- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "حرب بـ الوكالة".. كباش إيراني أمريكي على أرض غزة.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "حرب بـ الوكالة".. كباش إيراني أمريكي على أرض غزة.
- 30 أكتوبر 2023, 7:53:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في المعادلات الدولية، إما أن تكون جالساً على طاولة الاستثمار السياسي للأحداث الاقليمية والدولية لتبقى ضمن معادلة الفاعلية والتاثير أو لا تكون. هذه المقاربة تنطبق على غالبية الدول الباحثة عن نفوذ اقليمي مرتبط بالتطورات الحالية في المنطقة، وتحديداً في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى اعتبار أن "حماس" ضمن محور "إيران المقاوم"، فإن إيران تسعى عبر "حماس" لحجز مقعد متقدم على طاولة الاستثمار السياسي، كما حجزت مقعداً عبر وكلائها في مناسبات عديدة لا مجال لذكرها الأن، لتعزيز موقعها الاقليمي، لكن في المعادلات الدولية أيضاً فان هواجس ايران تُفهم في سياق طموحها الاقليمي، كما تُفهم في ذات الاطار رغبة الولايات المتحدة وروسيا في الولوج عميقاً بما يمكن تسميته إعادة تكريس قواعد الاشتباك السياسي في المنطقة.
المطلوب إيرانياً في سياق عملية "طوفان الأقصى" ولحجز مقعد على طاولة الإستثمار السياسي لـ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هو تفعيل آليات للضغط على إسرائيل بُغية التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار ووضع حد للعمليات العسكرية الدائرة بين "حماس واسرائيل". هذا الهدف يُشكل في الحسابات الإيرانية نصف انتصار، إذ أنه وبإطالة أمد العمليات العسكرية ستكون إيران ومحورها في حالة إحراج كبيرة جراء صمتها واكتفاءها بعمليات ذات تاثيرات محدودة ولا تتعدى حدود المتفق عليه، وعلى اعتبار أن إتفاق كهذا في حال حصوله يعمل على إبقاء إيران وحليفتها "حماس" في أطر أي تسوية مرتقبة للقضية الفلسطينية، وعليه فإن النصف الثاني من "الإنتصار" يُمكن الحصول عليه عبر التسويات السياسية، لا سيما أن إيران بارعة في استثمار اللحظات الإقليمية الحرجة والمصيرية.
قد تُزيح البراعة السياسية الإيرانية في استثمار ما بعد عملية "طوفان الاقصى" عن كاهل طهران التفكير في التصدي للدورين الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، خاصة أن الأدوار الأمنية والعسكرية لكل من واشنطن وتل أبيب، ومع شبكة واسعة من التحالفات التي هُندست أمريكياً وإسرائيلياً مع الدول الواقعة في المجال الجيوسياسي لإيران، كـ أذربيجان والإمارات ولاحقاً السعودية من خلال تطبيعها مع إسرائيل، فإن المصالح الاستراتيجية لإيران بات مُهددة، وتحتاج لإعادة ترتيب التوازنات الجيوسياسية، ولا مجال لذلك إلا بخلط الأوراق السياسية وتحريكها بالعصى العسكرية، مع محاولة الإبقاء على خط التوازن بين السياسة والعسكرة، بما يضمن عدم انفلات التطورات واتخاذها مناحي بعيدة عن الأهداف الإيرانية.
المؤسسة العسكرية الإيرانية لا ترغب في الذهاب بعيداً حيال التصعيد العسكري، وتعمل في أطر إبقاء النار ضمن المسرح الفلسطيني، فالإدراك الإيراني يعي تماماً بأن خروج النار من غزة سيطال طهران، ولعل المعادلة التي رسمها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان خير تعبير عن الرغبة الإيرانية في عدم توسيع دائرة النار والدفع باتجاه وقفها عند المستوى الذي وصلت إليه، عندما أعتبر أنه عند سقوط غزة والقضاء على "حماس"، فإن إيران لن تكون قادرة على حماية طهران من سقوط القنابل الفوسفورية. هذه المعادلة تُذكرنا إلى حد كبير، بالمعادلة التي رسمها المرشد الإيراني عام 2012 عندما مهد للدخول الإيراني العسكري إلى جانب دمشق في الحرب، لدى اعتباره أن الدفاع عن دمشق هو دفاع عن طهران، وفي حال سقوط دمشق لن نكون قادرين على الدفاع عن طهران.
