- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
إبراهيم أبراش يكتب:خطورة إنهاء منظمة التحرير قبل التحرير
إبراهيم أبراش يكتب:خطورة إنهاء منظمة التحرير قبل التحرير
- 27 فبراير 2022, 7:40:07 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
موضوع المنظمة كان دائم الحضور ومحل نقاش منذ وثيقة الأسرى عام 2005 التي طالبت بإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير بل قبل ذلك في أول جلسة حوار بين حركتي فتح وحماس في السودان 1991 ،كما كان دائماً محل اتهامات متبادلة وآخرها بعد الكشف عن المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس يوم الثامن من فبراير والخاص بدعاوى الدولة، حيث جاء في المادة الأولى المخصصة لتعريف وشرح المصطلحات وفي البند الأول الذي يُعرف دوائر الدولة التي تشملها (دعاوى الدولة) أن منظمة التحرير ومؤسساتها دائرة تابعة للدولة.
هذا المرسوم وما أثاره من جدل قطع أي أمل بتفعيل منظمة التحرير لتجمع الجميع كما يطرح كثيراً من التساؤلات حول مستقبل منظمة التحرير وفوق كل ذلك تساؤلات حول آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في النظام السياسي.
مع أن المرسوم غير مخصص لمنظمة التحرير بل جاء في سياق التوجه الرسمي الذي تم الإعلان عنه منذ عام 2013 بالانتقال من وضع سلطة الحكم الذاتي المحدود لوضع الدولة تحت الاحتلال، إلا أن الجزء من المرسوم المتعلق بتبعية منظمة التحرير للدولة يطرح ويثير مسألتين خطيرتين، الأولى حول الشكل والثانية حول المضمون، وهذا ما سنوضحه بعجالة:
أطراف فلسطينية تستكمل مخطط تصفية المنظمة والقضاء عليها وهو المخطط الذي عملت عليه إسرائيل والولايات المتحدة طوال عقود، ونقول ونعترف بكل أسف إن إنهاء المنظمة يتم اليوم بأيادي فلسطينية.
أولا: حول الشكل
مع أن الموضوع محل النقاش جاء فيما يُعتبر ديباجة المرسوم إلا أنه يكتسب أهمية وخطورة كبرى لأن الديباجة جزء من القرار بل ينبني عليها القرار ولأنه جاء في وقت يحتدم فيه النقاش والجدل حول المنظمة. لذلك فإن أي قرار يمس وضع المنظمة كان يُفترض أن يمر عبر المؤسسات الرسمية للمنظمة ونقصد هنا المجلس الوطني الفلسطيني أو من خلال استفتاء شعبي، حتى المجلس المركزي الذي انعقد بعد يوم من توقيع المرسوم لم يُعرض عليه المرسوم ولم يكن أعضاؤه على علم به!.
هذا الخلل أو العطب الخاص بالشكل يعكس ويعبر عن تخبط وحالة تيه في عملية اتخاذ القرار استراتيجيا عند المستوى القيادي الأعلى، وتغول المراسيم التي يصدرها الرئيس على بقية المؤسسات الرسمية بما فيها مؤسسات المنظمة والسلطة، بل ويعكس ارتجالية في صدور المراسيم وفي صياغتها وخصوصاً أنه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها مراسيم ثم يتم تعديلها أو إلغاؤها.
التوضيح الصادر عن المستشار القانوني للرئاسة حمَّل المنتقدين والمحتجين مسؤولية عدم فهم المرسوم كما لم يوضح ما إن كان التعديل سيُلغي البند الذي يعتبر المنظمة دائرة من دوائر الدولة أم سيبقى هذا النص ويضاف له التوضيح، وفي الوقت الذي يقول فيه المستشار الرئاسي أنه تم تعديل القانون يقول عضو اللجنة التنفيذية واصل أبو يوسف أنه تم إلغاء المرسوم!!!.
كان من الممكن عدم إدراج البند الأول الذي يذكر بالاسم منظمة التحرير والاكتفاء بالبند الرابع الذي يُدرج ضمن دوائر الدولة “أية مؤسسة أدرجت كبند على الموازنة العامة للدولة، والمنظمة مدرجة كبند في الموازنة العامة منذ سنوات، وبالتالي إن تم إلغاء البند الأول الذي يذكر بالاسم المنظمة فإن البند الرابع يؤكد تبعيتها لدوائر الدولة .
