- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أسامة سعد يكتب: الموقف الأمريكي من حالة الاستقطاب الداخلي في الكيان
أسامة سعد يكتب: الموقف الأمريكي من حالة الاستقطاب الداخلي في الكيان
- 29 مارس 2023, 9:50:34 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان لافتاً تصريح الخارجية الأمريكية مساء يوم الأحد في ذروة الأحداث التي اجتاحت الشارع الصـמـيوني ووصلت إلى حد محاولة المتظاهرين اقتحام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ذلك التصريح الذي عبر فيه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عن قلقه مما يحدث في (إسرائيل) ومبدياً تخوفه من أن تؤثر الخلافات الداخلية في الجيش الصـמـيوني، اللافت في هذا التصريح أن الإدارة الأمريكية كان همها الأول هو تماسك الجيش الصـמـيوني وضرورة الحفاظ على جهوزيته الدائمة للتعامل مع أي تهديدات لدولة الاحتلال، فلم يتطرق التصريح لحالة الترهل السياسي الذي تعانيه الدولة أو البعد الاقتصادي المرتبط بحالة الاستقطاب الحاد في الشارع الصـמـيوني، ولم يتطرق إلى تجاوز الحكومة الحالية للتوجه الأمريكي في إدارة عملية التسوية السياسية "المعطلة" التي ترعاها الإدارة الأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي، كل ما سبق كان بالنسبة للإدارة الأمريكية مجرد تفاصيل يمكن الحديث فيها لاحقاً، لكن الشيء المهم الذي يجب أن يكون دائماً على سلم الأولويات هو مدى قوة دولة الاحتلال عسكرياً وجهوزيتها من هذه الناحية، ما سبق يدلل بوضوح على أن الإدارة الأمريكية تؤكد من خلال تصريحاتها أنها تستخدم (إسرائيل) كعصا غليظة لها في المنطقة تضرب بها من يشذ عن السياسة الأمريكية، وفي المقابل يتم التغاضي عن كل الموبقات والجرائم التي يرتكبها الاحتلال، وهذا ما نلمسه جلياً من خلال الحيلولة دون مجرد إدانة الاحتلال في المحافل الدولية وخاصة مجلس الأمن عما يرتكبه من جرائم ودعم هذا الكيان بكل وسائل الحياة للبقاء كشوكة في حلق الأمة العربية والإسـ،ـلامية.
يشير تصريح الرئيس الأمريكي بايدن الذي صرح في غير مرة أنه صـמـيوني الهوى وأن (إسرائيل) لو لم تكن موجودة لعملت الإدارة الأمريكية على إيجادها إلى مدى الانزلاق الذي يمكن أن نصل له نحن الفلسطينيون عند التعويل على الإدارة الأمريكية في الضغط على الاحتلال لإلزامه بالسير قدماً في مشروع التسوية وصولاً لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، تلك الدولة التي قال عنها بايدن لأبي مازن أنها تحتاج إلى "المسيح" حتى ترى النور.
ربما يظن البعض أن استدعاء السفير الإسرائيلي من قبل الخارجية الأمريكية هو عملية ضغط غير مسبوقة على الاحتلال من قبل الإدارة الأمريكية للاحتجاج على قرار الحكومة الصـמـيونية إلغاء قرار سابق "بفك الارتباط" بما يمكنها من إعادة بناء عدة مستوطنات في شمال الضفة أخليت قبل ثمانية عشر عاماً، ولكن هل يرقى هذا الموقف الأمريكي في استدعاء سفير لإبداء الاحتجاج إلى الموقف الأمريكي الرافض لمجرد إدانة الاستيطان في مجلس الأمن؟ علماً أن الإدانة هي مجرد قرار ليس له أثر قانوني أو سياسي طالما لم يوضع تحت البند السابع- وهو البند الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ القرار-، لأنه يعتمد بعد إصداره على مدى احترام الدولة الصادر بحقها القرار للقانون الدولي والمؤسسات الدولية، ونحن نعرف تماماً الموقف الصـמـيوني من كل ما يتعلق بالقانون والأعراف والمواثيق الدولية، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الاحتلال كجزء منها متموضع في أكثر مناطق العالم حساسية وأهمية من النواحي الاقتصادية والجيوسياسية؛ الأمر الذي يفسر نعومة التعامل من قبلها مع بعض المشاغبات التي قد يبديها قادة الاحتلال بين الفينة والأخرى، وإلا فإن الإدارة الأمريكية قادرة على فرض حل الدوليتين خلال أيام لو أرادت، ولو استخدمت قدرًا يسيرًا من وسائل الضغط التي تمتلكها تجاه الاحتلال فلن تكون بحاجة أبداً إلى "المسيح" ليأتي بمعجزة تؤدي إلى حل الدولتين.
ذكرت في مقال سابق أن الخلافات الداخلية في الكيان رغم شدتها ووصولها لحد يؤشر بخطر محتمل على تماسك الدولة، فإن هذه الخلافات لن تصل لحد الحرب الأهلية، وعزوت ذلك لحالة الإسناد الخارجي لهذه الدولة الوظيفية من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، بمعنى أن الإدارة الأمريكية لن تسمح لأي خلافات داخلية بأن تؤدي إلى انفراط عقد هذا الكيان المصنوع على عين الولايات المتحدة، وهي كما أعتقد تمسك بطرفي خيط هذا الكيان، وهي التي تنظم عُقَده التي تعرفها جيداً وترتبها كلما اقتضى الحال حسبما يخدم السياسة والمصالح الأمريكية، ولذلك أعتقد أن الإدارة الأمريكية ستعمل خلال الفترة القادمة على إعادة ترتيب الأوراق الإسرائيلية الداخلية بوسائلها الخاصة والمؤثرة جداً، وأظن أن حالة الاستقطاب هذه ستنتهى عما قريب بانفراط عقد هذه الحكومة، خصوصاً مع علو أصوات وازنة في الليكود تنتقد سياسة نتنياهو، وأظنها تعمل بضوء أخضر أمريكي؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الحكومة الحالية للأغلبية في الكنيست؛ ما يعني الذهاب إلى انتخابات جديدة أو تشكيل ائتلاف حكومي جديد، ولكن يبقى السؤال الأهم لنا نحن الفلسطينيين: أين نحن مما يحدث؟ وهل ستبقى القيادة الرسمية الفلسطينية تعول كثيراً على الإدارة
لأمريكية أو تتأمل أن يؤدي الاستقطاب الداخلي لدى الكيان لإسقاط حلف نتنياهو؟ ولو فعلاً سقط نتنياهو، هل سيكون لأي حكومة جديدة الاستعداد لتقديم تنازلات لم تقدمها أي حكومة صـמـيونية منذ عام 1990؟ أنا أعتقد أن على القيادة الفلسطينية أن تغير من أجندتها باتجاه إعطاء الأولوية لترتيب أوراق البيت الفلسطيني الداخلي وإعادة الاعتبار للمؤسسات السيادية الفلسطينية والاتفاق على برنامج وطني، ثم بعد ذلك مخاطبة العالم بهذا البرنامج على أساس من الوحدة الوطنية، عند ذلك فقط يمكن للموقف الفلسطيني أن يلقى الاهتمام الإقليمي والدولي.
غزة في 29/3/2023م