- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: دمشق وقسد.. مراجعات سياسية وحوار الضرورة.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: دمشق وقسد.. مراجعات سياسية وحوار الضرورة.
- 14 ديسمبر 2022, 6:41:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رغم الدعم الدولي الهائل للكرد في توجهاتهم، إلا أنّ الطبيعة المُقعدة لعلاقاتهم الإقليمية، لا تسنح لهم بتأسيس شبكة تحالفات قد تُثمر استقراراً داخلياً في مناطق تواجدهم، تُشكل في حيثياتها بداية لكيان مستقلّ شرق سورية، حيث أنّ جُملة الخيارات والأوراق التي كانت بيد قسد، بدأت تتلاشى نظراً للتطورات السياسية والميدانية التي فرضتها القوى الفاعلة في شمال شرق سوريا؛ ونتيجة لذلك، برز عامل مؤثر في هذا المضمار، والذي يتمثل بالموقف الإقليمي والدولي من توجهات قسد، فضلاً عن مُستجدّ ثقيل أرهقهم وأدخلهم في محدودية الخيارات. فـ التصريحات الأمريكية لا تتماهى مع ما تُريده قسد مستقبلًا، خاصة أنّ التوجهات الأمريكية حددت بوصلة الخيارات تُجاه سوريا، وفي هدف أبعد يبدو أنّ التصريحات الأمريكية المتعلقة بالواقع الجديد في شمال شرق سوريا،
يؤسس عميقًا لشراكة روسية أمريكية تكون ناظمة لبدايات حل سياسي خجول، وبصرف النظر عن التصريحات الروسية الباهتة حيال السياسات الأمريكية في سوريا، إلا أنّ محددات الحل وجزئياته تنطلق من مبدأ تشاركية لابد منها، ويراها الطرفان ضرورة استراتيجية.
لكن في المقابل، فإنّ التعقيدات والتناقضات التي تؤطر مشهد شمال شرق سوريا، أرخت بنتائجها على طريقة التعاطي مع الملف الكردي عمومًا وقسد على وجه الخصوص، في هذه الأجواء، أدركت واشنطن أنّ مواصلة اللعب على تناقضات الموقف التركي حيال توجهات قسد، سيُدخلهم مع تركيا الأطلسية في إطار القضايا الخلافية العميقة، وهذا الأمر سيزيد التباعد بين ما يجمع الأميركي والتركي في ما يخص قضايا إقليمية ودولية، لا يمكن أنّ تكون بعيدة عن تأثيرات أنقرة. في مقابل ذلك، هناك بُعد استراتيجي أميركي يتمثل بالاستمرار في استخدام ورقة قسد، وما تُشكله من ضواغط قد يُمرّر من خلالها مكاسب سياسية، وبين التوجهات الأميركية والهواجس التركية، فقدَت قسد العامل المؤثر في المسارات السياسية، وكـ نتيجة طبيعية لتطورات الأزمة السورية، وجدت قسد أنه لابدّ من فتح حوار مع دمشق، لكنه حوار لن يكون إلا امتداداً ومساراً تحكمه عوامل فشل كثيرة، تبدأ بالرغبات الأمريكية، ولا تنتهي عند انعاطفة تُركية تتناغم مع التوجهات الأمريكية حيال قسد، وبما يتناسب مع المُخطط التركي في عمق الجغرافية السورية.
ضمن ما سبق، برزت تطورات متسارعة شكّلت في جزئياتها عاملاً ضاغطاً على قسد، الذين باتت خياراتهم محدودة للغاية، وبغضّ النظر عن مسار التطورات المستقبلية التي ستفرضها التوجهات الأمريكية، يبدو أنّ الاستراتيجية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط ككلّ، تضع قسد أمام تساؤلات كبرى، إذّ باتت هواجسهم تتمحور حول الدور الأميركي الباحث عن تفاهمات تُرضي تركيا؛ كلّ هذا أدخل قسد في دوامة الأسئلة المفتوحة والتي تحتاج إلى أجوبة يقينية.
