- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
جمعه رمضان يكتب : يوميات ثائر في الاسواق !
جمعه رمضان يكتب : يوميات ثائر في الاسواق !
- 10 يونيو 2021, 12:13:16 ص
- 997
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يستهويني الدخول الى سوق الخضار دائمًا من ناحية شارع الصاغة المتقاطع معه، والسر في ذلك مردّه ان دخولي الاول لشارع الصاغة كاد يفضي الى جناية بعد ان خدعني صديق وأعطاني ذهباً مغشوشاً كي اصرّفه له، اما الدخول الثاني فقد افضى وقانا الله واياكم الى جوازة ومن ثم الى رول محكمة الاسرة، ومن يومها وانا اتحرى دخول سوق الخضار عبر شارع الصاغة كي احصن نفسي الوقوع في ثالثة الاثافي، كما وألزمها حرصاً وحذراً يعصماني كيد البائعات، وبعضهن ذوات لطافة ودلال قد يعجزانك التفرقة بين الخس والملوخية !
المهم .. يوم الخميس الماضي ساقتني قدماي قاصدًا سوق الخضار مروراً بشارع الصاغة محملاً بالحذر والحرص اللازمين كيفما اتفق لشراء حاجة البيت من لحوم وخضار وخلافه لزوم طبخة الخميس الاسبوعية اليتيمة كشأن معظم المصريين ضحايا الانجازات، توقفت لبرهة أمام فرشة ( استغفر الله ) الخيار البلدي الذي لم يكن مدرجًا في بند المشتروات يحدوني عشم ان ابتاع منه ولو نصف كيلو لتفخيم طبق السلاطة، لكن ولسوء البخت حال البند والاسعار والميزانية المحسوبة بدقة دونه، حتى اذا هممت بالانصراف صوب الجزار لمحت تجمع كثيف لنسوة يتزاحمن حول بائع يصيح على بضاعته،( تلاتة بعشرة يا طرح الجزاير يا ورور )، تبين لي عندما اقتربت انها كومة هائلة من القثاء ( الأته )، تهللت الاسارير واطمئن القلب كون البائع رجلاً واطمئن اكثر كون بضاعته طيبة لا شبهة فيها ومذكورة أيضًا في القرآن !.
استعنت بالله واخترقت الغيمة السوداء الملتفة حول كومة الاتة، أخذت كيسي يخامرني شعور بالامتنان تجاه (خيار) الاقدار الرحيمة، جاهدت عبثاً كي التقط الزر الرفيع المسحوب بحسب نصيحة الجدة عليها رحمة الله، لكن هيهات وسط تدافع الاجساد وتزاحم الايدي، بدا المشهد أشبه بصراع البسطاء حول كراتين المواسم الانتخابية يتخطفنها من بعضهن البعض لدرجة ان احداهن نازعتني زراً معقولاً استحسنته على مضض بعد عناء وقد تخشبت يداها على الزر المسحوب حتى ظننت بالاتة مظنة ادعياء التأسلم بالخيار لكني سرعان ما حوقلت واستغفرت ربي وصرفت سوء الظن عن ذهني والنزاع لا يزال قائمًا على زر الأته يكاد يتطور الى شجار عنيف تحاشيته سريعاً بعدما ابدى غريمي عزمًا وشراسة قل نظيرها في ساحات الصراع قبل ان تتدخل رفيقتها : ياأستاذ يا عايق انت،، الاتة دي حرشة متنفعكش !!.. ( بدت لي اهانة ذات مغزى ابتلعتها على مضض طلبًا للنجاة ) .
خرجت مهزومًا من موقعة الأتة الفاشلة ألملم ما تنسل من ياقة قميصي العتيق وماتفتق من ازراره، أصب لعناتي على الاتة والخيار والاختيار والسوق واقتصاد السوق الذي جعل من الردئ الرخيص " خيار الضرورة "، موليًا وجهي صوب القصّاب ( الجزار ) على طرف السوق يسبقني الشغف الى قطعية من الدوش الدسم او من طرف الجناح اللذيذ .
من بعيد ومن طوله الفارع وبشرته الصهباء بدا لي انه صديقي رفيق ثورة يناير خفيف الظل - الثرثار احيانًا- والذي انقطعت أخباره منذ مدة طويلة، تقريباً منذ احداث " 30 / 6 " وما تلاها من احداث، اذ كان لديه موقف مختلف عن كل الرفاق مع اصرار عجيب على رفض ما يجري رغم عداوته التاريخية للاخوان، اذكر له عبارة كان يطلقها في وجوهنا حين كنا ندعوه للمشاركة : " يغور اللبن من وش القرد " مستبدلا كلمة وش القرد بمؤخرته ومصحوبة باشارة من إصبعه توصف بالبذيئة يستوعد بها المشاركين في قادم الايام ! .
تيقنت انه صديقي الظريف بعدما اقتربت اكثر منه وقد دخل في شجار لا يخلو من دعابة مع الجزار اعتراضاً على سعر فردة الكارع الواحد الذي جاوز الـ ١٢٠ جنيه، انتحيت جانبًا اتابع ذلك الشجار البروتيني الصاخب منتظرًا النتيجة، ولانه لحوح وحتتي وفي نفس الوقت خفيف الظل فقد انتهى الشجار بتسوية مرضية بعد أن تعطف الجزار ومنحه هبرة من لحم رأس العجل مع مخاصيه فوق البيعة .
ما ان تنّبه صديقي لوجودي حتى اطلق ضحكة مجلجلة أتبعها بالاحضان والبوس قبل ان يهمس في اذني بخفة ظله وسخريته المعتادة ، هاااه ، أخبار الصب الحكومي ايه يابرنس ؟ مال شكلك مبهدل ووشك اصفر ولونك مخطوف ليه يا وحش الميدان ؟ ألم تجد من يحنو عليك ويرفق بك ؟.. لم يمهلني كي اشرح له قصة الخيار ونجاتي باعجوبة من صراع الوحوش الذي لا يزال محتدمًا هنالك حول كومة الأتة .. واستمر على ايقاعه الساخر : اسمع، بقولك ايه يا صاحبي، جوز المخاصي دول هدية مني ليك، تاخدهم تحمرهم في حبة سمن بلدي وجرّي عروقك بيهم، احنا في يونيه، عارف يعني ايه يونيه ؟ .. يعني اوله نكسه واخره تلبيس، والنهاردة الخميس عيد ميلاد ابليس، وكل تمرد وانت طيب يا عريس، هكذا خرجت كلماته الموزونة تفيض بالسخرية والوجع وكأنها زخات سلاح سريع الطلقات قبل ان يمد يده في كيسه ويخرج خيارة ثم يناولني اياها قائلا : خد متتكسفش، وافتكر دايما ان الثورة زي الخيارة، في يناير تبقى في ايدك وفي يونيه تبقى في عينك ( مشيها عينك )، ثم حمل اكياسه ومشى حتى اذا ابتعد امتار قليلة استدار صائحًا : استحلفك بالله يا صاحبي الا تنسى وضع الخيارة في عين طبق السلاطة !