- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أكبر من مجرد انقلاب في النيجر.. ماذا حدث وما هو تداعياتها إقليميا ودوليا؟
أكبر من مجرد انقلاب في النيجر.. ماذا حدث وما هو تداعياتها إقليميا ودوليا؟
- 29 يوليو 2023, 5:54:26 ص
- 427
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يسلط الانقلاب العسكري في النيجر الضوء على قضية مهمة تتعلق بأزمة الدولة الوطنية في أفريقيا، ومستقبلها في ضوء واقع مأزوم لا تزال تعيشه الدولة الأفريقية منذ نيل استقلالها في ستينيات القرن الماضي، وتثير تساؤلات عدة حول مستقبل الدولة في أفريقيا خلال العقود القادمة، وهل ستظل موجود بالفعل أم ستتلاشى لصالح ظهور كيانات أخرى جديدة؟.
هكذا يتحدث تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، لافتا إلى استمرار تأزم السياق العام في منطقة الساحل على مدار السنوات الماضية، لا سيما بعد اندلاع الانقلاب العسكري السادس منذ عام 2020، وهو ما يعزز حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، بما يجعلها أحد أخطر البؤر الصراعية على مستوى العالم لسنوات مقبلة، وهو ما يهدد الاستقرار الإقليمي ومصالح القوى الفاعلة.
ومنطقة الساحل، منكوبة بالجهاديين، وهي حزام من البلدان الفرنكوفونية المليئة بالفقر، والتي تنتشر عبر الصحراء الكبرى في أفريقيا.
والخميس، أعلن المجلس الوطني لحماية الوطن المكون من 10 ضباط الإطاحة بنظام رئيس النيجر محمد بازوم، واتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية مثل إغلاق الحدود وفرض حظر تجول في البلاد، وذلك بعد ساعات من تمرد قوات الحرس الرئاسي التي سيطرت على القصر الرئاسي واعتقلت بازوم، وهي المحاولة الثالثة التي تشهدها البلاد خلال العامين الأخيرين، عقب محاولتين فاشلتين في عام 2021 قبل تولي بازوم السلطة بأيام قليلة، وفي مارس/آذار الماضي، خلال زيارة خارجية لبازوم.
وبذلك، تدخل النيجر في دائرة جديدة من عدم الاستقرار تسهم في تفاقم أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة التحالفات، وحول مدى تورط بعض الأطراف الخارجية في المحاولة الانقلابية، بالإضافة إلى مستقبل التنافس الدولي في الساحل، لا سيما الروسي الغربي، ومستقبل العلاقات المدنية العسكرية في هذه المنطقة، التي شهدت بعض دولها 6 انقلابات عسكرية منذ عام 2020، ناهيك عن بعض المحاولات الانقلابية الفاشلة الأخرى.
والجمعة، أعلن التلفزيون الرسمي في النيجر تعيين قائد قوات الحرس الرئاسي الجنرال عمر تشياني، رئيسا للمجلس الانتقالي في البلاد.
في حين استبعدت فرنسا أن يكون الانقلاب العسكري في النيجر أمرا "نهائيا"، بينما أبلغت واشنطن رئيس النيجر المحتجز بازوم مساندتها للديمقراطية.
وتعرضت محاولة الانقلاب في النيجر، لإدانة شديدة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة دول غرب أفريقيا (إيكواس).
والمعروف أن النيجر دولة حبيسة ليس لها منفذ بحري وهي واحدة من أفقر دول العالم، ومنذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا في عام 1960 شهدت 4 انقلابات، بالإضافة إلى العديد من المحاولات الأخرى، بما في ذلك محاولتان سابقتان ضد بازوم.
ووفق تحليل مركز "الأهرام"، فقد تزايدت التكهنات حول أسباب اندلاع المحاولة الانقلابية في البلاد، فهناك من أرجعها إلى نية بازوم عزل الجنرال تشياني من منصبه، وخلافاتهما حول قائمة بعض التعيينات في الحرس الرئاسي وبعض المؤسسات الأمنية.
بينما أشارت تقارير إلى وجود رغبة لدى بازوم في التخلص من صراعات الأجنحة داخل نظامه الحاكم من خلال الاستغناء عن الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو في عدد من المؤسسات الحيوية، بما في ذلك الجيش، بهدف إنهاء سيطرة الأخير عليها، في إشارة إلى تنامي صراعات النفوذ داخل السلطة.
