-
℃ 11 تركيا
-
2 أبريل 2025
هاني الكنيسي يكتب: رحلة في عقل المخبول
هاني الكنيسي يكتب: رحلة في عقل المخبول
-
1 أبريل 2025, 1:45:08 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وبعد شهرين فقط من عودته للبيت الأبيض، يتحدث دونالد ترمب عن إمكان ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، قائلاً في مقابلة هاتفية مع شبكة "إن بي سي NBC": “أنا لا أمزح .. لا أمزح. هناك طرق للقيام بذلك".
لم يشرح الرئيس الأمريكي كيف سيطوّع دستور بلاده الذي لا تسمح مادته رقم 22 بأكثر من فترتين رئاسيتيْن (متعاقبتين أو منفصلتيْن)، لكن العديد من المعلّقين توقّع أنه "يعني ما يقول" وأن تصريحه المتكرر عن قترة ثالثة "يجب أن يؤخذ بمنتهى الجدية".
وبغض النظر عما إذا كان العالم سيتحمّل ترمب -بكل علامات جنونه- لنهاية فترته الرئاسية الثانية، وعما إذا كانت الولايات المتحدة ستظل متحدة إلى حين ترشحه لفترة ثالثة، فقد يكون من المفيد محاولة سبر أغوار شخصية الملياردير الجامح وفهم عقليته.
تصريحات ترمب التي تبدو "مستفزة" داخلياً عن كسر المنظومة الأمريكية (سياسيا وقانونيا وتعليميا واقتصاديا واجتماعيا)، و"مخيفة" خارجياً بخططه في غزة وكندا وغرينلاند وبنما، وكذلك الإفصاح عن أطماعه "علنا" في ثروات المعادن الثمينة في أوكرانيا وروسيا.. كل ذلك لا يمكن اعتباره مجرد "ترهات" أو طلقات في الهواء من مغامر يعتلي سدة الحكم في قوة العالم العظمى. بل يتفق كُثُر أنها تتسق إلى أقصى الحدود مع جوهر شخصيته المركّبة ومع أجندة مصالحه الحقيقية.
وفي هذا الصدد، سأكتفي بعرض نموذجين لتحليل خبايا هذه الشخصية المريبة، أحدهما من واقع خبرة عملية ومعرفة شخصية، وثانيهما من زاوية دراسة علمية ونفسية متخصصة، ثم سأختم بخلاصة "كاشفة" من واقع رأي إحدى الموظفات التي اقتربت منه في معترك جياته العملية:
أولا: رجل الأعمال المخادع وتكنيك "الهبل على الشيطنة"
في سلسلة تغريدات على منصة 'ثريد'، كتبت 'إيلين وركمان' Eilene Workman التي عملت مساعدة سابقة لدونالد ترمب "أعرف شيئًا صغيرًا لا يقدّره الكثيرون عن دونالد، لكننا نحن الذين عملنا معه في مجال الخدمات المالية نعرفه منذ وقت طويل قبل أن يخوض غمار السياسة. نادرًا ما تكشف تصريحاته المعلنة عن أجندته الحقيقية، فبراعته في الاستعراض وجاذبية أسلوبه تُذهل الجاهلين، وهذا بالضبط ما يريده هو. لم يوقع عقدًا أو يبرم اتفاقًا إلا وانتهكه، أو تملص منه، إذا كان ذلك يخدم أجندته الخفية. ولم يقابل مستثمرًا إلا ورأى أن محفظته (ما في جيبه) ملكٌ له بطريقة ما. ولم يقابل إنسانًا إلا وكان مستعدًا لخداعه إذا كان في ذلك فائدة له وإرضاءً لنزقه".
"إذا أردت أن تفهم خلافه مع بنما، فلا تنظر إلى القناة التي يكرر الحديث عنها، وإنما انظر إلى "مجموعة شركات ترمب" وعلاقاتها المالية والإجرامية المتشابكة مع بنما، وراقب الأوليغارشية الروسية (أي طبقة رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين جمعوا ثرواتهم نتيجة الخصخصة في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينيات) التي اشترت شققًا باهظة الثمن ببرجه الفاخر في بنما.
