- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الأغا يكتب: «توازن الرعب غير المستقر»..تل أبيب وطهران وتعزيز موقفهما الاستراتيجي.
أمجد إسماعيل الأغا يكتب: «توازن الرعب غير المستقر»..تل أبيب وطهران وتعزيز موقفهما الاستراتيجي.
- 11 سبتمبر 2022, 4:12:19 ص
- 876
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ضمن مناخ إقليمي غير مستقر، تسعى كلً من إيران وإسرائيل، إلى تعزيز موقعهما الاستراتيجي تُجاه بعضهما البعض. يتضح ذلك جلياً من خلال جملة من السياسات التي تؤطر تحركات تل أبيب وطهران، سواء على صعيد الإقليم، أو تلك السياسات التي ترسم مساراً خارجياً يتضمن إستثماراً سياساً لذرائع تنطلق من مُحددين رئيسيين. إحداهما رغبات إسرائيلية بوضح حدٍ للسياسات الإيرانية في المنطقة، وضرورة خروج إيران وفصائلها من سوريا، فضلا عن تأطير برنامجها النووي والذي تراه إسرائيل تهديداً وجودياً لها. والآخر يتضمن هواجس إيرانية تنطلق من مساعي اسرائيل لفرض سيطرتها على المنطقة، عبر اتفاقيات التطبيع، فضلاً عن مساعي اسرائيل لإظهار إيران كأحدى أهم عوامل اللا استقرار الإقليمي، وتسويق ذلك دولياً.
بين هذا وذاك، برز عامل جديد يتعلق بتكثيف الهجمات الإسرائيلية، ضد مواقع إيرانية في سوريا، يقابله تعزيز إيران لقوة فصائلها في المنطقة، عبر مدّهم بالمزيد من الأسلحة. لكن رغم ذلك، يبدو أن الدولتين غير مهتمتين بالمواجهة العسكرية، لكن لا يمكن استبعاد الحسابات الخاطئة تماماً، والتي قد تُفضي لحرب إقليمية واسعة النطاق. إذ لا يُمكن إنكار تلك التطورات والتي أججت مسار التوتر بين تل أبيب وطهران، خاصة أن توسع إيران غير المسبوق في المنطقة بشكل عام، وترسيخها العسكري في سوريا على وجه الخصوص، والشكوك والمخاوف التي تحيط ببرنامج إيران للأسلحة النووية، وكذا السياسات الأمريكية والخطاب المناهض لإيران وسياستها الخارجية، كل ذلك، رحبت به إسرائيل، واستثمرته بتوسيع نطاق علاقاتها، وأبرمت بموجب ذلك، اتفاقات سلام مع والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
مع ذلك وضمن الواقعية السياسية، فإن العلاقات بين طهران وتل أبيب، لم تكن عدائية تماماً، إذ كان هناك توقيت انخرطت فيه الدولتان في تعاون سياسي واقتصادي وأمني متعدد الأوجه، من بين مجالات أخرى. مع ذلك، فإن هذا التعاون الذي سعى إلى تعزيز المصالح الإسرائيلية - الإيرانية، انتهى بضربة واحدة عام 1979 بعد إطاحة الشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تبنت خطاباً صريحاً لجهة «تدمير إسرائيل». ومن المهم التذكير، بأن الخميني قد استخدم علاقات الشاه مع إسرائيل والولايات المتحدة كورقة رابحة لتشويه سمعة الشاه، وتقويض شرعيته، واتهمه بالسماح لإسرائيل بالتغلغل في الشؤون الاقتصادية والعسكرية والسياسية لإيران. وفي غضون أسابيع من الثورة الإيرانية، قطعت طهران جميع الروابط الرسمية مع تل أبيب، لتبدأ حقبة جديدة تتميز بالعداء الشديد لإسرائيل والدعوات المفتوحة لتدميرها التي استمرت حتى يومنا هذا.
ومع توضح معالم برنامج إيران النووي، دُقت أجراس الإنذار دولياً وإقليمياً، ثم فُرضت على إيران عقوبات دولية، حتى توقيع "خطة العمل الشاملة المشتركة" عام 2015. الاتفاق رفضته إسرائيل بشدة، ولم تنجح في ثني إدارة باراك أوباما عن إتمامها، إلى أن جاء دونالد ترامب، الذي أعلن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأميركية مع تطبيق سياسة الضغط الأقصى.
صحيح أن برنامج إيران النووي، يمثل التهديد الأول لإسرائيل، إلا أن برنامج الأسلحة النووية لطهران لم يكن بأي حال من الأحوال المصدر الوحيد للمواجهة بين الدولتين. إذ سمحت الحرب في سوريا والعراق لإيران، بتعزيز مواقعها كنقطة انطلاق لزيادة النفوذ السياسي والترسيخ العسكري في البلدين، وقد استخدمت الأراضي السورية والعراقية واللبنانية لإنشاء ممر بري إلى البحر الأبيض المتوسط، في محاولة لفرض الهيمنة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان. وكان ينظر إلى هذا التطور بقلق بالغ في إسرائيل. ولم يقتصر الأمر على تنامي التهديد الذي يمثله وكلاء إيران في لبنان وقطاع غزة بشكل كبير خلال العقد الماضي. كل هذا كان غير مقبول لتل أبيب التي شنت حملة مستمرة لمنع ترسيخ طهران عسكرياً في سوريا واستخدامها الأراضي السورية.
إن العلاقات بين إيران وإسرائيل، ومحاولة كل منهما تعزيز موقفها الاستراتيجي في مواجهة الأُخرى، خلق نوعاً من توازن الرعب غير المستقر، إذ يتم ردع إيران بسبب قدرات إسرائيل الاستراتيجية، من حيث قواتها الجوية الهائلة، ونظام دفاعها الجوي متعدد الطبقات المضاد للصواريخ والغواصات المسلحة نووياً، في حين أن إسرائيل تُدرك أن كلفة بشرية ومادية ضخمة ستصيب إسرائيل في حال اندلاع أي مواجهة بالمعنى العسكري. توازن الرعب بين تل أبيب وطهران، حال دون اندلاع حريق واسع النطاق بين الدولتين، لكن لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال كلياً إذا ما فشل التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي الذي تجري مباحثاته بين إيران وإدارة جو بايدن. وحتى إتمام الاتفاق، لا يستبعد التصعيد بينهما، مما يعني استمرار حرب الظل بين الطرفين، حتى في حال إحياء الاتفاق الذي تعتبره إسرائيل غير مجد وغير كاف لردع إيران.