- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
د. أيمن منصورندا يكتب : يا عزيزي كلنا "إعلاميون"!!
د. أيمن منصورندا يكتب : يا عزيزي كلنا "إعلاميون"!!
- 10 يونيو 2021, 12:38:25 ص
- 2161
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في عام 1941، وأثناء الحرب العالمية الثانية، زار الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" بريطانيا، وتم ترتيب لقاء له ولبعض أركان إدارته مع رئيس وزرائها الأشهر "ونستون تشرشل" في أحد الفنادق، وعندما دخلوا جناحه وجدوه عارياً تماماً، ولما همُّوا بالانسحاب تجنباً للإحراج، طلب منهم تشرشل عدم المغادرة؛ إذ ليس لدى بريطانيا ما تخفيه عن أقرب حلفائها!! وفي مجال الحديث عن الإعلام المصري، وعن "أحمد موسى"، ليس لدينا ما نخفيه عن مشاهدينا الكرام، فكلُّه "على عينك يا تاجر"، و"اللي بيزمر ما بيخبيش دقنه" ..
"أحمد موسى" نموذج بارز في الإعلام المصري، وله جمهوره (لا أعرف كيف يتم قياس حجمه وليس لدينا مراكز حقيقية لقياس ذلك؟).. واستمراريته لسنوات طويلة في تقديم برامجه، وسعة اتصالاته، وظهور معظم الوزراء والمسئولين في برنامجه، واعتباره يمثل وجهة النظر الرسمية للدولة (في ضوء الغياب التام والتغييب الكامل لماسبيرو).. واستقباله في بعض مؤسسات الدولة استقبال كبار المسئولين VIP.. كل ذلك يجعله اسماً دالاً على الإعلام المصري حالياً، ويجعله موضعاً للتحليل والتقييم.. ويجعل من المناسب أن نقول إنه إعلام زمن أحمد موسى!.. وللمشاهد مطلق الحرية في الانحياز لنموذج أحمد موسى أو في الانصراف عنه .. تماما مثلما له الحق في الانحياز لهاني شاكر أو الاعجاب بحمو بيكا .. فلا وصاية على الأذواق، ولولا اختلافها لبارت السلع!
وأحمد موسى ليس مقصوداً بذاته في هذا التحليل .. هو مجرد مثال وحالة.. إذ ليس بينه وبين غيره من مقدمي التوك شوز فروق جوهرية وإن أصبح عنواناً لمرحلة .. الاختلاف بينهم هو اختلاف في لون الكأس أكثر منه اختلافاً في الشراب أو في نوع العصير.. واختلاف في "المقاس" أكثر منه اختلافا في "الموديل".. وهو بالتالي لا يمتلك الحقوق الحصرية لهذه الصفات، فهي مشاع.. وليس محتكراً لهذا الأسلوب، فهو على العموم .. واستبدال "نشأت الديهي" بأحمد موسى لا يغير من طبيعة الأسلوب.. ووضع "خيري رمضان" مكانه لا يبدل شيئاً في المعادلة.. وهذا هو قمة الإعجاز الإعلامي!! يقال إن رجلا عرض على "ونستون تشرشل" (وقد حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1953) بعض أعماله الأدبية .. فقال تشرشل :هذا رجل متواضع، وإمكانياته تجعله أكثر تواضعاً.. وفي إعلام أحمد موسى، مقدمو برامج التوك شو متواضعون للغاية، وإمكانياتهم التي تكشف عنها هذه البرامج تجعلهم أكثر تواضعاً..
على مسئوليتي
كثير ممن يتصدرون المشهد الإعلامي حاليا يعملون على مسئوليتهم .. لا توجد شروط محددة للقيام بمهنة المذيع أو مقدم البرامج، ولا توجد مواصفات قياسية لذلك.. في كتب الإعلام (كما درسناها وندرسها) إشارة إلى أن هناك صفات شكلية، وخصائص صوتية، ومهارات معرفية، وسمات نفسية، وجدارات ثقافية، يجب توافرها فيمن يتصدى لهذه المهنة الشاقة.. ولذلك، كانت هناك لجان اختبار قاسية، وتصفيات شديدة.... وكان هناك حد أدنى للمواصفات لابد من توافرها.. ودرجة قبول معينة لا يجوز التغاضي عنها .. تغير الأمر حاليا.. وأصبح كله بالحب. وكله بالتراضي.. وكله بالعلاقات!!
