- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: تأثيرات عميقة... المشهد السوري وحرب غزة
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: تأثيرات عميقة... المشهد السوري وحرب غزة
- 20 يناير 2024, 9:24:07 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع الرياح العسكرية التي هبت من فلسطين، وجدت سورية نفسها أمام تيارات كان لابد من التماهي معها رغم أنماطها واتجاهاتها المعقدة، ورغم حالة اللا استقرار التي لا تزال تُوسم يومياتها، ورغم الأخطار المُحدقة بالملف السوري سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وربطاً بذلك ثمة واقع موضوعي تُترجمه جُملة من الحقائق التي باتت شاخصة في الجغرافية السورية. هو واقع فرض على دمشق التفاعل مع التطورات المحيطة بها، لا سيما أنها تطورات ناجمة بالقطع عن جملة من المتغيرات الجيوسياسية، تراكمت بفعل سنيّ الأزمة، وطالت جميع عناوين المشهد السوري من جهة، وكانت سبباً في تحفيز عوامل الصراع الإقليمي والدولي بين القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري من جهة ثانية.
نتيجة لذلك فإنه من البديهي وجراء حالة التداخل الإقليمي والدولي في الملف السوري، أن تُصبح سورية كـ جغرافية مسرح استثمار بأوجه مختلفة ولغايات متعددة، وعليه يُفهم أن تقوم بعض القوى باستغلال الواقع السوري بعناوينه وتعقيداته لغايتين، الأولى توسيع مناطق النفوذ والحضور من سوريا وباتجاه الاقليم، والثانية استغلال الأزمة في سورية لإحداث اختراقات تتجاوز حدود الإقليم إلى ساحات صراع أُخرى تمهيداً لمقايضات كُبرى حول مصالحه في قضايا تنسجم كلها وفي جوهرها مع سردية كل طرف تبعاً لما يتحقق له من مآرب.
إذاً بات واضحاً أن الواقع السوري أصابته رياح فلسطين بمستويات وأساليب متعددة وعلى المستويين السياسي والعسكري، خاصة أن بعض القوى الحاضرة في حرب غزة سواء أكانت دولاً أو فصائل، وجدت في الساحة السورية أرضية خصبة لإيصال الرسائل، مع توظيف هذه الساحة بما يخدم المصالح، دون مراعاة للأزمات السورية ولهواجس السوريين عموماً.
في جانب آخر، ومع استمرار الحرب في فلسطين، فإن مروحة التحليلات تتسع، وكذا فإن محاولة الإحاطة بتداعيات هذه الحرب وتأثيراتها الإقليمية والدولية تكاد تكون الشغل الشاغل لمراكز الأبحاث.
بالتالي فإن انعكاسات هذه الحرب على الساحة السورية، يُعد من بين القضايا التي تستأثر باهتمام كبير حالياً، بما يشمل المواقف منها، والوضع الميداني على الأرض، وتأثر علاقة مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السورية بها سياسياً.
وعلى اختلاف الأجندات والمواقف السياسية، فقد كانت دمشق ومعارضيها على السواء، يتجنبون تسجيل مواقف واضحة من الحرب في فلسطين. فـ النظام السياسي في دمشق وبخلاف بعض التصريحات التقليدية المساندة للقضية الفلسطينية، فإن دمشق رفضت تقديم أي دعم سياسي لـ حركة حماس، رغم المصالحة التي جمعت الطرفين في أثناء زيارة وفد حماس إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نتيجة وساطة من حزب الله وإيران، علمًا أن جزءًا كبيرًا من تسليح حماس كان يأتي قبل عام 2011 من سورية.
موقف دمشق يُفهم على الأرجح في إطار عدم قدرة دمشق على تخطي موقف الحركة من الأزمة السورية، تحديداً في ما يتعلق بدعم المعارضة، بما في ذلك وضع خبراتها في مجال تطوير الأسلحة محلية الصنع وحفر الأنفاق في خدمتها.
