أحمد عبد الرحمن يكتب: هل تذهب "إسرائيل" باتجاه عملية برية ضد قطاع غزة؟

profile
أحمد عبد الرحمن محلل في الشأن السياسي والعسكري
  • clock 11 أكتوبر 2023, 1:24:00 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الذهاب إلى حرب برية مع قطاع غزة ستكون له تداعيات هائلة، وسيكلّف جيش الاحتلال خسائر إضافية غير التي دفعها في هجوم السبت الكاسح.

لا تبدو المؤسسة العسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني متحمّسة لفكرة القيام بعملية برية ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث إنّ مبرّرات عدم الحماسة تلك كثيرة ومتعددة، تبدأ من عدم امتلاك الجيش الإسرائيلي للقدرة العمليّة للقيام بمثل هذه المهمة المعقّدة والصعبة، ولا تنتهي بمخاوف حقيقية من انتقال معركة "طوفان الأقصى" من نطاقها الفلسطيني الضيّق، إلى نطاق إقليمي قد يزيد الأمور تعقيداً، ويمكن له أن يؤدّي في مرحلة لاحقة إلى نشوء واقع ميداني جديد تفقد فيه الدولة العبرية جزءاً من الأراضي التي تحتلها وتقيم عليها دولتها الغاصبة.

ويمكن لنا أن نرى بوضوح أنّ الحالة التي بدا عليها "الجيش الذي لا يُقهر" في مواجهة بضع مئات من المقاتلين الأشدّاء، والواقع المزري الذي عكسته غزوة صباح الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، تشير من دون أدنى شك إلى فقدانه لعنصر مهم من عناصر تحقيق النصر في أي معركة مقبلة، بل وتجعله عُرضة لتلقّي مزيد من الهزائم الاستراتيجية في حال واجه قوة منظّمة ومحترفة.

 هذا العنصر هو "العقيدة القتالية" التي يجب أن يمتلكها كلّ مقاتل بغضّ النظر عن موقعه أو رتبته وهي التي تشكّل عاملاً حاسماً في كثير من الأحيان في مواجهة الشدائد والملمّات. ليس هذا فحسب، بل إن العوامل التي قد تؤثّر على فرص نجاح أي هجوم بري إسرائيلي على غزة قد تمتد لتشمل عناصر أخرى، حيث يمكن لتلك العوامل أن تكون حاسمة ومؤثّرة لناحية فشل ذلك الهجوم، والذي بحسب كلّ المعطيات لا يملك أي فرصة لتحقيق نجاح يُعيد ما سقط من هيبة "إسرائيل"، أو يعوّضها عمّا فقدته من قدرة الردع التي بدت في أسوأ حالاتها.

عوامل الفشل

 يمكن لنا وفي ضوء الكثير من المتغيّرات التي طرأت خلال السنوات العشرين الأخيرة على منظومة عمل "الجيش" الإسرائيلي، والتي صبّت جميعها في صالح قوى المقاومة في الإقليم، ومنحتها فرصة لمراكمة العديد من الإنجازات التي بدت آثارها واضحة في المواجهة الحالية، أن نشير إلى كثير من عوامل الفشل التي تلقي بظلال قاتمة على فرص نجاح أيّ غزو بري لأراضي القطاع، بل يمكن لها أن تساهم في مزيد من التراجع لقدرة الردع الإسرائيلية، والتي يبدو بحسب العديد من المحللين أنها تراجعت إلى حدّها الأدنى، ولم تعد تشكّل فزّاعة لكلّ أعداء "إسرائيل"، الذين كانوا ينظرون إليها على أنها قوة لا تُهزم.

عدم الرغبة في القتال

كشفت المعارك التي خاضها "الجيش" الإسرائيلي منذ تموز/يوليو 2006، مروراً بمعارك غزة الست، ووصولاً إلى معركة بأس جنين قبل شهرين تقريباً، عن تراجع كبير في رغبة الجنود الصهاينة في القتال. وقد بدا واضحاً أن انخفاض تلك الرغبة لم يترك آثاره على جنود الاحتياط فحسب، والذين يمكن أن يتأثّروا سلباً نتيجة ابتعادهم عن الخدمة العسكرية النظامية لفترات طويلة، بل إن تلك الآثار بدت واضحة على تشكيلات أخرى من تلك المنضوية في صفوف الجيش الإسرائيلي، مثل طيّاري سلاح الجو، ومقاتلي وحدات النخبة، وأطقم الوحدات المدرّعة. 