في جانب موازٍ، بات واضحاً أنّ فكرة إنشاء إقليم كردي في شمال سورية، لم يعدّ مطروحاً للنقاش، وإذا ما أنشئت فعلاً منطقة آمنة شرق سورية خاضعة للنفوذ التركي، فمن المؤكد أنّ يكون الشرق السوري كاملاً ضمن مرمى الأهداف التركية، والتي تُمهّد في مرحلة لاحقة إلى ضمّه للدولة التركية. ضمن هذا المعطى، لن يكون أمام قسد إلا خيارين، الأول التعاون مع تركيا والانغماس في مخططاتها، وهذا خيار مُستبعد نظراً للعديد من الأسباب المرتبطة بالعلاقة الدموية التاريخية بين الكرد وتركيا، والثاني العودة إلى دمشق وتسليمها كافة أوراقهم، وهذا الخيار يبدو أقرب إلى الواقع، فتجارب الكرد أظهرت انّ التطورات البعيدة عن توجهاتهم، قد تضعهم في مأزق جديد، وبالتالي، فإن الضرورات ببعديها السياسي والعسكري، تضع قسد أمام جزئية الذهاب نحو دمشق، وضمن ذلك لابد أنّ يكون ضرورياً تعاطي دمشق مع قسد وفق منطق المصالح المشتركة البعيد عن الإقصاء، وبذلك فقط يتم نسج معادلة جديدة شكلاً ومضمونًا، وبذات الوقت تؤسس لحالة سياسية تُشكل منطلقًا لحل سياسي واسع، الأمر الذي سيؤدّي إلى تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية لجميع الأطراف السورية، إذ بات من الضروري وفق ما سبق من وقائع ومستجدات، أنّ تكون هناك مراجعات سياسية من قبل دمشق وقسد على السواء، للوصول إلى نتائج ضرورية في القادم من الأيام.
قسد وعطفاً على جُملة المتغيّرات التي وسمت المسرح السوري بكل أبعاده، هم أحوج ما يكونون إلى حوار مع دمشق، وبصرف النظر عن الإشكاليات المُحيطة بالمشهد في شمال شرق سوريا، والذي تؤطره أيضًا تفاهمات روسية تركية وضمناً أمريكية، لكن هناك قضايا ثلاث تضع قسد أمام منعطف تاريخي قد لا يتكرر، ويضعها أيضًا أمام حقيقية تتلخص بضرورة الحوار مع دمشق؛ هي قضايا يمكن إيجارها بالآتي:
أولاً- بالنظر إلى مناطق سيطرة قسد التي تحتوي شرائح متعددة، فقد أكدت تقارير متعددة، أنه ثمة تململ شعبي في مناطق سيطرة قسد، ناجمة عن طريقة تعاطي قسد مع بقية الشرائح، وبالتالي بات لزاماً عليهم أنّ يتعاطوا بإيجابيةٍ أكثر مع مختلف المكونات في مناطق سيطرتهم، وتغيير مسارهم عبر التوجه إلى دمشق لوضع خارطة طريق تضمن لكلّ المكونات الحصول على الخدمات الاجتماعية والادارية.
ثانياً- من الملاحظ أنه لا يوجد تجاوب دولي مع قضية فيدرالية الكرد، وحتى الأميركي الحليف الأبرز لهم لا يُريد الضغط سياسياً تُجاه هذه القضية، لكن واشنطن وعبر مراوغتها السياسية تريد فقط أنّ تستخدم هذه الورقة للضغط على الدولة السورية وروسيا، بالتالي من الضروري أنّ تُدرك قسد بأنها ورقة ضغط بيد الأميركي، ومن المؤكد بأنه سيتمّ التخلي عنهم عاجلاً أم أجلاً ضمن التسويات الكبرى.
ثالثاً- إنّ المتابع لتطورات الشأن السوري، بات يُدرك بأنّ قسد فقدوا الثقة بحليفهم الأميركي، خاصة أنّ واشنطن خذلتهم أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، وبالتالي لابدّ من انعطافة استراتيجية تضمن لهم حقوقهم المستقبلية، وقد لا يكون ذلك، إلا بالتنسيق مع دمشق وموسكو، لضمان حقوقهم وآمنهم، في ظلّ تجاذبات وتعقيدات لن تكون إطلاقاً في صالح قسد، إذا ما استمروا في اتباع سياسية البحث عن أوراق قوة، لاستخدامها على أيّ طاولة مفاوضات.
ختامًا، قد تُترجم التفاهمات الروسية الأمريكية بعيدة المدى حيال سوريا، عنوانًا سياسيًا توافقيًا، وبغض النظر عن جُلّ المصطلحات السياسية على شاكلة الفيدرالية واللامركزية، وغيرها من قوالب الحلول، إلا أنّ هناك توافقًا دوليًا على سلامة ووحدة الأراضي السورية، وبالتالي فإن كل التطورات والوقائع ما خفيَّ منها وما ظهر، ستكون وفق آلية سياسية جديدة لا اقصائية، مع وضع محددات لسوريا المستقبل، والأهم لابدّ من قراءة المشهد السياسي في سوريا وفق منظور جديد، مع الإدراك الكامل بأنَّه ما كان سائداً ومتعارفاً عليه قبل أشهر، لن يكون هو ذاته في القادم من الأيام، فالمراجعات السياسية وقراءة المشهد من زواياه المختلفة لكافة القوى المؤثرة في الملف السوري، وكذا دمشق، بات ضروريًا للخروج من أتون الحرب، وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.