وإن كان البيان العسكري قد برر خطوة الانقلاب العسكري باستمرار تدهور الأوضاع الأمنية وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وحسب الجنرال تشياني، الذي يشغل منصب قائد الحرس الرئاسي منذ 2011، فإن "النهج الأمني الحالي لم يسمح بتأمين البلاد على الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب النيجر، والدعم الملموس والمقدر من شركائنا الخارجيين".
كما أن هناك سياق عام مضطرب في النيجر، فقد سادت حالة من الترقب خلال الفترة بين الإعلان عن وقوع المحاولة الانقلابية صباح الأربعاء، وصدور البيان العسكري الأول خلال الساعات الأولى من الخميس، وهو ما أثار المزيد من التساؤلات حول نجاح المحاولة الانقلابية من عدمه، خاصة أنه خلال تلك الفترة الزمنية التي تجاوزت 12 ساعة لم تشهد تدخلًا من قوات الجيش أو اندلاع اشتباكات مسلحة في محيط القصر الرئاسي لاحتواء الموقف، وفك الحصار المفروض على بازوم من قبل قوات الحرس الرئاسي.
وحتى الآن، لم تنجح أي من الوساطات التي تم الإعلان عنها سواء على الصعيدين المحلي أو الإقليمي في إقناع قادة المحاولة الانقلابية بالتراجع عن الاستمرار في هذه الخطوة.
وحول نطاق مسرح العمليات، فقد اتسم بالمحدودية، خاصة أنه يتمحور في القصر الرئاسي ومحيطه، إضافة إلى الطرق المؤدية لمبنى التليفزيون الحكومي، وهو ما قد يعني أن المحاولة الانقلابية ربما لم يتم التخطيط لها بشكل دقيق مسبقًا.
كما تعكس المحاولة، وفق التحليل، النطاق الضيق في حجم المؤيدين لها داخل صفوف الجيش، إذ لم تنتشر خلال الساعات الأولى، قوات من الجيش والدبابات في شوارع العاصمة نيامي وغيرها من المدن المهمة والمؤسسات الحيوية، مثلما هو الحال في سياق الانقلابات العسكرية الأفريقية.
فيما غاب الظهير الشعبي للانقلاب، حيث أكدت معظم التقارير أن الأوضاع في البلاد ظلت مستقرة على مدار اليوم، وسط حالة من الترقب وعدم اليقين لدى قطاع عريض من الشعب حول من يسيطر على الأوضاع.
كل هذه التطورات، تزيد المخاوف الإقليمية والدولية، التي تدرك أن نجاح الانقلاب في البلاد سيمثل نقطة تحول خطيرة في المنطقة على الصعيدين الأمني والاستراتيجي في ضوء تعقد المشهد الإقليمي بالساحل، وسط انتشار للتنظيمات الإرهابية التي تستغل لحظات ضعف الدول للانقضاض عليها، وتنامي حالة التنافس الدولي بالمنطقة لا سيما بين روسيا والغرب.
وفي العام الماضي، قتل أكثر من 10 آلاف شخص في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهو أكثر المعدلات دموية حتى الآن، فيما تشير تقارير إلى أنه قد يكون هذا العام أكثر دموية.
ومع ذلك، فإن المذبحة أقل بكثير في النيجر، حيث قُتل عدد أقل من الناس في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، مقارنة بأي فترة مماثلة منذ عام 2018.
ويتوقع التحليل، إن المحاولة الانقلابية تمت دون تنسيق مع أطراف خارجية، بالرغم من إشارة بعض التقارير إلى احتمال تورط روسيا ودعمها للانقلاب في النيجر بحكم ضلوعها في معظم الانقلابات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حسب المزاعم الغربية، وذلك في إطار المساعي الروسية إلى توسيع نفوذها في منطقة الساحل على حساب الدورين الفرنسي والأوروبي هناك.
وتحتل النيجر مكانة استراتيجية مهمة لدى الغرب وبخاصة فرنسا، كونها تعد حليفًا مهمًا وحاسمًا في مجال الحرب على الإرهاب، وكذلك مكافحة الهجرة غير الشرعية، وبالتالي يشكل استقرارها أمرًا حيويًّا للأمن الإقليمي وحماية للمصالح الغربية الاستراتيجية في الساحل.
