أحمد عز الدين : مساعدات غذائية لمصر

profile
  • clock 30 أبريل 2021, 11:08:39 م
  • eye 860
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في أعقاب ثورة 30 يونيو ، قدم الملك عبد الله ملك السعودية تصورا بعقد مؤتمر للمانحين ، لمساعدة مصر اقتصاديا ، ومع أن الملك عبد الله كان من قماش مختلف كليّا عن سواه ، 

فقد كنت أول من كتب محذرا من مغبّة أن ينحدر القرار الوطني ، تحت ضغوط اللحظة إلى القبول بالجلوس على مائدة يصطف حولها المانحون ،

 وتجلس مصر على حافتها منكسرة الفؤاد ، محنيّة الهامة ، تعرض جراحها وهي تقدم احتياجاتها وتطالب بدعمها من أطراف إقليمية أيا كانت ،

 فقد ظلت هي عبر تاريخها المتضاعف الطويل ، صاحبة اليد العليا ، وسواها أيا كان صاحب اليد السفلى ، وقد قلت باختصار ، أنه لا يصح ولا يجوز لمصر أن تقبل بأن تعامل على أنها الصومال ، أو كوسوفو ، أو حتى اليمن .

لقد رفضت مصر فعليا هذه الصيغة ، وقبلت بصيغة المؤتمر الاقتصادي الدولي ، والذي تحول إلى منصة ملونة لعروض بعشرات المليارات ، تمخضت عن وعود كان أكثرها دعائيا وإعلانيا .

لذلك، إذا كانت مصر لم تقبل مؤتمر المانحين في ظروف أكثر شدة ، بكرامة موفورة ، وعقل رشيد ، فكيف لها أن تقبل بصيغة أكثر هوانا لتقديم مساعدات غذائية لشعبها من اي دولة أو دويلة كانت ، 

خصوصا إذا كنا نتحدث عن شئ وُلد ، بينما كان جيش مصر العظيم يزرع الصحارى بالدم والعرق ، على بُعد خطوات قصار من حرب أكتوبر المجيدة ، عندما كان برميل البترول لا يتجاوز سعره أربعة دولار .

وعلى فرض أن دافع هذه المساعدات أخويا وقوميا ، لماذا أختار صيغة المساعدات الغذائية ، هل نحن شعب جائع ، يأكل من صناديق الفضلات ، كما يدعي آخرون ،

 أم أن المطلوب هو تأكيد ذلك ، وخلق صورة مضللة عن مصر لمصر ذاتها قبل غيرها ؟ وحتى إذا كانت هذه المساعدات فرضا ، قد أختارت لنفسها صيغة المساعدات الغذائية ،

 وأنها خالصة لوجه مصر ، فما هو القصد والهدف بعد ذلك ، من تعميم نشرها على رؤوس الدنيا كلها ، من خلال وسائل الإعلام الرسمية لهذه الدويلة .

هل هذه صورة مصر الطبيعية ، التي ينبغي أن توزع على العالم ، في أوج مبارزة إستراتيجية كبرى تخوضها مصر ، وهي جديرة بكسبها ، 

هل من المقبول أن توزع صورة مصر وشعبها على الإعلام الدولي ، في إطار من الفاقة والحاجة ، حد القبول المذل ببضعة أطنان من المساعدات الغذائية ،

 لا تتجاوز أن تكون فضلات موائد الشرائح العليا من الطبقة الجديدة في مصر خلال أيام من شهر رمضان .

هذه ليست صورة مصر التي نعرفها ، ولا مصر التي نريدها ، ولا مصر المرفوعة الهامة ، التي تغالب أوضاعها الصعبة بكرامة موفورة ،

 وهي بكل المقاييس والمعاني ليست صورة شعب مصر العظيم ، الذي يناطح الصخر ، ويتحدى هذا الزمن الوغد بكبرياء نبيل .

ماذا يمكن أن أضيف ؟ قولوا سلاما على مصر ، وسلاما لمصر ، وهي تقف وحدها في الميدان ، لا صديق ولا رفيق ولا حليف ، تواجه أصعب وأدق أزمة وجودية ، في تاريخها ،

 لكن الوجوه من حولها بغير استثناء ، هي وجوه زائفة ، فكلها مطامع ، ومغانم ، تريد أن تقتطع من مصر ولو قطعة من كرامتها ، ولو خيطا من عزتها ، ولو نتفة من لحمها .

مع ذلك ، فإن عليكم أن تدركوا أن مصر تكبُر ولكنها لا تشيخ ، تتغوّل من حولها التحديات ، ولكنها لا تنحني ، فمصر هي السيف الذي لا يصدأ ، والشمس التي لا تنطفئ ، والحروف التي لا تبلى ، والضرع الذي لا يجف ، والقوة الكبرى إلي لا تنكسر .

إن على مصر واجب مقدس  ومسئولية لا فكاك منها ، أن تريهم آياتها في الآفاق وفي أنفسهم .

آلا ما أشقّ الرحلة ، وما أقلّ الزاد

التعليقات (0)