نعتقد أنه لم يكن هناك خطأ في الصياغة ولا سوء فهم عند الناس ولو لم يتم تسريب نص المرسوم وردود الفعل القوية عليه لتم تمريره وإعلانه رسميا في الجريدة الرسمية، فالمرسوم يعبر عن توجهات جادة عند القيادة بطي صفحة منظمة التحرير وإلحاقها بالدولة / السلطة.
ثانيا: من حيث المضمون
حتى بدون انتظار المرسوم المعدل فإن القيادة الفلسطينية ومنذ أن قررت الولوج في عملية التسوية السياسية وتأسيس السلطة وهي تبحث عن صيغة ما للتوفيق بين منظمة التحرير كحركة تحرر وطني واستحقاقاتها من جانب والسلطة وبناء الدولة واستحقاقاتها من جانب آخر وهو إشكال ليس بسيطاً سواء على المستوى الوطني الداخلي أو على المستوى الدولي، ولأن التوفيق كان صعباً فقد تم حسم الأمر أخيراً لصالح الدولة على حساب المنظمة، وكان وجود السلطة والتزاماتها تجاه إسرائيل أول انقلاب داخلي على منظمة التحرير.
بدأ مسلسل تهميش المنظمة ومؤسساتها بدورة المجلس الوطني في غزة عام 1996 التي حضرها الرئيس الأمريكي بيل كلنتون حيث تم تعديل الميثاق، تم تحويل صلاحيات دوائر المنظمة للسلطة وكلنا يتذكر الصراع الذي تم بين فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير والدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة حول الصلاحيات، مجزرة التقاعد الإجباري لعسكريي المنظمة، وضع بند في ميزانية السلطة خاص بمنظمة التحرير، إعاقة عمل اللجنة المكلفة بإعادة بناء وتفعيل المنظمة والتي انعقدت لمرة يتيمة في بيروت، التماطل في انعقاد المجلس الوطني، حلول المجلس المركزي محل المجلس الوطني، تحويل اللجنة التنفيذية لـ(شاهد زور) يُمرر من خلالها قرارات مصيرية لا يجرؤ أعضاء اللجنة على مناقشتها أو معارضتها، ملء شواغر المناصب العليا في المنظمة بشخصيات بعيدة عن العمل الوطني أو غير فاعلة بسبب العمر وبقرار منفرد من الرئيس، وأخيراً تأجيل الانتخابات العامة لأجل غير مسمى.
تم تبرير بعض هذه الإجراءات أنها للحيلولة دون هيمنة حركة حماس على المنظمة، لكن هناك مبالغة في الخوف من هيمنة حركة حماس على المنظمة. صحيح أن حركة حماس معادية للمنظمة وربما تسعى الحلول محلها كما يمكن توجيه العديد من الاتهامات لحركة حماس ومسؤوليتها عما أصاب القضية الوطنية من خراب وما يجري في قطاع غزة من بؤس، ولكن في موضوع المنظمة فأهل المنظمة وقيادتها يتحملون المسؤولية الأكبر عما أصابها من ضعف وترهل لدرجة التفكير بإلحاقها بدوائر الدولة، وبالتالي فإن ما ورد في المرسوم المُشار إليه ليس خطأ في الصياغة أو مجرد سوء فهم من المحتجين بل يأتي منسجماً مع توجه استراتيجي عند الرئيس أبو مازن بتجاوز مرحلة التحرر الوطني التي عنوانها منظمة التحرير إلى مرحلة بناء الدولة.
لو أن هذا المرسوم صدر بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وبعد عودة اللاجئين الى ديارهم أو التوصل لحل عادل لقضيتهم لكان الأمر مفهوماً ومنطقياً لأنه لا حاجة لحركة تحرر بعد الاستقلال، وهذا ما جرى في الجزائر وفي فيتنام ومع كل حركات التحرر حيث تم حلها وإدماجها ضمن الجيش الوطني ومؤسسات الدولة المستقلة، ولكن في الحالة الفلسطينية فإسرائيل ما زالت تحتل كل فلسطين، ليس فقط الاحتلال بل والاستيطان الأخطر من الاحتلال ولا تعترف بأي حقوق سياسية للفلسطينيين على أرضهم وعملية التسوية السياسية متوقفة، في هذه الحالة فإن تجاوز منظمة التحرير كحركة تحرر وطني، أو هكذا كانت ويجب أن تعود، يعتبر مغامرة بل خدمة كبيرة للعدو دون أي مقابل .