وقد بدت تأثيرات ذلك تظهر بشكل أكثر وضوحاً بعد الأزمة الداخلية التي يعانيها الكيان الصهيوني، نتيجة محاولة الائتلاف الحاكم تمرير ما يُسمّى بالإصلاحات القضائية، والتي كان من أهم نتائجها حصول انقسام حاد في المجتمع الإسرائيلي، وصلت تداعياته إلى كلّ مؤسسات الدولة، وفي المقدّمة منها مؤسسة الجيش. 

 تراجع الكفاءة القتالية

تمّت إثارة قضية تراجع الكفاءة القتالية للجنود الصهاينة في الكثير من الأبحاث الإسرائيلية التي تحدّثت عن أسباب الفشل في حسم الكثير من المعارك العسكرية في السنوات الأخيرة، وقد ورد في تقرير لجنة فينوغراد التي شُكّلت بعد إخفاق تموز/يوليو2006 في لبنان ما يحذر من إمكانية الوصول إلى واقع تشهد فيه كفاءة قوات الاحتلال الإسرائيلي تراجعاً كبيراً، قد يؤدي بحسب التقرير إلى إخفاقات استراتيجية ستزيد من حجم الأزمات التي تواجهها "الدولة" في ظل تعدّد الجبهات المهدّدة لوجودها.

ولكن على الرغم من تلك التحذيرات والتنبيهات، فإن الكفاءة القتالية لـ "الجيش" الإسرائيلي أخذت في التراجع رويداً رويداً، إلى أن وصلت إلى مرحلة أطلق عليها بعض المحللين الصهاينة مصطلح "الانحطاط التكتيكي"، الأمر الذي دفع قادة كباراً في الجيش إلى إطلاق تحذيرات حول إمكانية انهيار أقسام رئيسية في الجيش، مثل قسم الحرب السيبرانية، وذراع البرّ، وجزء كبير من ذراع البحر، وهو ما سيجعل جيش الاحتلال عاجزاً عن القيام بمهامه القتالية سواء التكتيكة أو الاستراتيجية.

غياب الرؤية الاستراتيجية

تميّزت "إسرائيل" في مراحل عديدة من تاريخها بوجود قادة سياسيين وعسكريين يملكون رؤى استراتيجية بعيدة المدى، وقد نجحوا في ظل ضعف عربي وإسلامي رسمي وشعبي، خلال السنوات الخمسين الأولى تحديداً من عمر الكيان، في وضع خطط واستراتيجيات حافظت على تفوّق "الدولة"، ووضعتها في معظم الأوقات في مصاف الدول العظمى رغم صغر مساحتها الجغرافية، وافتقادها إلى العمق الاستراتيجي الذي يمكن أن يشكّل حماية لها في وجه الأعداء.

هذا الحال بدأ في التغيّر نحو الأسوأ في السنوات التي تلت اغتيال إسحق رابين رئيس وزراء "إسرائيل" في العام 1995، وازداد تراجعاً بعد غياب السفّاح أريئيل شارون، وشمعون بيرس عن حلبة الحياة السياسية والعسكرية في الكيان العبري. حيث باتت الدولة رهينة لقادة من المستوى الثاني وربما الثالث، مثل إيهود أولمرت، وإيهود باراك، والثنائي لبيد وبينيت، وصولاً إلى بنيامين نتنياهو، الذي رغم وصف البعض له بالساحر والملك والداهية، إلا أنه لم يملك تلك النظرة للمستقبل التي امتلكها القادة التاريخيون المشار إليهم سابقاً.

 تأثيرات الأزمة الاقتصادية

  من أهم العوامل التي دفعت الشباب الإسرائيلي للالتحاق بالجيش، والقيام بالواجبات المنوطة بهم بكل حرفية وإتقان كان المقابل المادي، والذي اعتُبر لدى الكثيرين منهم الهدف الأسمى والغاية الأكبر. وقد حرص العديد من الجنود الإسرائيليين حتى الذين ينتقلون بعد الخدمة النظامية لقوات الاحتياط على الالتزام بكل قواعد العمل في الجيش، وإظهار كفاءتهم في كل المجالات ولا سيما النخبوية منها طمعاً في الحصول على مميزات مالية كبيرة، تساهم في تحسين أوضاعهم الحياتية والمعيشية بما يتساوى بصورة أو بأخرى بنظرائهم الذين يعملون في القطاع الخاص.