أحمد موسى مذيع على مسئوليته! مواصفات المذيع كما تشير إليها الكتب غير موجودة فيه.. وخصائص الصوت والأداء غير متوفرة لديه.. بل إن لديه مشكلات صوتية وأدائية واضحة تمثل في حد ذاتها عائقاً أمام الإنسان الطبيعي للتواصل مع الآخرين وللتفاعل معهم فما بالك بالمذيع.. ولديه مشكلات ثقافية واضحة تمنعه من التأثير.. وله مواصفات شكلية ظاهرة تمنعه من الإقناع.. إضافة إلى ذلك، فإنه دائم الوقوع في أخطاء مهنية كفيلة باعتزاله الإعلام نهائياً، وكافية لوضع "جوبلز" نفسه على منصة الإعدام.. ورغم ذلك فأحمد موسى هو صاحب أكبر عدد من الساعات على الهواء يومياً.. ويفوق عدد ساعات عمله على الهواء في العشر سنوات الأخيرة عدد ساعات هواء "لاري كينج" على مدار عمره كله (مات عن عمر 87 عاما منذ أسابيع قليلة).. وعدد الحوارات التي أجراها ويجريها يفوق عدد حوارات "باربرا والترز" (91 سنة) أو حتى "أوبرا وينفري" (67 سنة).. فما أسهل أن تجلس يومياً بالخمس ساعات على الهواء.. وما أيسر أن تجري عدة حوارات كل يوم، وما أمتع أن تدلي برأيك في كل مناحي الحياة.. كله سهل وميسور وممتع على النحو الذي اعتقده "بلدياتنا" حين طلب من الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يجد لديه فرصة عمل.. أي شغلانة والسلام.. حتى ولو كانت أن يمسك "العصاية" ويقف أمام الفرقة الموسيقية (عصا المايسترو)!!
وأحمد موسى مثل بقية الإعلاميين في زمانه ينتشرون ويتوغلون في كل الوسائل .. فلا يوجد من يكتفي منهم بوسيلة واحدة.. برنامج توك شو في المساء.. وبرنامج إذاعي في الظهيرة .. ثم "لايفات" على وسائل التواصل الاجتماعي آناء الليل وأطراف النهار.. إضافة إلى مقال صحفي يومي أو أسبوعي.. أينما تكونوا يدرككم الإعلاميون ومقدمو التوك شوز! في إشارة إلى ثقة غير متناهية بالنفس، واعتقاد راسخ فيما يقدمون من حكم ومواعظ وعبر!!
في علم النفس، يوجد نموذج دانيينج- كروجر (مرفق).. ويشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين ومحدودي الخبرات إلى المبالغة في تقدير مهاراتهم وقدراتهم بشكل أكبر بكثير من حقيقتها.. إذ يميلون إلى الاعتقاد في أنهم "لا ينطقون عن الهوى" ، وأن لديهم "الخبر اليقين" عن كل شيء.. وعلى العكس من ذلك، يميل الخبراء الحقيقيون وأصحاب المهارات الفعلية إلى التواضع وإلى التقليل من قدر معرفتهم، ويميلون إلى استخدام كلمات من قبيل (أظن .. في اعتقادي.. لا أعرف.. الله أعلم..).. ووجدت الدراسات أنه كلما قلت المعرفة بشكل عام زادت درجات الثقة في النفس لدى هؤلاء.. وكلما قلت الخبرة زاد مستوى الاعتقاد في تفوقهم.. وما نموذج دانيينج -كروجر عن أحمد موسى وزملائه من مقدمي التوك شوز ببعيد!
المسجل أكثر من المستقبل
جوهر المشكلة الإعلامية في زمن أحمد موسى هو أن الاهتمام الأكبر لدى الإعلاميين يكون بمن "يسجل" وليس بمن "يستقبل".. عين كل مذيع على الأجهزة المسئولة التي تراقبه وتسجل له، وليس على المشاهدين الذين يشاهدونه أو يتابعون ما يقدم.. ليذهب المشاهد إلى الجحيم .. فليس في يده "تصعيد" أو "تهميش" أي إعلامي .. اختيارات المشاهدين وتفضيلاتهم ليست معيار البقاء.. وإلا قل لي من سمح ببقاء نماذج كثيرة من الإعلاميين رغم نفور الجمهور منها فيما يشبه الفرض والإجبار؟!
"تدوير" النخبة الإعلامية وإعادة توظيفها واستخدامها يعتبر بعداً آخر من أبعاد المشكلة .. عدد محدود من الإعلاميين يتصدرون الشاشات، ويتم (تدويرهم) ونقلهم من قناة إلى أخرى.. فإذا فشل أحدهم في قناة تم إرساله في "بعثة" إلى قناة أخرى.. وإذا فشل فيها، يأخذ فرصةً في مكان آخر.. "الأسامي هي هي .. والقلوب اتغيرت".. المناصب الإعلامية والبرامج هي مكافآت وليست استحقاقات.. هي تعبير عن رضا .. أكثر منها مؤشر للجدارة .. في الوقت الذي يجلس فيه الإعلاميون المحترفون "تحت ظل الزيزفون"، يستمتعون "بالتشميس الجبري"، ويتجرعون مرارة الإقصاء والاستبعاد.. ولذلك تخيب النتائج .. ولا عجب..
