- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الأغا يكتب: "اشتباك سياسي".. طوفان الأقصى وفق المنظور الجيوسياسي لـ إيران.
أمجد إسماعيل الأغا يكتب: "اشتباك سياسي".. طوفان الأقصى وفق المنظور الجيوسياسي لـ إيران.
- 13 أكتوبر 2023, 12:01:29 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متداول
بقلم : أمجد إسماعيل الآغا / كاتب وباحث سياسي
مع بداية عملية طوفان الأقصى بدا واضحاً حذر الإدارة الأمريكية ومثلها إسرائيل، لجهة عدم اتهام إيران بالضلوع في التخطيط لتلك العملية بشكل مباشر، رغم إدراكهما أن طهران لها اليد الطولى في تلك العملية. فـ الادراة الأمريكية والقيادة الاسرائيلية وبحسب زعمهما لم يلمسا دليلاً واضحاً على وقوف إيران وراء العملية العسكرية التي أربكت إسرائيل، مع إدراك الأخيرة الكامل بأنها ستستغرق وقتاً طويلاً لمعالجة تداعيات ونتائج تلك العملية.
الموقفان الأمريكي والاسرائيلي جاءا ضمن إطار عدم الرغبة بـ توسيع دائرة الإشتباك، فـ توجيه الإتهام لـ إيران مباشرة يعني انجرار أمريكي وإسرائيلي نحو الانتقال إلى مستويات جديدة من التعامل مع إيران، وبمعنى ثانٍ التوجه إلى حرب إقليمية واسعة، الأمر الذي يعني دخول المنطقة في مسار ناري مُبهم ومن الصعب التحكم بمألاته وسيناريوهاته وكرة النار الناشئة جراء هذا الاشتباك، ما يُفسر جلياً الرغبات الامريكية والاسرائيلية بتحييد الساحتين السورية واللبنانية عن مسار عملية طوفان الاقصى، والاكتفاء بتوجيه رسائل تحذيرية، ليس خوفاً من دمشق و"حزب الله"، بل منعاً لتصعيد يبدل مسارات التطبيع العربي مع اسرائيل أولاً، ويُجبر الإدراة الأمريكية على تبني خيارات في غير موضعها، لا سيما أن الإنتخابات الأمريكية باتت قريبة، والأهم أن واشنطن لا ترغب في الوقت الحالي في بلورة استراتيجية اشتباك جديدة مع روسيا في المنطقة ريثما تتضح معالم الخارطة الأوكرانية.
التقديرات الاسرائيلية لنتائج عملية طوفان الأقصى ترجمها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتأكيده على أن هذه الجولة الغير مسبوقة ستؤدي إلى شرق أوسط جديد، لكن في سياق التحولات الاقليمية ومعطياتها أيضاً لـ إيران تقديرات ترجمتها القيادة الإيرانية على لسان خامنئي، الذي ذهب إلى نفس النتيجة المتوقعة إسرائيلياً جراء عملية طوفان الأقصى، لكن مع فروقات في الرؤى ووفق المنظور الاستراتيجي لـ إيران. يقول خامنئي أنه "بعد السابع من تشرين الأول فإن "الكيان الصهيوني" لم يعد "النظام الصهيوني" السابق والضربة التي تلقاها لا يمكن تعويضها بسهولة"، واصفاً ما حصل بأنه "هزيمة غير قابلة للترميم".
لا ينفي عاقلٌ بأن عملية طوفان الأقصى لم تكن نتيجة قرار مستقل من القيادة العسكرية لـ حركة "حماس"، بل جاءت بعد مشاورات طويلة مع المحور الذي تنتمي إليه حماس، وبذات التوقيت فإن هذه العملية لم تكن منفصلة جوهراً ومضموناً عن التطورات السياسية في المنطقة لا سيما عملية التسويات الاقليمية والتفاهمات طويلة الأمد، لرسم مستقبل السلام في المنطقة والتي توجتها المصالحة الإيرانية السعودية، والتي سترسم مشهداً سياسياً إقليمياً جديداً مع معادلات ناظمة له. وهنا لا يخفى على أحد أن القيادتين السعودية والإيرانية تحاولان ضبط خياراتهما للوصول إلى قيادة المنطقة سياسياً والتاثير على قراراتها.
