-
℃ 11 تركيا
-
31 مارس 2025
أحمد عبد الرحمن يكتب: حماس وخيار التخلّي عن الحكم في قطاع غزة!
أحمد عبد الرحمن يكتب: حماس وخيار التخلّي عن الحكم في قطاع غزة!
-
28 مارس 2025, 3:40:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تبدو حركة المقاومة الإسلامية، حماس، خلال فترة العام ونصف الماضية، في موقف لا تُحسَد عليه، إذ انها تتعرّض منذ ذلك الحين، ومعها كل سكّان قطاع غزة وفصائل المقاومة فيه، لحرب قاسية، أدّت إلى سقوط أكثر من خمسين ألف شهيد، وإلى إصابة أكثر من مئة ألف آخرين، وإلى دمار هائل في البنى التحتية والمناطق العمرانية، بحيث تصف المؤسسات الدولية والإغاثية حجم الدمار والخراب بأنهما غير مسبوقين، وتسبّبا بإعادة القطاع الصغير والمحاصَر ثلاثين عاماً إلى الوراء، في أقل تقدير.
بغضّ النظر عن الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء اندلاع هذه الحرب المجنونة والمدمّرة، والتي يعتقد البعض أنها جاءت رداً على هجوم "طوفان الأقصى"، صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023، بينما يرى البعض الآخر، استناداً إلى تلميحات وتسريبات إسرائيلية، أنها كانت ستندلع حتى في حال لم يحدث هجوم الطوفان، وأن "الدولة" العبرية كانت تُعِدّ نفسها للقيام بهجوم كاسح وواسع على فصائل المقاومة في القطاع، للتخلّص مما تعتقد أنه خطر مُحدق بأمنها القومي وجبهتها الداخلية...
بغضّ النظر عن كل ذلك، فإن التداعيات الناتجة من هذه الحرب فرضت على الفلسطينيين بصورة خاصة، وعلى المنطقة بصورة عامّة، مستجدّات غاية في التعقيد، وتطوّرات أقل ما يُقال عنها أنها ذات أهمية استثنائية، يمكن أن ينتج منها، في المستقبل القريب أو المتوسط، تغيّرات جيوسياسية، قد تؤدي، في بعض تفاصيلها، إلى ظهور وقائع ديمغرافية جديدة على الأرض، ولاسيّما فيما يخص الكتلة السكّانية القاطنة في أراضي القطاع، والتي تُدبَّر لها في العلن والخفاء مشاريع ومؤامرات غاية في الخطورة.
وعلى الرغم من كل الجهود العربية والدولية الخجولة والمحتشمة لتخفيض حجم التكلفة، التي يدفعها الفلسطينيون من دمائهم وبيوتهم وقُوت أطفالهم، والتي تصطدم بموقف إسرائيلي متعنّت، وآخر أميركي منحاز، فإن جزءاً كبيراً ومهماً من الحلول لهذه الأزمة طويلة المدى يقع على عاتق الفلسطينيين أنفسهم، وفي المقدّمة منهم حركة حماس، التي يحمّلها البعض مسؤولية وصول الأمور إلى هذا الحد، ويطالبونها بتقديم تنازلات في بعض الملفات العالقة، حقناً للدماء، ودرءاً للعدوان.
وفي حقيقة الأمر، وبعيداً عما يُقال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشهد نقاشات حامية الوطيس بين مؤيدي حماس ومعارضيها، أو في صفحات المناوئين لها، والذين يرفعون سقف التنازلات الواجب على حماس تقديمها، وبينها، بحسب البعض، ومنهم فلسطينيون، الخروج من المشهد السياسي الفلسطيني، بصورة كاملة، وتسليم الأسرى الإسرائيليين بثمن بخس، إضافة إلى قبول شروط إسرائيل المجحفة والمتعلّقة بتسليم السلاح، وخروج القادة من أراضي القطاع إلى بلد آخر، في استنساخ لتجربة منظمة التحرير الفلسطينية بعد الغزو الإسرائيلي على لبنان في عام 1982... بعيداً عن كل ذلك يبدو أن أمام حماس بعض الخيارات، التي يمكن أن تلجأ إليها، وتساعد من خلالها على تحقيق اختراق ما بخصوص وقف العدوان، سواء بصورة كاملة، أو من خلال هدنة موقّتة، كما جرى قبل شهرين.