يقولون: "لا يَقدر خادم أن يخدم سَيديَن"، فما بالك بمن يخدم أكثر من ذلك؟! .. معظم إعلاميينا يخدمون أسياداً متعددين: صاحب القناة والتمويل من ناحية، وصاحب جهاز سامسونج من ناحية أخرى.. والمعلنون ووكالات الإعلان من ناحية ثالثة.. إضافة إلى بعض الأسياد غير الظاهرين، وكذلك المصالح الشخصية .. ولذلك تأتي التوليفة العجيبة المتنافرة أحياناً، ويكون الرقص على كل الحبال ومحاولة إرضاء كل الأطراف على حساب الجمهور.. في حكاية تنسب إلى يوليوس قيصر.. أنه كان في مجلسه يحمل طفله الصغير الذي لم يتورع عن التبول عليه .. فاستنكر الحاضرون ذلك.. فقال لهم: "لا تتأففوا من تصرفات حاكمكم الحقيقي؛ فهذا الطفل يحكم أمه؛ وأمه تحكمني؛ وأنا أحكمكم"!.. وصاحب جهاز السامسونج يحكم الجميع في المجال الإعلامي ويحدد شروط اللعبة، تماما مثلما كان "صاحب الكرة" يفرض شروط اللعب في حوارينا أيام الطفولة!
جاي رايح .. منه له
في زمن أحمد موسى.. لا يوجد مذيع يستطيع أن يقول سطراً واحداً خارج المسموح به.. يستوى من يعمل في قنوات الدولة أو في القنوات الخاصة.. الرسائل الجماعية والتلقينات تتم على مدار اليوم، وهي البوصلة التي تحدد التوجه للجميع.. وللمذيع أن يختلف في طريقة الإلقاء أو التقديم، ولكنه غير مسموح له التغيير في النص أو الخروج عنه.. للمذيع أن يخطيء في أي شيء.. غير أن يخطيء في شيء متعلق بالرسائل.. الخطأ الأول هو عادة الخطأ الأخير.. والتجارب تؤكد ذلك، و"القطنة ما بتكدبش"!
المؤكد أن التلقينات والتعليمات كانت موجودة في كل الفترات وفي كل النظم السياسية.. الخط المباشر واللينك القائم بين الجهات المسئولة والإعلاميين موجود دائماً ومشروع في معظم الأحوال.. الجديد هو كثافة الرسائل إلى درجة التقييد، وشمولها إلى درجة الحجر، وصرامتها إلى درجة الاستبداد.. والجديد أيضاً هو تطوع مذيعي التوك شوز ومحاولتهم إثبات الولاء بشكل مبالغ فيه .. وكما أنه "من الحب ما قتل"، فإن من التعليمات والتلقينات ما يشوه النظام، ويسحب من رصيده، ويتعارض مع أهدافه، ويسبب له كوارث لا يستطيع تحملها.. ومثل "الدبة التي قتلت صاحبها" يقوم مذيعو التوك شوز في زمن أحمد موسى بالكثير من التجويد ذي قوة القتل الثلاثية والمدمرة لهم وللجمهور وللنظام السياسي.
يا عزيز يا عزيز!!
الشماتة المجتمعية التي تكررت مؤخراً في مصائب الفنانين والإعلاميين لا تعبر عن سوء خلق قدر تعبيرها عن تصرفات غير مسئولة ومتكررة من بعض الفنانين والإعلاميين أدت إلى احتقان مجتمعي.. كان المصريون في المظاهرات ينادون "يا عزيز يا عزيز .. كُبَّة (مرض الطاعون) تاخد الإنجليز"... وفي أيامنا الحالية لا فرق إن استخدمنا "كوورنا" بدلاً من "الكُبَّة"، والإعلاميين بدلاً من الإنجليز.
في زمن أحمد موسى ، المسافات النفسية بين الإعلاميين والجمهور تتسع، والتباعد الاجتماعي بينهم يزداد.. ودرجات الثقة ليست على النحو المطلوب.. والمصداقية هي "الفريضة الغائبة" ، والثقة هي الضحية رقم واحد.. لسان حال الجمهور يقول للإعلاميين "كيف أصدقك وهذا أثر سيفك؟" التجارب التي خذل فيها الإعلاميون الجمهور العام كثيرة، إذ سلقوهم بألسنة شداد، ولم تأخذهم في المواطنين إلاًّ ولا ذمة في كثير من المواقف وفي عديد من القضايا .. انحياز الإعلاميين دائماً مع الحكومة.. أياً كانت الحكومة "واللي يتجوز أمي أقول له يا عمي"! .. لسان أهلنا في الريف يقول "مفيش بعد حرق الزرع جيرة".. والإعلاميون زمن أحمد موسى حرقوا كل فدادين الثقة التي كانت قائمة.. تماماً مثلما حرقها "أحمد سعيد وزملاؤه" في 1967!!
في زمن أحمد موسى، يقدم مذيعو التوك شوز منتجات منتهية الصلاحية تسبب التلبك الفكري والتسمم الثقافي.. "منتجات اكسبايرد" مثل نسكافية أحمد حلمي في فيلم "جعلتني مجرماً".... والغريب أنهم كلهم يتباكون على حال الإعلام وعلى ما آل إليه.. ولسان حال المجتمع يردد مقولة "مالك بن دينار" للحاضرين الذين سرقوا مصحفه ثم أتوا إليه باكين ولاعنين من سرقه "كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟" كل الإعلاميين يتباكون على تردي حالة الاعلام.. فمن السبب فيها؟ حكاية أخرى عن وزارة الدولة للإعلام، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، تحتاج إلى بوست مستقل.. إن كان في العمر بقية..