- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أيمن تيسير دلول يكتب: الركن الشديد مناورة لها ما بعدها
أيمن تيسير دلول يكتب: الركن الشديد مناورة لها ما بعدها
- 29 ديسمبر 2022, 8:17:08 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مناورة الركن الشديد 3 التي أعلنت عنها أجنحة المقاومة الفلسطينية ونفذتها يوم الأربعاء 28-12-2022م بملاصقة الأسلاك الشائكة التي يضعها المحتل الإسرائيلي شمال قطاع غزة، وبعيدًا عن السماح لوسائل الإعلام هذه المرة بالتغطية، تحملُ الكثير من الدلالات والرسائل التي يمكن قراءة بعضها في الوقت الراهن، بينما ستكون هناك رسائل أخرى لن يفلح بقرائتها الاحتلال وأطراف أخرى عديدة إلا بعد وقوع أحداثٍ ميدانية، لكنه وقت لن يجد فيه قادة الاحتلال إلا الوقوف أمام الصدمة والحديث بكلمة واحدة لن تقدم ولن تؤخر ذلك الحين: يا ليتنا كنا نعلم.
من خلال هذه السطور المعدودة سأحاول قراءة هذه المناورات الكبيرة تحت ثلاثة عناوين رئيسية ينحدر أسفل منها تفصيلات عديدة:
أولًا/ دلالات الزمان والتوقيت:
1- المقاومة الفلسطينية على كامل الاستعداد والجهوزية وتمتلك سرعة استجابتها للتعامل مع الأحداث والمتغيرات الميدانية، فهذه المناورة تتزامن مع سلسلة مناورات للعدو الإسرائيلي أعلن عن إطلاقها مؤخرا، وما دامت المقاومة تتعامل منذ فترة بمعادلة الندية فهي قادرة على النزول للميدان بأسرع وقت ممكن.
2- في التوقيت رسالة بأن المقاومة في غزة حاضرة بشكل دائم، بل هي الرقم الصعب في معادلة القدس والأقصى، وما يجري لأهلنا في الضفة والداخل الفلسطيني المحتل، لا تغفل لحظة عنه بالإعداد والتجهيز والتدريب، وصولاً إلى قلب الطاولة على العدو في اللحظة التي تريدها قيادة المقاومة، بل إنها تشاهد ما يجري، وتدرك جيدًا أن السجود الملحمي الذي نفذه المحتلون داخل باحات المسجد الأقصى المبارك -وليس خارجه- قبل أيام ليس حدثًا عابرًا، وثمنه سيكون باهظًا، خاصة مع تجاهل قادة الاحتلال التحذيرات السابقة بهذا الخصوص.
3- الرسالة الأهم للمناورة تتعلق بالأسرى في سجون الاحتلال البغيض -سيكون تفصيل في باقي المقال بالخصوص-، فهم "أي الأسرى" يتعرضون لحرب شعواء من قيادة الاحتلال الجديدة العنصرية الموغلة في التطرف، فالمناورة أرادت القول للأسرى: المقاومة سند ودرع لكم وجاهزة لبذل كل شيء من أجل حريتكم وهي تعدُّ لذلك بالفعل، بل إن جريمة الإعدام البطيء للأسير القائد البطل ناصر أبو حميد تم تدوينها على قائمة الحساب، وصورته التي كانت حاضرة خلال هذه المناورة ليست صدفة.
4- هذه المناورة تؤكد مجددًا على وحدة الصف الفلسطيني والتنسيق الكامل والتئام الغرفة المشتركة خاصة، كما أن هذه المناورات "الركن الشديد" تجري في ذات التوقيت للعام الثالث على التوالي، ما يعني أن التواصل والتلاحم والترابط بين قوى المقاومة يبشر بخير، وبات استراتيجية وليس مجرد مناورات للاستعراض الإعلامي.
5- هذه المناورة تأتي في ذات اليوم الذي تم فيه تنصيب حكومة الاحتلال الفاشية الجديدة، وهي الحكومة الأكثر تطرفًا بشكل مكشوف في تاريخ المحتل الإسرائيلي، ما يعني أن على الاحتلال التقاط الرسالة جيدًا، فالمواجهة المقبلة لن تكون كما سبقها بالتوازي مع ارتفاع فاتورة الحساب التي زادها تطرف العديد من وزراء هذه الحكومة.
6- لا يغيب عن بال متابع، أن مناورات الركن الشديد 3 تأتي بعد أيام من تحذيرات حركة "حماس" للاحتلال الإسرائيلي أنه إذا لم يقبل بصفقة تبادل للأسرى مقابل جنوده الأسرى لديها فستغلق الملف للأبد أمام الصفقات، الأمر الذي يعني أن لديها خططًا أخرى قد تكون أكبر من مجرد أسر لجنود الاحتلال، فالأسرى الفلسطينيون قضية يُبذلُ في سبيلها الغالي والنفيس.
