- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
أحمد عز الدين : مساعدات غذائية لمصر
أحمد عز الدين : مساعدات غذائية لمصر
- 30 أبريل 2021, 11:08:39 م
- 869
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في أعقاب ثورة 30 يونيو ، قدم الملك عبد الله ملك السعودية تصورا بعقد مؤتمر للمانحين ، لمساعدة مصر اقتصاديا ، ومع أن الملك عبد الله كان من قماش مختلف كليّا عن سواه ،
فقد كنت أول من كتب محذرا من مغبّة أن ينحدر القرار الوطني ، تحت ضغوط اللحظة إلى القبول بالجلوس على مائدة يصطف حولها المانحون ،
وتجلس مصر على حافتها منكسرة الفؤاد ، محنيّة الهامة ، تعرض جراحها وهي تقدم احتياجاتها وتطالب بدعمها من أطراف إقليمية أيا كانت ،
فقد ظلت هي عبر تاريخها المتضاعف الطويل ، صاحبة اليد العليا ، وسواها أيا كان صاحب اليد السفلى ، وقد قلت باختصار ، أنه لا يصح ولا يجوز لمصر أن تقبل بأن تعامل على أنها الصومال ، أو كوسوفو ، أو حتى اليمن .
لقد رفضت مصر فعليا هذه الصيغة ، وقبلت بصيغة المؤتمر الاقتصادي الدولي ، والذي تحول إلى منصة ملونة لعروض بعشرات المليارات ، تمخضت عن وعود كان أكثرها دعائيا وإعلانيا .
لذلك، إذا كانت مصر لم تقبل مؤتمر المانحين في ظروف أكثر شدة ، بكرامة موفورة ، وعقل رشيد ، فكيف لها أن تقبل بصيغة أكثر هوانا لتقديم مساعدات غذائية لشعبها من اي دولة أو دويلة كانت ،
خصوصا إذا كنا نتحدث عن شئ وُلد ، بينما كان جيش مصر العظيم يزرع الصحارى بالدم والعرق ، على بُعد خطوات قصار من حرب أكتوبر المجيدة ، عندما كان برميل البترول لا يتجاوز سعره أربعة دولار .
وعلى فرض أن دافع هذه المساعدات أخويا وقوميا ، لماذا أختار صيغة المساعدات الغذائية ، هل نحن شعب جائع ، يأكل من صناديق الفضلات ، كما يدعي آخرون ،
أم أن المطلوب هو تأكيد ذلك ، وخلق صورة مضللة عن مصر لمصر ذاتها قبل غيرها ؟ وحتى إذا كانت هذه المساعدات فرضا ، قد أختارت لنفسها صيغة المساعدات الغذائية ،
وأنها خالصة لوجه مصر ، فما هو القصد والهدف بعد ذلك ، من تعميم نشرها على رؤوس الدنيا كلها ، من خلال وسائل الإعلام الرسمية لهذه الدويلة .
هل هذه صورة مصر الطبيعية ، التي ينبغي أن توزع على العالم ، في أوج مبارزة إستراتيجية كبرى تخوضها مصر ، وهي جديرة بكسبها ،
هل من المقبول أن توزع صورة مصر وشعبها على الإعلام الدولي ، في إطار من الفاقة والحاجة ، حد القبول المذل ببضعة أطنان من المساعدات الغذائية ،
لا تتجاوز أن تكون فضلات موائد الشرائح العليا من الطبقة الجديدة في مصر خلال أيام من شهر رمضان .
هذه ليست صورة مصر التي نعرفها ، ولا مصر التي نريدها ، ولا مصر المرفوعة الهامة ، التي تغالب أوضاعها الصعبة بكرامة موفورة ،
وهي بكل المقاييس والمعاني ليست صورة شعب مصر العظيم ، الذي يناطح الصخر ، ويتحدى هذا الزمن الوغد بكبرياء نبيل .
ماذا يمكن أن أضيف ؟ قولوا سلاما على مصر ، وسلاما لمصر ، وهي تقف وحدها في الميدان ، لا صديق ولا رفيق ولا حليف ، تواجه أصعب وأدق أزمة وجودية ، في تاريخها ،
لكن الوجوه من حولها بغير استثناء ، هي وجوه زائفة ، فكلها مطامع ، ومغانم ، تريد أن تقتطع من مصر ولو قطعة من كرامتها ، ولو خيطا من عزتها ، ولو نتفة من لحمها .
مع ذلك ، فإن عليكم أن تدركوا أن مصر تكبُر ولكنها لا تشيخ ، تتغوّل من حولها التحديات ، ولكنها لا تنحني ، فمصر هي السيف الذي لا يصدأ ، والشمس التي لا تنطفئ ، والحروف التي لا تبلى ، والضرع الذي لا يجف ، والقوة الكبرى إلي لا تنكسر .
إن على مصر واجب مقدس ومسئولية لا فكاك منها ، أن تريهم آياتها في الآفاق وفي أنفسهم .
آلا ما أشقّ الرحلة ، وما أقلّ الزاد