المعارضة السورية من جانبها وعلى اختلاف أطيافها وتوجهاتها فقد تجنبت هي الأخرى الحديث عن غزة ما أمكن، خشية أن يؤدي اتخاذ أي موقف بشأنها إلى تعقيد علاقاتها مع الحلفاء الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
في الجانب العسكري ورغم محدودية تأثيراته من سوريا، لكن ومنذ السابع من أكتوبر تصاعدت الأعمال العسكرية ضد القواعد الأمريكية في الجغرافية السورية، وفي المقابل ورغم أن إسرائيل تستمر منذ عام 2013 في استهداف الأراضي السورية، لوحظت زيادة في وتيرة هجماتها خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك ضرب مطاري دمشق وحلب أكثر من مرّة وإبقاؤهما خارج الخدمة فترات طويلة. وقد حصل ذلك بالتوازي مع تزايد الهجمات المنطلقة من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتلّ خصوصاً.
واقعاً إن حرب غزة بعناوينها ومشاهدها المتعددة والمعقدة، سيكون لها تأثيرات ستطال الساحة السورية، على إعتبار أن الأخيرة تُعد مثالاً حيًّا لحالة الاستثمار السياسي في المنطقة، كما أن الملف السوري أيضاً بتعقيداته يُعد مرآة لمصالح القوى المتصارعة في فلسطين، وهذا ما جعل للرسائل السياسية والميدانية المتبادلة بين تلك القوى، أنماطاً مختلفة تبعاً لكل لاعب وبما يتناسب وحجم مصالحه، لتكون للرياح العسكرية التي هبت من فلسطين تأثير مباشر يطال سورية، وما بين حالتي الهدوء واللا استقرار، ثمة إمكانية شاخصة للانزلاق نحو متاهات الصراع الإقليمي، وبذلك بن تكون سوريا وملفها بمنأى عن حرارة الصراع في فلسطين وعليها، الأمر الذي يُبعد سوريا عن طريق الخلاص الذي ينشده السوريين.
وربطاً برياح فلسطين، فإن السيناريوهات بشأن سوريا ومستقبلها وكيفية الخروج من أزمتها وكذا إحتمالات الحلول ومساراتها، لا تزال كثيرة ومتعددة، كما أن جُل ما سبق سيبقى في إطار التكهنات حتى هدوء رياح الحرب في فلسطين، خاصةً أن الملف السوري مُكبل بعاملين، أحدهما داخلي تُحدده حالة الجمود السياسي وإضمحلال الرؤى في ما يتعلق بالحل السياسي، مع حالة العجز من قبل دمشق ومعارضيها عن إنتاج معادلة تقريبية تجمعهما لتكون نواة نحو توسيع رقعة التفاهمات، بما يضع الملف السوري على مسار الحل. أما العامل الخارجي تُغذيه حالة الصراع بين القوى الإقليمية المتصارعة في سوريا وعليها، كما صراعها في فلسطين، الأمر الذي يُعد إشكالية تُعيق رؤية الحلول المنطقية والمناسبة، على حساب سطوة ومكاسب تلك القوى.
ختاماً. تُعتبر حرب غزة اختباراً حقيقياً لقدرة دمشق على ضبط مشهدها السياسي والعسكري من تلك الحرب، لا سيما أن دمشق تعمل في التوقيت الحالي، على هندسة تصريحاتها الرسمية حيال الحرب اولاً، وعلى تحقيق نوع من التوازن بين إبقاء الإستقرار بمعانيه السياسية والعسكرية في الجغرافية السورية بعيداً عن تأثيرات إيران ودعمها لـ حركة حماس، وما بين هذا وذاك فإن المشهد السوري تحكمه جُزئيات غاية في التعقيد، تبدأ بأزمات معيشية واقتصادية خانقة، ولا تنتهي بأزمة سياسية كلما طالت سببت مزيداً من البؤس للسوريين.