل سياسي حقيقي يكفل إخراج المعتقلين والناشطين السياسيين كافّة وإعادة المهجّرين وإعادة الملكيات لأصحابها والقصاص من المخربين والمفسدين، ويجب أن يتم هذا بتعاون ودعم إقليمي ودولي غير مشروط للمساعدة في إعادة بناء المدن المدمرة و المناطق المتضررة وتحقيق الاستقرار والسلام؛ فتحقيق العدالة والمساواة والحرية في البلاد وفي المنطقة يعتبر هدفاً رئيسياً، ولا يمكن تحقيقه إلا بنواية صادقة وجهود حثيثة جادة.
في الختام، ربما يعتبر البعض هذه الرؤية وردية أو أنها أطغاث أحلام لكنها بنهاية الأمر هي بالفعل خارطة طريق تضمن تسوية شاملة يجب العمل عليها؛ ويجب على المجتمع الدولي أيضاً أن يتحمل مسؤولياته تجاه إعادة إعمار سوريا، سوريا التي خرّبوها بأدواتهم الولائية والمأجورة؛ لأن تحقيق العدالة والسلام والاستقرار في المنطقة أولوية قصوى وليست ضرب من ضروب الرفاهية.