وإذا أردت أن تفهم هوسه بغزة، فلا تنظر إلى الفلسطينيين أو الإسرائيليين؛ بل التفت إلى القيمة العقارية التي يراها في تلك البقعة والتي يرغب في استغلالها. إذا أردت أن تفهم كراهيته الجنونية لطواحين الهواء، فلا تنخدع بنظرياته عن الطاقة النظيفة؛ بل انظر إلى خلافه مع اسكتلندا بشأن ملعب الجولف الخاص به، وتوربينات الرياح القريبة التي أفسدت - في نظره - جماليات المكان".
"إذا أردت أن تفهم كراهية ترمب غير المنطقية لأوباما، فلا تبحث عن الأسباب في سياسات إدارته؛ بل انظر إلى حفل جمعية المراسلين السنوي بواشنطن حين سخر أوباما منه وجرح كبرياءه. وإذا أردت أن تفهم تشويهه الممنهج للديمقراطيين، فلا تراجع سياساتهم الاجتماعية، بل تذكّر أنهم رفضوا ترشحه تحت راية حزبه. وإذا أردت أن تفهم كراهيته لـ"المهاجرين"، فلا تنظر إلى التحديات المرتبطة بالهجرة؛ بل انظر إلى رهابه من الجراثيم واشمئزازه الشخصي من كل ما هو 'قذر وبني'. إن ما يفعله ترمب ببراعة - كما يفعل العديد من المضطربين اجتماعيًا - هو توخي كل ما يوافق أجندته الشخصية، ولو مؤقتًا، مع استغلال دوافع أولئك الذين يمكنهم بعد ذلك مساعدته في تنفيذها".
" لقد وقع الحزب الجمهوري ضحيةً لعقلية ترمب وعُقده، فأصبح الآن أشبه بزوجة يسيء زوجها معاملتها maltratada وتتمنى في أعماقها التخلص منه، لكنها تدرك أن أمانها المالي وراحتها الشخصية ومكانتها الاجتماعية قد تنهار إذا فعلت ذلك. كما أنها تخشى ألا تحصل على تعاطف ومساندة الذين حذروها سابقاً من الزواج بهذا الرجل 'الكذوب، الغشاش، السارق، السادي... إلى آخر ما يتسم به من صفات سيئة'. إن العديد من السياسيين الجمهوريين منشغلون اليوم بإخفاء إساءات ترمب عن العامة؛ لكن في مرحلة ما، وعندما سيشهدون تهاوي سلطتهم وتدمير سمعتهم وتحمّل اللوم على أفعاله ... سيقع الانفجار. لا أعرف طبيعته، لكن كل خلية في جسدي تشعر بتجمع نُذُر طاقة هائلة نحو انفجار ضخم - قريبًا جدًا".
ثانياً: "سيكوباتية" الشخصية و"نرجسية" الهوى والسلوك
في مقال طويل أشبه بدراسة أكاديمية نشرته مجلة 'ذا أتلانتيك' عام 2016، حاول أستاذ علم النفس الأمريكي 'دان ب. ماك آدامز' McAdams رسم صورة نفسية لدونالد ترمب وتحليل جوانب شخصيته -قبيل فوزه بالرئاسة في فترته الأولى- تحت عنوان "النرجسية، التنفير، جنون العظمة.. كيف ستشكّل شخصية ترمب الاستثنائية ملامح رئاسته". وفي مقدمة المقال، يقول الكاتب "لا شك أن شخصية ترامب متطرفة بأي معيار، ونادرة بشكل خاص بالنسبة لمرشح رئاسي. فالأشخاص الذين يصادفون الرجل -في المفاوضات أو في المقابلات أو على منصة المناظرة- يجدونه محيّرًا. وسأسعى في هذه الدراسة إلى الغوص في السمات الرئيسية والأنماط المعرفية والدوافع والتصورات الذاتية التي تشكل مجتمعة تكوينه النفسي الفريد".