ويمثل بازوم الحليف الوحيد للغرب لاحتواء التهديدات الأمنية والإرهابية والتصدي للنفوذ الروسي في المنطقة، لا سيما أن النيجر تتلقى سلسلة من الموارد والمساعدات العسكرية والإنمائية بشكل موسع من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية.
ويضيف التحليل: "كما تدرك كل من فرنسا والولايات المتحدة الأهمية الجيوستراتيجية للنيجر، حيث ترتكز باريس في استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا عليها لتنفيذ أهدافها الجيوسياسية هناك، كما تعتمد عليها أيضًا في الحصول على 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء".
وتستضيف النيجر أيضا، قواعد عسكرية فرنسية، إلى جانب أنها تعد قاعدة مركزية لقوات حلف الناتو في منطقة الساحل.
وتخشى واشنطن احتواء موسكو للنيجر من خلال انخراط قوات فاجنر الروسية هناك، مما يوسع النفوذ الروسي في الساحل على حساب المصالح الأمريكية، وهو ما يشكل تهديدًا لها وبخاصة أنها تمتلك قاعدة عسكرية في منطقة أجاديز في شمال النيجر منذ عام 2014.
ويتابع: "يدرك الغرب أن نجاح الانقلاب سوف يخلق حلقة جديدة من عدم الاستقرار في البلاد وفي المنطقة ككل، ويخلق فرصة لبعض المنافسين الاستراتيجيين لممارسة المزيد من النفوذ لا سيما روسيا والصين، خاصة أن فاجنر استطاعت أن تتواجد بشكل فعلي في حوالي 10 دول أفريقية، وربما تصبح النيجر هي الدولة التالية".
يبدو أن النيجر بصدد سلسلة جديدة من الأحداث عقب اندلاع المحاولة الانقلابية على جميع الأصعدة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
فعلى المستوى المحلي، قد يتبلور موقف رافض للمحاولة الانقلابية وربما يستدعي تدخل قوات الجيش لإخمادها، وقد يعززها خروج تظاهرات شعبية رافضة لها، مما قد يشكل ضغطًا على قادة الانقلاب وربما يدفعهم للتفاوض من أجل الخروج الآمن مع عودة الأوضاع لطبيعتها في المشهد السياسي بالبلاد.
وإن كانت هذه الأوضاع وما قد يترتب عليها من اضطرابات سياسية وأمنية قد تخلق فرصة جيدة لنشاط أوسع للتنظيمات الإرهابية هناك من أجل اتساع رقعة سيطرتها الجغرافية في الساحل وإيجاد موطئ قدم دائم لها في الأراضي النيجرية خلال الفترة المقبلة.
أما على المستوى الإقليمي، تمثل حالة النيجر، وفق التحليل "اختبارًا صعبًا بالنسبة لقادة الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) كونها تشكل مفترق طرق لمستقبل الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، ومدى قدرة المنظمة الإقليمية على الحيلولة دون أي محاولة للإطاحة بالأنظمة الدستورية في الساحل وغرب أفريقيا خوفًا من تأثير الدومينو المستمر منذ عام 2020".
وعلى الصعيد الدولي، ربما يؤدي نجاح الانقلاب في إضعاف علاقة فرنسا بالحكام الجدد المحتملين في النيجر لحساب زيادة النفوذ الروسي في البلاد، وانخراط قوات فاجنر هناك، وهو ما يعني ضمنيًّا نهاية الوجود الفرنسي في المنطقة، وفق التحليل.
ويشير التحليل إلى أنه "سيكون من المبكر الحكم على هذه المحاولة الانقلابية بالنجاح، نظرًا لتعقد المشهد وتعدد الأطراف المنخرطة فيه والتي تمتلك مصالح حيوية واستراتيجية في البلاد وبالتالي سينعكس على إجراءاتها تجاه الانقلاب".
ويختتم: "كما يتوقف نجاح الانقلاب على مدى قدرة المجموعة الانقلابية على تحييد مواقف الأطراف الداخلية والإقليمية والخارجية وإبرام تفاهمات ومواءمات من أجل تمرير هذا الانقلاب، فضلا عن غياب الحاضنة الشعبية لهذا الانقلاب، وحرص الغرب على الحفاظ على حليفهما الرئيسي في المنطقة (بازوم) خوفًا من تحول العسكريين الجدد إلى موسكو على حساب مصالح بلادهم مع الغرب مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو مؤخرًا".