- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "تحولات استراتيجية".. الرياض وتل أبيب ومعادلة التطبيع الأمريكية.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "تحولات استراتيجية".. الرياض وتل أبيب ومعادلة التطبيع الأمريكية.
- 25 يونيو 2023, 10:10:25 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في إطار رصد التغيرات الجيوسياسية في بنية الشرق الأوسط، علينا التعمق في الاستراتيجية الامريكية الثابتة حيناً، والمُتغيرة أحيان كثيرة. فـ الاستراتيجية الأمريكية وإن اختلف نهجها التكتيكي المُعتمد حلاً لأزمات الشرق الأوسط، إلا أن الوقائع والتطورات المتسارعة تفرض مشهداً مُغايراً، تتمحور جُلّ جُزئياته حول إصطفافات جديدة في الشكل والمضمون، إذ تُدرك واشنطن أن لا عودة لمجدها التاريخي في ظل طبيعة التحالفات المُستجدة في المنطقة، والتي أفرزت قوى إقليمية ذات تأثيرات ناظمة للخارطة الجيو سياسية في الشرق الأوسط. وبناءً على ذلك، بات من الضروري أمريكياً البحث عن معادلات استراتيجية جديدة، تكون سبباً في بناء تحالفات تكتيكية، تُشكل في ماهيتها الوجه الأخر للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
بهذا المعنى، فإن المنطقة ووفق الاستراتيجية الأمريكية، باتت مهيأة لاستقطابات إقليمية انطلاقاً من المصالح والأهداف المُشتركة في كل محور، الأمر الذي يشي بأن خارطة التحالفات الإقليمية ستحكمها طبيعة المصالح. مثال ذلك، قد تتقاطع المصالح الاسرائيلية والسعودية في قضية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، بصرف النظر عن إعادة العلاقات الإيرانية السعودية والتي جاءت في إطار تكتيكي أكثر منه استراتيجي، كما أن واشنطن وضمن هذه الجُزئية، ستقوم بالإشراف مباشرة على معادلة التطبيع التكتيكي بين الرياض وتل أبيب، بُغية تشكيل عوامل دافعة، تُحقق استمرار الهيمنة الامريكية في المنطقة، عبر تلك التحالفات.
قد يبدو للوهلة الأولى، أن توقع حدوث تطورات حيال إقامة علاقات كاملة بين السعودية واسرائيل في المدى القريب، هو أمر غير مرجح، لكن ضمن ذلك، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في وضع جيد يسمح له ببذل جهوده، لجهة التفاوض حول التوصل إلى اتفاق تاريخي بين البلدين، يحقق السلام ويعزز المصالح الأمريكية في المنطقة، لكن في المقابل، فإن الحقيقة المجردة حيال التطبيع السعودي الإسرائيلي، تترجمها ما يناقشه الدبلوماسيون الأمريكيون، وما تأكده التقارير في المستويات كافة، لجهة التغيرات العميقة لدى دول المنطقة حيال تقبل اسرائيل، كما أن اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والامارات والبحرين والمغرب، قد مهدت الطريق لبلدان إقليمية أُخرى للدخول في مسار التطبيع، لا سيما المملكة العربية السعودية.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفي وقت سابق، أكد أن إسرائيل قد تكون "حليفاً مُحتملاً"، وأبعد من ذلك، فقد أكد الساسة السعوديين، رغباتهم في الحصول على تعويض من الولايات المتحدة، كـ جزء من أي اتفاقية تطبيع مع إسرائيل. في جانب أخر، يبدو أن موجبات القلق من إقدام السعودية على تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، بددتها جُملة من المؤشرات، فـ بحسب استطلاعات الرأي في السعودية، فقد أيدت نسبة كبيرة من السعوديين، إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل في مجالي الأعمال التجارية والرياضة، حتى من دون وجود مظلة العلاقات الرسمية، وفي الأشهر الأخيرة، اختُبر تقبل السعوديين للتواصل مع الإسرائيليين، من خلال استضافة المملكة لمجموعة متنوعة من الإسرائيليين، شملت مصرفيين ورياضيين وغيرهم.
في جانب أكثر أهمية ودلالة، وكـ جزء من صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 2020، وتطلبت الموافقة الإسرائيلية على إعادة جزيرتين صغيرتين كانت تسيطر عليهما مصر في البحر الأحمر إلى السعودية، أصبحت الرياض فعلياً دولة ضامنة لالتزام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بحرية الملاحة الإسرائيلية عبر مضيق تيران وخليج العقبة، وعلاوة على ذلك، فقد وافقت السعودية في إطار هذا التفاهم على السماح بتحليق الطائرات المدنية الإسرائيلية في مجالها الجوي، وهي خطوة مهمة نحو العلاقات الطبيعية. فبعد أن وافقت سلطنة عُمان أيضاً على هذه الخطوة، ستصبح مدة الرحلات من "مطار بن غوريون الدولي" إلى الوجهات التي تقع في آسيا أقصر بكثير. وفي هذا السياق، قد تبدو الظروف مؤاتيه لانخراط السعودية أيضاً في السلام الكامل والمفتوح مع إسرائيل.
إن التوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي، هو في العمق جزء من استراتيجية أمريكا الأوسع نطاقاً، بُغية تجديد وتعزيز تحالفها مع السعودية من جهة، بالتوازي مع السعي للاتفاق مع ايران، للحد من برنامجها النووي، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها من جهة أخرى، وبالتالي فإن المنظور الأمريكي لرؤية العلاقات السعودية الإسرائيلية، يرتكز على تفعيل العلاقات بين الرياض وتل أبيب، بما يخدم الهدف الأمريكي المزدوج، كما أن بنيامين نتنياهو لا يُخفي رغبته في أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يوقع معاهدة مع إحدى أهم القوى الإقليمية، الأمر الذي تضعه أيضاً واشنطن في إطار تخفيف المعارضة الإسرائيلية لاتفاق أمريكي مع إيران.
ورغم ذلك، لا تزال هناك عقبات تعترض مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، لا سيما أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في جعبته جملة من المطالب، تتضمن إعلان ضمانات من واشنطن لحماية السعودية من أي هجوم عسكري، وشراكة سعودية أميركية لتخصيب اليورانيوم من أجل برنامج نووي مدني، والأهم إزالة القيود على بيع الأسلحة الأميركية للسعودية، وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، ووقعه أيضا الصحفي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رونين بيرغمان، فإن المطروح على الطاولة هو احتمال أن تضطر إسرائيل إلى الموافقة على تخصيب نووي في السعودية، كـ جزء من مشروع نووي للأغراض السلمية. وهو مطلب يأتي من الرياض وقد يلقى معارضة من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين يحذرون من أن ذلك سيؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. ولفت التقرير إلى أن السعوديين بدورهم سيضطرون إلى تقديم تنازلات كبيرة والتخلي عن موقفهم القديم الذي يقول إن السلام مع إسرائيل "لا يمكن أن يتحقق إلا بعد قيام دولة فلسطينية".
وبالتالي لو تمت تلبية مطالب ولي العهد السعودي، ولو بشكل جزئي، قد نشهد إعلان تطبيع سعودي إسرائيلي، ما يعني انتقال العلاقات بينهما من شكلها السري إلى شكلها العلني، وهنا يحضر قوياً ما قاله وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في وقت سابق، "نعتقد أن التطبيع يصب في مصلحة المنطقة وأنه سيعود بفوائد كبيرة على الجميع"، الأمر الذي يُدلل بشكل جُزئي على رغبات السعودية في إقامة علاقات رسمية مع "إسرائيل".