ثانيًا/ دلالات المكان:
1- مناورات الركن الشديد هذه المرة تجري على التخوم الشمالية لقطاع غزة على بُعد بضعة مئات من الأمتار من السياج الشائك، وهو ما يعزز مجددًا قواعد الاشتباك المفروضة على العدو الإسرائيلي من قبل المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة.
2- إن المناورة تجري على ذات أرض محررة "ايلي سيناي" وقد كانت مستوطنة للاحتلال سابقًا، في إضافة جديدة لمعركة الوعي واستحضاراً لإنجاز شعبنا ومقاومته في طرد المحتل عن هذه الأرض وكنس مغتصباته من قطاع غزة عام 2005م، فهذه المستوطنة كانت رمزاً لعنجهية الاحتلال الإسرائيلي تجاه أهلنا ومزارعينا شمال القطاع، وعليها حدثت عمليات بطولية في أكتوبر 2001م، وديسمبر 2001م.
3- المناورة يجري من خلالها تدشين وافتتاح موقع الغرفة المشتركة العسكري التدريبي، وهو أول موقع تدريب للغرفة المشتركة، وأول موقع عسكري مشترك للفصائل، بمعنى زيادة تنظيم العمل لدى فصائل المقاومة ورفع درجة الجاهزية وتبادل الخبرات بين عناصر أجنحتها المختلفة.
ثالثًا/ دلالات أخرى:
إلى جانب الدلالات سابقة الذكر من حيث الزمان والمكان، فهناك دلائل ورسائل رسمتها أجنحة المقاومة الفلسطينية للمشهد وبعضها بقي دون إعلان في الوقت الراهن:
1- تأتي المناورة بعد فترة تدريب مشترك امتدت لعشرات الأيام، في دلالة واضحة على مضي الغرفة المشتركة وأجنحتها المقاومة في تعميق وتعزيز التعاون والتكامل المشترك بين فصائلها، وتوحيد الفهم العسكري والجانب المعرفي، فحروب هذا الزمان أضحت بحاجة إلى تكنولوجيا وعلم وتطوير بشكل مستمر تماشيًا مع المتغيرات العالمية في مجال الحروب والمواجهات العسكرية والأمنية.
2- شارك في مناورة الركن الشديد 3 مقاتلو النخبة من الأجنحة العسكرية المنضوية تحت إطار الغرفة المشتركة، وهو ما يعني النظرة الثاقبة لقيادة الغرفة المشتركة في رسم المشهد المقبل من مواجهة حتمية مع الاحتلال، سيكون ركن عملها الأهم مستندًا على قوات النخبة.
3- مناورة الركن الشديد 3 تحاكي تكتيكات ليست دفاعية فقط، بل تخللها تكتيكات هجومية في السيطرة على مواقع للاحتلال وايقاع أعداد كبيرة من السكان والجنود أسرى في قبضة المقاومة الفلسطينية؛ في دلالة واضحة على أن التفكير العسكري للمقاومة الفلسطينية استراتيجي ويأخذ في الحسبان كل السيناريوهات، بل إنه يستعد لكل الاحتمالات.
4- إن هذه المناورة تضمنت سيناريوهات تتعلق بتحرير الأسرى وزيادة غلة المقاومة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، في إشارة وتأكيد لتحذيرات قادة حركة "حماس" قبل أيام المتعلقة بنفاد صبر المقاومة على انتهاك العدو لحقوق الأسرى وتعنته في إتمام صفقة تبادل جديدة للأسرى، فما صرح به نائب قائد أركان القسام بأن "قضية الأسرى ستكون الصاعق والمفجر للمفاجآت القادمة للعدو" لم يكن من باب "بالونات الاختبار"، إنما هو حديثٌ يترافق مع إجراءات في الميدان تتماهى مع تلك التصريحات.
إن هذه المناورات تعزز من جديد الأمل لدى الشارع الفلسطيني أن الحصار والحرمان والفقر الذي يعيشه لاحتضانه المقاومة لم يذهب هدرًا، وسيأتي اليوم الذي من خلاله سيُحمل كل حاملٍ للبندقية على الأكتاف، في مسيرات انتصار إما ستستقبل آلاف الأسرى الفلسطينيين بعد تحريرهم، أو أنها ستكون في الطريق لزيارة أراضٍ فلسطينية محررة بعد عشرات السنوات من سرقتها وتدنيسها من قبل الاحتلال الإسرائيلي.