القيادة الايرانية وفي معرض نفيها لأي دور في "طوفان الاقصى" إنما تُهندس مساراً سياسياً لتدوير المواقف، سواء مع الإدارة الأمريكية أو السعودية، لا سيما أن الاخيرة تسير وفق معادلة إقليمية متدرجة وبرعاية أمريكية، للوصول إلى تفاهم سعودي اسرائيلي تنظر اليه الإدارة الأمريكية كـ وسيلة لنقل المنطقة إلى مرحلة جديدة تزيد من خلالها من هيمنتها السياسية على القرار الاقليمي، لكن يبدو أن القرار الايراني جاء صادماً ومؤخراً للخطوات الامريكية عبر فتح جبهة "غزة" خوفاً بأن تذهب التطورات الأمريكية والاسرائيلية والسعودية إلى مكان لا يكون فيه لـ إيران أي دور، الأمر الذي تراه إيران تهديداً لموقعها الجيوسياسي ومؤطرا لنفوذها الاقليمي الذي أسسته على مدى عقود.
في المقابل فإن "حماس" أيضاً افتتحت خرائطها العسكرية بموافقة المحور بما يتناسب مع الخرائط السياسية التي تُهندس إقليمياً، خاصة أن قيادة "حماس" استشعرت أن أي تسوية على مستوى الاقليم قد تكون على حسابها ولابد في هذا الإطار من حجز مقعداً لها على خارطة التسويات الكبرى، وأن تكون ضمن أي حسابات إقليمية مستقبلية، وبذلك فإن طهران وحماس يحملان ذات المصلحة، وعليه فان أي تسوية فلسطينية قادمة على أعتاب التطبيع الإسرائيلي السعودي يُخشى أن تُحييد طهران وحماس من قاموسها، ما يعني في العمق خروجاً من المعادلات الإقليمية وانهياراً لمشروع طالما حاولت إيران وعموم محورها تكريسه لتكون اللاعب الاقليمي الذي لا تتم دونه التسويات الإقليمية.
إيران ووفق منظورها الجيوسياسي لا تعارض التسويات الاقليمية بمفهومها العام، لكنها ترفض أي تسوية إقليمية دون أن تُحقق لها أهدافها الخاصة، ودون أن يكون المقعد الإيراني متقدماً في الخارطة الإقليمية الجديدة، وبالتالي فإن الرفض الإيراني لأي اتفاقيات عربية اسرائيلية تأتي من المخاوف لجهة استهداف إيران من أراضي جيرانها الاقليميين، وهذا جوهر الإعتراض الايراني على اتفاقية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، والذي حاولت إيران الالتفاف عليه عبر هندسة علاقات مستقرة مع الامارات تجنباً لأي احتمالات تؤرق طهران، واليوم مع الحديث عن إمكانية تحقيق سلام سعودي إسرائيلي ثمة ضغوط في الميزان الإيراني ترغب طهران بموازنتها ما بين موقعها الاقليمي والخشية من خسارة مكتسباتها التي حُققت في السنوات الأخيرة.
مُضافاً إلى ما سبق، فإن إيران وربطاً بهواجسها السابقة، فإن التعامل مع أي اتفاق سعودي اسرائيلي قادم، لن يكون فقط حيال تأثيراته الإقليمية، بل الخشية الإيرانية أعمق من ذلك، وتتمثل في الرؤية السعودية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عبر المبادرة العربية، الأمر الذي يعني إبعاد إيران عن القضية الفلسطينية وعن جُل عناوين الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ويعطي للسعودية دفة قيادة هذا الصراع وفق أسس تختلف في الجوهر والمضمون عن الأسس الإيرانية، الأمر الذي يُطيح بـ إستثمارات السياسة الإيرانية في المنطقة.
جملة ما سبق فإن عملية طوفان الاقصى جاءت في توقيت غايته خلط أوراق التسويات الإقليمية القادمة. هي تسويات قد لا تكون لـ إيران أو حماس أو عموم المحور أي مكان فيه، ما يعني أن سنوات الإستثمار بالقضية الفلسطينية قد تذهب دون أي مكتسبات، وضمن هذا وذاك، فانه من الضروري إيرانياً تعطيل أي تسوية قادمة ريثما تُرتب الأولويات من جديد، ويُفتح باباً إقليمياً للتسويات من البوابة الفلسطينية. كل ذلك يؤكد بأن المواجهة الحقيقية تبدأ بـ واشنطن وطهران وتمر بالوكلاء في مختلف مسارح الإقليم، لتبقى جُل السيناريوهات مفتوحة عسكرياً وسياسياً.