هذا الحال تغيّر بشكل واضح وملموس بعد الأزمة الاقتصادية التي مرت بها "الدولة" بعد حرب لبنان في العام 1982، والتي استمرت آثارها لأكثر من 10 سنوات، حيث شهدت البلاد حالة من الركود الاقتصادي، أثّرت على كل مناحي الحياة فيها بما فيها مؤسسة "الجيش"، التي شعر أفرادها أنهم مهمّشون إلى درجة كبيرة، وأنّ ما يتلقّونه لا يناسب حجم الجهد الذي يبذلونه، لذلك بدأت الحماسة للخدمة العسكرية حتى النظامية منها تقلّ وتفتر، إذ لجأ كثير من الشباب الإسرائيلي إلى الانضواء تحت جناح الأحزاب الدينية التي لا ينطبق عليها قانون الخدمة الإلزامية، إضافة إلى مغادرة الكثير منهم إلى الخارج تحت مبرّرات الدراسة والعمل هرباً من الخدمة في الجيش.

ختاما نقول إنّ مجريات المعركة الحالية الجارية في قطاع غزة، والتي كانت المقاومة الفلسطينية المبادرة إليها بطريقة أدهشت وأذهلت الجميع، وفي المقدّمة منهم العدو الصهيوني، تحتمل الكثير من السيناريوهات، والتي يأتي في مقدّمتها خيار الذهاب إلى حرب واسعة تغيّر الكثير من المعطيات القائمة، والتي ربما تصل لإحداث تحوّلات على مستوى السيطرة على الجغرافيا، سواء فيما يخصّ الأراضي التي تسيطر عليها المقاومة في قطاع غزة، أو في الأراضي المحتلة عام48 ، التي يسيطر عليها العدو الصهيوني، والتي أثبتت التجربة الحالية أنّ هناك إمكانية للسيطرة المستدامة على جزء كبير منها. 

هذا إلى جانب سيناريوهات أخرى مثل التوصل إلى اتفاق يمنع الوصول إلى مرحلة يصعب التراجع عنها، ولا سيما في ظل وجود وساطات عربية وإقليمية تسعى لوقف القتال، وإجراء عمليات تبادل أسرى تُعيد لنتنياهو ووزير دفاعه تحديداً جزءاً من ماء وجههم الذي أُريق على حدود غزة.

قد يبدو هذا الاحتمال متفائلاً أكثر من اللزوم، ولكنّ التاريخ علّمنا أنّ الضربات الكُبرى كتلك التي أصابت "إسرائيل"، يمكن أن تؤدّي إلى حلول كبرى وسريعة، تمنع المزيد من الهزائم، وتقلّص قدر الإمكان من الخسائر.

نختم بما بدأنا به مقالنا هذا، هل تذهب "إسرائيل" في ضوء المعطيات التي أشرنا إليها أعلاه إلى الحرب البرية؟ وهل بإمكان الموقف الأميركي الواضح والصريح أن يشجّعها للذهاب باتجاه هذا الخيار؟ خصوصاً أن هذا الدعم تُرجم إلى إمدادات عسكرية جاءت من القواعد الأميركية في الأردن، إضافة إلى إبحار حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى شواطئ فلسطين المحتلة.

ربما تبدو الإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى بعض الوقت، إضافة إلى ظهور الحصيلة النهائية لعدد القتلى والجرحى والأسرى الصهاينة، والذين سيكون عددهم مؤثّراً وحاسماً في مسألة اتخاذ "إسرائيل" لقرار الذهاب إلى حرب برية من عدمه.

على كلّ حال غداً يذوب الثلج ويظهر المرج، وتبدو الأمور أكثر وضوحاً، إلا أنه بغض النظر عن القرار الإسرائيلي في هذا الشأن، فإنّ الذهاب إلى حرب برية مع قطاع غزة ستكون له تداعيات هائلة، وسيكلّف جيش الاحتلال خسائر إضافية غير التي دفعها في هجوم السبت الكاسح. خسائر قد تصل إلى آلاف القتلى والأسرى، الذين قد لا يجدون لهم متّسعاً في أنفاق غزة على غرار من سبقوهم من الأسرى.      

التعليقات (0)