من أهم هذه الخيارات، كما يعتقد كثيرون، تخلّي حماس عن كل أشكال الحكم في قطاع غزة، ورمي الكرة في ملعب الدول العربية والإسلامية، التي ما زالت تتشكّك، كما هي حال السلطة في رام الله، في مواقف حماس المعلنة بشأن هذا الأمر، إذ إن إعلانات حماس المتكرّرة بشأن عدم نيّتها مواصلة إدارة شؤون القطاع، وقبولها أي لجنة تُشكَّل من كفاءات فلسطينية تقود المرحلة المقبلة، لم تحظَ حتى الآن بالثقة الكاملة من عدد من الأطراف. وما زال كثيرون ينظرون إليها على أنها مواقف تكتيكية موقّتة يمكن أن تذهب أدراج الرياح حينما تتوقف الحرب، وينتهي العدوان.
ومع أن شكوكاً كثيرة لا تبدو في غير مكانها، وبعضها يعتمد على معلومات مضلّلة ينشرها الإسرائيلي والأميركي، والبعض الآخر نابع من عداوة سياسية مستفحلة، كما هي حال سلطة رام الله، التي رفضت لجنة الإسناد المجتمعي التي طرحتها مصر، إلا أنه مطلوب من حماس أن تقوم ببعض الخطوات العملية للتدليل على صدق نياتها، ولتفنيد كل الادعاءات التي تراها باطلة، ولا تمتّ إلى حقيقة موقفها بصلة.
مأمول من حماس، من أجل أن تقطع الطريق على كل المتربّصين، أن تُعلن، في بيان رسمي، تخلّيها صراحة عن إدارة قطاع غزة وحكمه، وأن تطلب صدور تكليف رسمي، سواء من رئيس السلطة، أو من جامعة الدول العربية، في حال رفضه ذلك، باستلام اللجنة مقاليد الأمور في كل أرجاء القطاع فوراً، وتوفير كل أسباب النجاح لها، وعدم عرقلة عملها، في أي شكل من الأشكال.
هذا القرار، الذي يجب أن يأخذ في الاعتبار عدم إقصاء الموظفين الذين تم تعيينهم في فترة حكم حماس، أو المقرّبين إليها، والذين يتمتّع الكثيرون منهم بقدرات وإمكانات عالية، يمكن أن يحرم العدو الصهيوني من أحد أهم أوراقه، التي يستخدمها، لتبرير عدوانه وإجرامه، والذي يستهدف في الأساس السكّان المدنيين العزّل.
أول المستفيدين من هذا القرار سيكون حماس نفسها، إذ إنها ستُلقي عن كاهلها عبئاً ثقيلاً كبّل حركتها في كثير من الأوقات، وجعلها عُرضة للابتزازات والمساومات في أوقات أخرى، وجعلها رهينة، طوال الفترة التي تلت الانقسام في عام 2007، لضغوطات دول عربية وإقليمية، وخصوصاً فيما يتعلّق بمسألة تأمين رواتب الموظفين، والإنفاق على المؤسسات الخدمية، متمثلةً بكل أنواعها، والتي تُعَدّ حاجة ملحّة لسكّان القطاع، الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر، ويعتمدون، في تلقّيهم العلاج والتعليم والإغاثة، على المؤسسات العامة والمؤسسات الإنسانية.
أحد أشكال الاستفادة الأخرى، التي يمكن أن تجنيها حركة حماس، هو تفرّغها لمقاومة الاحتلال، وتجيير كل إمكاناتها البشرية والمادية نحو تعزيز هذا الخيار فقط، من دون الانشغال بمسألة الحكم، التي تحتاج إلى جهد كبير واستثنائي، وخصوصاً في ظل الأوضاع التي يعيشها قطاع غزة، وهي، أي حماس، ستكون ضربت عصفورين بحجر واحد: الأول عصفور الانتقاد الداخلي، الذي يلاحقها منذ استلامها الحكم منفردةً، قبل ثمانية عشر عاماً تقريباً، والذي سبّب لها مشاكل كثيرة، حتى مع حلفائها في المقاومة. والثاني عصفور تشتّت قدراتها وإمكاناتها بين مقاومة قادرة على إفشال مخططات الاحتلال والتصدّي لها، وبين بناء أجهزة أمنية وحكومية مَنوط بها رعاية أوضاع المواطنين والاهتمام بشؤونهم.