في حالة الإشتباك الأمريكي الإيراني على أرض غزة، فان ما يُمكن جنيه إيرانياً من إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار سيكون له فوائد سياسية أهم مما قد تُجنيه إيران في حالة توسع دائرة النار، خاصة أن أي حالة اشتباك إيراني مباشر مع إسرائيل لن تكون مقتصرة على الجانب الإسرائيلي فحسب، بل حُكماً سيكون لـ واشنطن ثقلها العسكري في هذا الإشتباك، وبالتالي فإن النتائج غير مضمونة إيرانياً، الأمر الذي ترجمه المرشد الإيراني في خطابه في وقت سابق عندما خاطب الإدارة الأميركية مُحذراً من مغبة استمرار عمليات القصف ضد غزة بعد الدخول المباشر لواشنطن على خط الأزمة. المرشد حاول من خلال تصريحاته إيصال رسالة بأن تطور الأمور في غزة لن لن يكون في مصلحة الجهود المبذولة أميركياً للحفاظ على بقاء إسرائيل، وعلى واشنطن العمل من أجل وقف الأعمال العسكرية في غزة حتى لا يؤدي ذلك إلى إنفجار الشعوب التي بدأت تفقد صبرها وقدرتها على التحمل، وعندها سيكون مستقبل وجود إسرائيل في معرض الخطر الحقيقي.
واقعاً إن عملية طوفان الأقصى ورغم ارتباطها بشكل مباشر بـ سياق الصراع الفلسطيني الاسرائيلي إلا أن ما يجري حالياً هي حرب وكالة بين الولايات المتحدة وايران، فـ الإدارة الأمريكية مُجتمعة جاءت إلى إسرائيل بناءً على إعتبارين، الأول هو الوقوف إلى جانب إسرائيل ودعمها عسكرياً وسياسياً، والثاني تحذير أعداءها من فتح جبهات أُخرى والانتقال بالحرب من توصيفاتها الحالية إلى حرب إقليمية واسعة، ومن الصعب على إيران إدارة المواجهة مع إسرائيل واعتماد الضربات السريعة والقاضية، لأن ذلك سيكون له ثمن امريكي قد لا تقوى إيران على دفع أتعابه.
في عمق حالة الكباش الإيراني الأمريكي على أرض غزة، ثمة أمران يرتبطان بشكل مباشر بالصراع الأمريكي الإيراني، الأول تصميم إيران على أن تكون مرحلة ما بعد طوفان الأقصى سواء بقيت الحرب في حدودها الحالية أو توسعت لتصبح حرب إقليمية، فإن إيران ومحورها أمام فرصة لتسجيل "نصر" في مسار يغير الشرق الأوسط، وهو مسار معاكس لما تصوره نتنياهو عن "تغيير الشرق الأوسط" من غزة. الأمر الثاني يتمثل في حالة الاندفاع الأمريكي لدعم إسرائيل وحمايتها في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى عبر تشكيل حكومة بعيدة عن نتنياهو وتطرفه تُعيد الاعتبار إلى التفاوض مع السلطة الفلسطينية على "حل الدولتين".
بين هذا وذاك، فإن إيران تقاتل ما تراه مشروع امريكي لشرق أوسط جديد تُحاصر عبره ويسقط من خلاله مشروعها الإقليمي وتُحل مفاهيم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ويُتفق على حل الدولتين وفق رؤية أمريكية بعيدة عن الحلول الإيرانية. لكن المُخيف حتى إتمام المشاريع الأمريكية وما يقابلها من مشاريع إيرانية، هو إبقاء الفلسطينيين تحت عناوين التهجير والموت.