إبراهيم القاضي يكتب : أنا خطيبة محمد

profile
إبراهيم القاضي كاتب و روائي
  • clock 25 مايو 2021, 11:58:41 م
  • eye 938
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

  يعيش العالم اليوم أزمات تهدد الوجود الإنساني، وما يتبعها من قلق في تحديد المصير، وبخاصة بعد تفشي وباء covid19، ومصر ليست استثناءً عن العالم، بل أن أزماتها أكثر تعقيدًا، وخاصة بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على ثورة يناير 2011 المجيدة ، وما اعتراها من عراقيل، تعثرت بسببها أحلام المصريين..


 يعاني المصريون من أزمة عدم اليقين، والنظر بعين الشك للمستقبل، وما أقسى أن يكون الشعور الجمعي لديهم، بأن ثمة خطرًا داهمًا على الأبواب، فالحالة الاقتصادية لا تسر صديق، والتضييق على الحريات الذي وإن كان له بعض مايبرره  بعد يونيه 2013 من حالة انفلات وسيولة، صارت خانقة ومحبطة للآمال وخاصة بعد زوال أسبابها، فالدولة اليوم عادت هيبتها.. ومن المعروف أنه عند غياب الحرية وانتشار اللا يقين، يتنشر النفاق وغيره من الأمراض الاجتماعية .. وكم أتمنى على الباحثين المتخصصين في الانثربيولوجيا في الجامعات المصرية، أن يبحثوا في هذه الظواهر التي تبدو واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي، على غرار ما فعله العالم الجليل المرحوم دكتور سيد عويس في كتابه "هتاف الصامتين"..

يرى كثير من الناس الحرية في جانبها السياسي فقط، ويطالبون بحقوقهم في تداول سلمي للسلطة، ومساءلة الأنظمة الحاكمة، عبر مجالس نيابية منتخبة، وفصل واضح بين السلطات، بينما هم يغلقون أعينهم ويصمون آذانهم عند مطالبة الأقليات بحقوقها، وتراهم على أقصى يمين السلطة، حين تطالب المرأة بحقوقها، بل ربما تراهم أكثر عنفًا ومزايدة في القول..

في كتابه "هتاف الصامتين" بحث الدكتور عويس خلف ما يكتبه المصريون فوق لوحات سياراتهم  من عبارات، كانوا يهتفون بها في صمت خوفًا من سلطة باطشة أو من حسد وغيره من مصادر الخوف المتعددة في حيواتنا، وفي اعتقادي أن المصريين قد وجدوا في وسائل التواصل متنفسًا، يعلنون فيه آرائهم إلى حد ما في السلطة الحاكمة، بيد أنه مازالت سلطة المجتمع أكثر بطشًا وفتكًا بالنسبة لهم، فتجد أسماء مستعارة على صفحاتهم، تخشى الذئاب المنفردة المنتشرة في الفضاء الأزرق، وتجار الفضيلة وحراس العيب والحرام..

 وطبيعي في هذا الجو المشحون بالقلق، وفي مثل هذه المجتمعات التي يراقب أفرادها بعضهم، ولا تشغلهم علاقتهم بالسماء، بقدر إنشغالهم بعلاقة الآخر بها، أن نرى حسابات على الفيس بوك مثل "نقابي حياتي" وغيرها، كأنها إعلان إلى من يهمه الآمر، لعله "خاطب" ينتشل صاحبة الحساب الغارقة في البحث عنه، والنظر بعين القلق للمستقبل، إذا لم يأت صاحب النصيب، أنها متدينة وتقدس الحياة الزوجية وتبحث عن عريس..

ومن الحسابات الأخرى "أنا زوجة محمد" و " أنا خطيبة محمد" و " أنا حبيبة محمد"، وفي رأيي الشخصي أنا عناوين كتلك تظهر حالة اللايقين التي يعيش فيها المصريون أيضا، فهؤلاء كأنهن يوجهن رسائل للغير الذي ربما منافس محتمل، أن " محمد" في قبضتهن، وبالتالي يجب الابتعاد عنه، وهؤلاء ينتابهن الشك في "محمد" نفسه، ويخشون أن يستيقظن يومًا  من دونه، فيضيع الاستقرار ويتهدد المستقبل، الذي يوفره لهن أمثال "محمد".. هذا ناهيك عن رسائل أخرى برع فيها المصريون منذ الآزل، مثل المكايدة والمعايرة فمثلًا لا تكتمل فرحة الأهلاوية بالانتصار ببطولة ما إلا بمكايدة أنصار الغريم التقليدي، وهكذا لا تكتمل فرحة امرأة إلا بمكايدة غريمة أخرى..

حين تضيق بالناس حيواتهم، ويسود الاستبداد، يبحثون عن وسائل أخرى للبقاء على قيد الحياة، تحت مبدأ الدفاع الذاتي، فيلجأوون للنفاق ليس لسطة حاكمة وحسب، بل للمجتمع الذي يعيشون فيه، ويبدون غير ما يبطنون، فمثلًا على صفحات الفيس بوك، ترى الجنة ونعيمها، وملائكة بأجنحة تسعى في دروب الفضاء الأزرق، تنشر الخير والحق والجمال على الخلق، بينما هم على الأرض، الله أعلم بالأحوال.. فقط الحرية هي من تعيد للناس إنسانيتهم.. في النور يرى الناس أنفسهم بوضوح، بعكس الظلام الذي يُعمي العيون..    

       

موضوعات قد تهمك:

بلينكن يبدأ أولى زياراته للقاهرة لتثبيت الهدنة في غزة

علي محمود : الوسيط والسلام الإسرائيلي

سيد صابر يكتب: شكرا قطر..شكرا ميكروفون الجزيرة


التعليقات (0)