- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "الحذر المتبادل"... النووي الروسي وهواجس الغرب.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "الحذر المتبادل"... النووي الروسي وهواجس الغرب.
- 3 يوليو 2023, 12:29:49 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
دون شك، فإن الاضطرابات الداخلية التي شهدتها موسكو، عقب تمرد فاغنر، أظهرت المؤسسة العسكرية الروسية في مشهدية مختلفة، وبات لزاماً على القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة، أن تعتمد منظوراً مختلفاً لـ مُسببات التمرد، وتضعه ضمن رؤية مستقبلية لـ مسار التطورات الروسية سواء الداخلية، أو تلك المتعلقة بـ عناوين الحرب في أوكرانيا، خاصة أن موسكو تمتلك وفق التقديرات ما يقارب 6000 سلاح نووي، ويُخشى من وقوعها في الأيدي الخطأ، وفق التقديرات الأمريكية.
في جانب أخر، فإن الغرب تحكمه هواجس مُتعددة، جراء تهديدات شنها زعيم الكرملين، لجهة استخدام الأسلحة النووية، إذا ما تجرأ الغرب وتجاوز الخطوط الحمراء الروسية. كل ذلك كان مدعاة للقلق الأمريكي والغربي على السواء؛ لكن يبقى التساؤل المؤطر لكل ما سبق، هل يُمكن أن تؤدي الاستفزازات الغربية والأمريكية لـ موسكو واستمرار دعم كييف عسكرياً، إلى انتزاع روسيا اللقب الأمريكي في استخدام السلاح النووي؟.
القلق الغربي من مخاطر انتشار أسلحة نووية خارج روسياً، بات أمراً واقعاً مع إعلان الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، أن بلاده استلمت أسلحة نووية تكتيكية روسية، تزيد قوتها ثلاث مرات عن القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، في أول تحرك خارج روسيا لهذه الرؤوس الحربية الأقصر مدى والأقل قوة والتي يمكن استخدامها في ساحة المعركة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.
لكن بالنسبة لـ الرئيس بوتين، فإن الدافع لنشر الأسلحة النووية التكتيكية الروسية في بيلاروس يعود إلى قرار حكومة المملكة المتحدة تزويد أوكرانيا بقذائف خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المنضّب، وهو لا يرى أنه يفعل شيئاً مختلفاً عما فعلته الولايات المتحدة لعقود من خلال وضع أسلحتها النووية في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، قائلاً إن الخطوة الروسية لا تنتهك معاهدة دولية تحظر انتشار الأسلحة النووية.
المسؤولين في أوكرانيا اعتبروا أن بوتين يستخدم الابتزاز النووي في محاولة للتأثير على الوضع في ساحة المعركة وإجبار الشركاء الغربيين على خفض إمدادات الأسلحة والمعدات تحت تهديد التصعيد النووي، إلا أن الرئيس الأميركي جو بايدن، وصف تهديد الرئيس الروسي باستخدام أسلحة نووية تكتيكية بأنه حقيقي، في وقت تعتقد الحكومة الأميركية أن روسيا تمتلك نحو 2000 من هذه الأسلحة، من بينها قنابل يمكن حملها بالطائرات ورؤوس حربية للصواريخ قصيرة المدى وطلقات مدفعية.
وفي مسار الجمود الذي يؤطر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تزايد القلق لدى النُخبة في روسيا، وتزامن القلق أيضاً، مع استهداف الكرملين عبر طائرات "الدرون"، والتي استهدفت أيضاً أهم أحياء موسكو، الأمر الذي يُشكل في عمقه، نقطة تحول هامة ومحورية على المستويات كافة في الداخل الروسي وكذا في الخارج. تلك المعطيات جعلت الساسة الروس يشعرون بـ قلق متزايد لجهة الخوف من خسارة الحرب في أوكرانيا، أو عدم إمكانية تحقيق الانتصار وفق الشروط الروسية.
وربطاً بما سبق، بات مفهوماً سياق الدعوات التي تجددت، من أجل استخدام روسيا السلاح النووي، بُغية إجبار الغرب على إيقاف دعمه العسكري لـ أوكرانيا. ترجمة ذلك، جاء عبر رئيس مجلس السياسة الخارجية والأمنية في موسكو، سيرغي كاراغانوف، حين دعا إلى إجبار الغرب على الاستسلام عبر استخدام الأسلحة النووية لإنقاذ البشرية من كارثة عالمية، ويؤكد كاراغانوف بأنه، حتى لو انتصرت روسيا في ساحة المعركة، فإنها ستواجه تمرداً في الأجزاء التي تحتلها من أوكرانيا، وأن الطريقة الوحيدة لسحق المقاومة ستكون وقف تدفق الدعم من الغرب، وخلص إلى أن الورقة الرابحة لروسيا هي استعدادها لاستخدام سلاح نووي تكتيكي لاستعادة مصداقية الردع النووي، معتقداً أن خطر التصعيد منخفض لأن الولايات المتحدة لن تكون على استعداد للتضحية بـ مدينة بوسطن من أجل مدينة في أوكرانيا أو بولندا. يُذكر أن مجلس السياسة الخارجية والأمنية، هو تجمع مؤثر للمسؤولين ومراكز الفكر في موسكو.
ضمن ما سبق، فإن واشنطن تبدو قلقة جراء سياسة حافة الهاوية، والتي ترى أن بوتين ينتهجها، وقد أعترف الرئيس الأمريكي، جو بادين، بأنه، وللمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية، يوجد تهديد مباشر باستخدام الأسلحة النووية، لكن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، وبقية الساسة الأمريكيين والغربيين، منقسمون حول مدى جدية التعامل مع التهديدات النووية الروسية، وعلى سبيل المثال، قالت أفريل هينز مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ، إن قوة بوتين العسكرية التقليدية الضعيفة ستجعل الرئيس الروسي أكثر اعتماداً على الخيارات غير المتكافئة للردع، بما في ذلك القدرات النووية، لكنها استبعدت أن يفعل ذلك.
قُصارى القول. لا شك بأن استخدام السلاح النووي، يُشكل خطورة لا متناهية ستطال النظام الدولي بكل أركانه، وسيؤدي حُكماً إلى ترسيخ مشهد، يرتكز على جُزئية اعتبار استخدام السلاح النووي، كـ سلاح مُحقق للأهداف، واستخدامه في حالات الحرب وتحدياتها.
وفي صلب سياسة الحذر المتبادل بين روسيا والغرب، قد يقع العبء على عاتقهما، لأنهما وبصرف النظر عن نظريات تمدد الناتو تُجاه روسيا، ورغبات روسيا بكبح جماحه، لكن الحقائق بتجلياتها تؤكد، بأن روسيا والغرب لم يتمكنا من وضع محددات للمشهد الرئيسي في أوكرانيا، يتعلق بالتنسيق وضبط النفس وإيجاد الحلول، والكف عن التدخلات السلبية في أتون الحرب، والسعي الجاد لإيجاد حلول تُوقف الحرب وتُنهي مآسيها