قد يقول قائل إن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت بفلسطين دولة مراقب والقيادة قررت اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال وعليه يجب تركيز الجهود على بناء الدولة وليس الجري وراء سراب ووهم إعادة بناء وتفعيل المنظمة وخصوصاً أن القوى الأخرى خارج المنظمة ،وبالأخص حركة حماس، غير جادة في أن تكون جزءاً من منظمة التحرير كمشروع تحرر وطني لأن لها مشروعها الخاص البديل، وفي اعتقادنا أن هذا القول لا يصمد أمام التحليل المنطقي والواقعي ولا يبرر التخلي عن المنظمة أو تهميشها أو إلحاقها بالدولة كما يقول المرسوم محل الخلاف، للأسباب التالية:
1- إن كل فلسطين ما زالت خاضعة للاحتلال ومواجهة الاحتلال تحتاج لجبهة وطنية لمقاومته ومنظمة التحرير هي الجبهة الوطنية المتاحة الآن، والمطلوب تطويرها وليس القضاء عليها أو تجاوزها.
2- منظمة التحرير ليست مِلكاً لحزب بعينه بل هي لكل الشعب ولا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها أو تغيير وظيفتها وأهدافها الاستراتيجية إلا بقرار من المجلس الوطني أو من الشعب من خلال استفتاء.
3- الدولة الفلسطينية ما زالت حلم وأمل عند الشعب وقرار في أدراج الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى التوجه للانتقال لدولة تحت الاحتلال يطرح سؤالاً : في حالة اعتراف العالم رسمياً بهذه الدولة كيف سيتم إنهاء الاحتلال عنها ؟ .
4- المنظمة تمثل كل الشعب الفلسطيني ومرجعيتها الشعب وتخضع لإرادته أما الدولة فتمثل فلسطينيي الضفة وغزة وما زالت مشروع سياسي يخضع للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وقرارات دولية غير ملزمة، فمثلا قرار تقسيم فلسطين 181 وقرار عودة اللاجئين 194 لم ينفذا بالرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على صدورهما، وللتذكير فقد تم الغاء قرار الجمعية العامة باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والذي صدر عام 1975 وتم إلغاؤه عام 1992.
5- عندما تصبح الدولة على حدود 1967 سقف المطالب الفلسطينية الرسمية فعند الجلوس على طاولة المفاوضات لا ينال كل طرف سقف مطالبه بل يضطر للتنازل، وقد تم التنازل عن 78% من أرض فلسطين حتى يتم قبول المنظمة في مؤتمر مدريد 1991 وفي مفاوضات أوسلو، ولا يوجد مجال لمزيد من التنازلات .
6- مع أن القيادة الفلسطينية حسمت أمرها استراتيجيا بخيار السلطة والدولة إلا أنه من المفيد أن تحافظ على منظمة التحرير كخط رجعة إن فشلت جهودها الدبلوماسية لإنجاز الدولة.
7- الدولة غير القائمة بالفعل لا تَصلُح لأن تكون ممثلا شرعيا ووحيدا لكل الشعب الفلسطيني.
وأخيراً، فإن أطراف فلسطينية تستكمل مخطط تصفية المنظمة والقضاء عليها وهو المخطط الذي عملت عليه إسرائيل والولايات المتحدة طوال عقود، ونقول ونعترف بكل أسف إن إنهاء المنظمة يتم اليوم بأيادي فلسطينية. ما ورد أعلاه ليس اتهام لأحد بل هي وقائع وحقائق كل الأحزاب تعرفها ولكنهم يتجاهلونها عمداً، يذرفون دموع التماسيح على المنظمة التي تواطأوا عليها ونحروها بسيوف مصالحهم وصراعاتهم الداخلية و أجندتهم غير الوطنية .