أم محمد السحار.. أمٌ فلسطينية تستقبل العيد على قبور أبنائها الخمسة

profile
  • clock 30 مارس 2025, 10:26:25 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
أم محمد السحار.. أم فلسطينية تستقبل العيد عند قبور أبنائها الخمسة

في غزة، حيث ينام الشهداء تحت التراب وتصحو الأمهات على وجع الفقد، لا يشبه العيد أي عيد. عند فجر أول أيام الفطر، خرجت أم محمد السحار من بيتها الصامت، تمضي في أطلال شوارع حزينة تشبهها، تحمل في يديها بقايا فرح من زمنٍ مضى؛ بعض الحلوى، قهوة سوداء كلياليها، وزهورًا سرقتها من شرفتها الصغيرة.

 

قبل عام، كان بيتها يضج بالحياة، تجتمع مع أبنائها الخمسة حول مائدة الإفطار، حيث الفسيخ وقلاية البندورة ورائحة العيد. ضحكاتهم كانت تملأ المكان، أما اليوم فكل ما تبقى هو صدى أصواتهم في ذاكرتها، وشواهد قبور تلمسها بأطراف أصابعها المرتجفة.

خمس جنازات في أيام معدودات

تحفظ الأم الثكلى حكاية خمسة شبان مثل الورد ربتهم من «حبات عيونها» قضوا واحداً تلو الآخر بفارق أيام: «كل يومين بجيبوا إلي خبر واحد منهم لحد ما خلصوا».

أحمد، ابنها الأكبر، كان طبيبًا، استشهد وهو يداوي الجرحى في مستشفى العودة، سقط على أرض غرف العمليات التي طالما أنقذ فيها أرواحًا كثيرة. صلاح، الشرطي الذي عاد منهكًا إلى بيته، ليتلقى رصاصة غادرة على بابه. أمجد، خرج ليحضر خبزًا لمن في مركز الإيواء المسمى بـ"اليمن الحزين"، لكنه لم يعد أبدًا. عبد الله، شابٌ حمل أملًا في قلبه، لكنه سقط وهو يحاول العودة من جنوب القطاع إلى شماله. وإبراهيم... أصغرهم، زهرته الأخيرة، سرقه الموت على يد العدو المجرم كما سرق إخوته، وأكملت الجرافات الإسرائيلية جريمتها حين جرفت قبرهم الجماعي بجنازير "الدي ناين".

 

تجلس أم محمد بجانب القبر، تُحدث أبناءها كما لو أنهم ما زالوا هنا: "جبتلكم القهوة اللي بتحبوها، عيدكم مبارك يا ضناي... أحمد، صلاح، أمجد، عبد الله، إبراهيم، سامحوني ما قدرت أحميكم". تمرر أصابعها على شواهد قبورهم، وكأنها تتحسس وجوههم، تمسح التراب عن القبر بيدين واهنتين، كأنها تداعب رؤوسهم للمرة الأخيرة.

العيد في غزة.. وجع لا ينتهي

في محيط المقبرة، أمهات كثر يزرن قبور أحبائهن، تتعالى أصوات البكاء بين صمت القبور. غزة تستقبل عيدها بالكفن لا بالكعك، بزغاريد الوداع لا بالتهاني، بدموع الأمهات لا بضحكات الأطفال.

تغادر أم محمد المقبرة بعد أن تركت خلفها أمانيها المدفونة، لكنها تعرف أن الفقد لا ينهى الحكاية، وأن الشهداء يحيون في القلوب وإن غابوا عن الأعين. تهتف بصوت منكسر لكنها مؤمن: "هيهات أن ينهي الموت الحكاية... هيهات!".

التعليقات (0)