منذ اتخاذ حماس قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006، وفوزها الكاسح بمعظم مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وتشكيلها لاحقاً الحكومة الفلسطينية العاشرة، عدّ البعض أن هذا القرار سيشكّل منعرَجاً خطيراً في مسيرة حماس التاريخية، والتي اعتمدت فيها على خيار المقاومة لاسترداد الحقوق، وطرد الاحتلال، وأن أي تراجع عن هذا الخط، أو الجنوح إلى خيارات أخرى إلى جانبه، ولاسيّما في ظل وجود الاحتلال، لن يصب في مصلحة حماس، او مصلحة الشعب الفلسطيني.
في تلك الفترة، رأى الكثيرون أن تجربة حماس في المزاوجة بين الحكم والمقاومة لن تنجح، وأن هذا الاجتهاد لن يجد من يستقبله، سواء في المنطقة أو العالم، بصدر رحب، وأن المرحلة، التي يعيشها الشعب الفلسطيني، هي مرحلة تحرر وطني وليس بناء دولة، وأن الأولوية المطلقة يجب أن تكون لمواجهة خطر الاحتلال، والعمل على التصدّي لمخطّطاته ومؤامراته، وأن كل المؤسسات، التي سيتم إنشاؤها تحت عنوان إقامة الدولة، سيتم تدميرها مع أول مواجهة حقيقية مع الاحتلال. وهذا ما حدث سابقاً، ويحدث الآن على نحو لا يمكن لعاقل أن يُنكره.
نحن نعتقد، من موقف المحبّ والناصح، أن تخلّي حماس عن حكم القطاع، في هذه الفترة الحرجة، مع تمسّكها بحقّها في المقاومة ضد الاحتلال، في كل الجغرافيا الفلسطينية، والعودة إلى مرحلة ما قبل الوصول إلى الحكم، أي إلى تلك الفترة التي بنت فيها الحركة قوتها الحقيقية وشعبيتها الجارفة، والتي وضعتها في مصاف كبرى حركات المقاومة في المنطقة، سيعود بفوائد كثيرة على الحركة وعموم الشعب الفلسطيني، ويمكن ان يُشكّل مدخلاً لوقف العدوان، ونزعاً للذرائع من يد الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الموقف لا يعني، في أي حال من الأحوال، أنه ممنوع على حماس المشاركة في الحياة السياسية الفلسطينية لاحقاً، فهذا يُعَدّ حقاً أصيلاً لها كما هو لكل الفلسطينيين، ولا يعني تحميلها مسؤولية ما يحدث من عدوان وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، إذ إن هذا العدوان تقع مسؤوليته الكاملة على عاتق العدو الصهيوني المجرم، ومن خلفه الإدارة الأميركية الحالية والسابقة، مضافاً إليهما عجز العرب والمسلمين، قريبهم وبعيدهم، وإنما هو محاولة لسحب بعض ذرائع العدو، وتفنيد جزء من مبرراته، ومساهمة حقيقية في توحيد صفوف الشعب الفلسطيني، الذي عانى انقساماً، أفقياً وعمودياً، خلال الأعوام الماضية.
لا شك لديّ في أن قيادة حركة حماس لن تفوّت أي فرصة لوقف حمّام الدم النازف في غزة، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الحركة، إذ إن الأهداف الكبيرة تحتاج إلى تضحيات كبيرة، وهذا الأمر يمكن أن نلمسه في كثير من محطات الحركة السابقة، وهذا ما نتوقّعه أيضاً، خلال المرحلة المقبلة، حتى لو لم يؤدِّ ذلك إلى وقف المجزرة كما يتوقّع البعض، ويمكن أن يدفع العدو إلى رفع سقف شروطه، إلا أنه، في أقل تقدير، سيساهم في نضوج موقف فلسطيني قد يبدو موحَّدا، وموقف عربي وعالمي قد يؤدي في مرحلة مقبلة إلى فكفكة خيوط الأزمة، والذهاب نحو مرحلة يُعاد فيها ترتيب كثير من الأمور، التي انفلت عِقالها بفعل العدوان، وفي المقدّمة منها استعادة المقاومة عافيتها، واستعادة الشعب المُحاصَر والمُنهَك جزءاً من حياته، التي تحوّلت إلى مأساة لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً.