وفي المتن، يتناول البروفيسور 'ماك آدمز' أمثلةً متنوعة من أساليب "ملك العقارات" في عقد بعض الصفقات (أبرزها في عام 2006، عندما خطط ترمب لتحويل الكثبان والمروج قرب أبردين في اسكتلندا إلى منتجع غولف فاخر، وكيف تفاوض مع مالك المنطقة ' توم غريفين' بطريقة استعراضية أشبه ببطل مسرحية رافضا التنازل عن أدق التفاصيل)، قبل أن يشبهه بالرئيس الأمريكي الأسبق 'رونالد ريغان' من حيث أنه "يتصرف وكأنه يمثّل طول الوقت .. يتحرك في الحياة كرجل يشعر أنه مراقب دائمًا".
ثم يستعرض الكاتب أبرز المعايير التي استقر عليها علماء النفس لتصنيف شخصيات البشر، وفق نموذج يُعرف باسم "السمات الخمس الكبار":
- * الانبساط: المرح، الهيمنة الاجتماعية، الحماس، السلوك الساعي إلى المكافأة.
* العصابية: القلق، عدم الاستقرار العاطفي، الميول الاكتئابية، المشاعر السلبية.
* الضمير الحي: الاجتهاد، الانضباط، الالتزام بالقواعد، التنظيم.
* القَبول: الدفء، الاهتمام بالآخرين، الإيثار، التعاطف، التواضع.
* الانفتاح: الفضول، اللاتقليدية، الخيال، القابلية للأفكار الجديدة.
ويوضح 'ماك آدمز' أن معظم الناس يصنفون بالقرب من المنتصف في أي من المعايير أو السمات العامة السابقة. ويشير إلى أن عالميْ النفس 'ستيفن ج. روبنزير' و'توماس آر. فاشينغباور'، بالاشتراك مع حوالي 120 مؤرخًا وخبيراً، طبّقوا ذلك النموذج الخماسي في تقييم الرؤساء الأمريكيين السابقين، بدايةً من جورج واشنطن.
فظهر 'جورج دبليو بوش' مرتفع التقييم في سمة الانبساط ومنخفضا في سمة الانفتاح على التجربة، بينما بدا 'باراك أوباما' انطوائيًا بالنسبة لسياسي، ومنخفض التقييم جدا في معيار العصابية (توصيفه العام: هادئ عاطفيًا وغير متحيز).
"أما دونالد ترمب فتظهر لديه سمات استثنائية: انبساط مرتفع للغاية مع سمات قبول منخفض أكثر مما ينبغي. يبدو مُعامل القبول (الدفء والتعاطف والتواضع.. إلخ) لدى ترمب أكثر تطرفًا من مستوى انبساطه (المرح والحماس)، ولكن في الاتجاه العكسي. ترمب يحب عائلته، ويقال إنه سخي؛ (يستشهد بقصته مع صبي كان مصابا بالسرطان، وبدلا من أن يقول له ترمب في برنامجه The Apprentice عبارته الشهيرة 'أنت مطرود'، كتب للصبي شيكًا بعدة آلاف من الدولارات).
ثم يستطرد الكاتب "إن السمعة الاجتماعية التي اكتسبها ترمب كشخص غير مقبول بشكل ملحوظ - بناءً على تعاملاته- تتسق مع تسجيله سمات أقرب لقسوة الطباع والوقاحة والغطرسة. لقد كانت طموحات ترمب الاجتماعية وميوله العدوانية واضحة في وقت مبكر جدًا من حياته (لَكَم مدرس الموسيقى في الصف الثاني وتسبب في إصابة عينه)".
ويختم أستاذ علم النفس الأمريكي تحليله المطوّل لشخصية ترمب، مستشهدا باقتباس "كاشف" من 'باربرا ريس' التي تولت في أوائل الثمانينيات منصب نائب المسؤول التنفيذي عن بناء 'برج ترمب' Trump Tower الأشهر في مانهاتن بنيويورك “أصدق لحظات ترمب ترتبط بعامل الغضب. فكلما تملّكه شعور الغضب، كان صادقاً وحقيقيًا جدا. إنه لا يتظاهر أبدا بالغضب".
الخلاصة إذن: إن أردت أن ترى ترمب على حقيقته فما عليك إلا أن تْغضبه بشدة - كما فعل زيلنسكي الأحمق.. لكن عليك أن تكون مستعدا للعواقب.










