- ℃ 11 تركيا
- 30 يناير 2025
إسلام الغمري يكتب: سوريا وتركيا: عمق استراتيجي ورابطة تاريخية نحو شراكة مستقبلية
إسلام الغمري يكتب: سوريا وتركيا: عمق استراتيجي ورابطة تاريخية نحو شراكة مستقبلية
- 28 يناير 2025, 5:31:54 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعتبر سوريا وتركيا دولتين تجمع بينهما روابط جغرافية وتاريخية ودينية تمتد لقرون طويلة، ما يجعل العلاقة بينهما تحمل أبعادًا أعمق من مجرد الجوار الجغرافي. ومع التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة في العقود الأخيرة، تعود هذه العلاقات إلى الواجهة باعتبارها نموذجًا يمكن أن يحقق مصالح استراتيجية لكلا الطرفين.
أهمية سوريا بالنسبة لتركيا
1. العمق الاستراتيجي والجغرافي:تمثل سوريا لتركيا عمقًا استراتيجيًا مهمًا، كونها البوابة الجنوبية لتركيا نحو العالم العربي. يشكل استقرار سوريا ركيزة أساسية لأمن تركيا القومي، لا سيما أن الحدود الممتدة بين البلدين تتجاوز 900 كيلومتر، ما يجعلها خطًا حيويًا للتبادل التجاري والأمني. أي خلل في استقرار سوريا يؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني والاقتصادي التركي.
2. الرابطة الإسلامية والتاريخية: تربط بين الشعبين التركي والسوري روابط تاريخية وثقافية ودينية عميقة. خلال الحقبة العثمانية، كانت سوريا جزءًا أساسيًا من الدولة العثمانية وشهدت تداخلًا في الهوية الثقافية والاجتماعية بين الشعبين. هذه الروابط تخلق أساسًا قويًا لأي تعاون مستقبلي يعزز القيم المشتركة ويخدم المصالح الإسلامية.
3. الأبعاد الاقتصادية:قبل اندلاع الثورة السورية في 2011، كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين مزدهرة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري أرقامًا قياسية. سوريا تعد معبرًا حيويًا لتركيا نحو الأسواق العربية، كما أن إعادة إعمار سوريا بعد الثورة تمثل فرصة لتركيا لتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
4. الأمن القومي ومكافحة الإرهاب:تعد الثورة السورية وما ترتب عليها مصدر قلق أمني كبير لتركيا، خاصة مع تزايد النفوذ الكردي في شمال سوريا. تسعى أنقرة إلى ضمان أن يكون الوضع في سوريا متماشيًا مع مصالحها الأمنية، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة التنظيمات الإرهابية ومنع إنشاء كيان انفصالي قد يهدد وحدة أراضيها.
نماذج للتعاون التركي-السوري
في الماضي: اتفاقية أضنة (1998): كانت هذه الاتفاقية نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، حيث تعهدت سوريا بعدم دعم التنظيمات المسلحة المعادية لتركيا.
توسيع التبادل التجاري: قبل الثورة السورية، شهدت العلاقات التجارية ازدهارًا، إذ ألغيت تأشيرات الدخول بين البلدين، وبلغ التبادل التجاري أكثر من ملياري دولار سنويًا.
في الحاضر:الإغاثة الإنسانية: على الرغم من التوتر السياسي، تستضيف تركيا أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري وتوفر لهم خدمات التعليم والصحة. كما تدير تركيا برامج إنسانية ضخمة في شمال سوريا بالتعاون مع منظمات دولية.
التعاون مع الإدارة السورية الجديدة: في ضوء انتصار الثورة السورية وتشكيل الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، شهدت العلاقات بين أنقرة ودمشق تعاونًا وثيقًا. هذه الإدارة الجديدة تعمل على تعزيز الاستقرار في سوريا وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع تركيا بما يخدم مصالح الشعبين.
في المستقبل: إعادة الإعمار: تركيا يمكن أن تكون شريكًا رئيسيًا في مشاريع إعادة إعمار المدن السورية، مثل حلب وإدلب، نظرًا لقربها الجغرافي وخبرتها في مجال البناء والبنية التحتية.
تعزيز التبادل التجاري: استئناف العلاقات التجارية عبر المعابر الحدودية مثل معبر “باب الهوى” قد ينعش الاقتصادين السوري والتركي.
حلول سياسية جديدة: التعاون بين تركيا والإدارة السورية الجديدة يمكن أن يفتح آفاقًا لحلول سياسية تخدم الاستقرار في المنطقة بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
ما الذي يمكن أن يجمع بين سوريا وتركيا مستقبلًا؟
1. التعاون في إعادة الإعمار: يمثل إعادة بناء سوريا فرصة ذهبية للتعاون بين الطرفين. تركيا تمتلك الخبرات والإمكانات الاقتصادية والبنية التحتية التي يمكن أن تسهم بشكل فعال في هذا المجال. هذا التعاون سيخلق فرص عمل واسعة للشعبين ويعيد الثقة بينهما.
2. التكامل الاقتصادي: يمكن أن يصبح التكامل الاقتصادي حجر الزاوية في العلاقة بين البلدين. إنشاء مشاريع مشتركة في مجالات النقل والطاقة والزراعة يمكن أن يعزز من مكانة المنطقة اقتصاديًا.
3. التنسيق الأمني:لن يتحقق الاستقرار في سوريا دون تنسيق أمني قوي مع تركيا. التعاون في مراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب يمكن أن يضمن الأمن لكلا الطرفين ويحول المنطقة إلى نموذج للسلام والاستقرار.
4. التقارب الثقافي والديني: تعزيز الروابط الثقافية والإسلامية يمكن أن يسهم في ترميم العلاقات الشعبية بين الشعبين. برامج التبادل الثقافي والتعليمي، بالإضافة إلى تعزيز السياحة الدينية، يمكن أن تلعب دورًا في ترسيخ هذه الروابط.
5. الدور الإقليمي المشترك: يمكن أن تتعاون سوريا وتركيا في قضايا إقليمية أوسع، مثل تعزيز وحدة العالم الإسلامي ودعم القضية الفلسطينية. هذا التعاون من شأنه أن يعيد صياغة التحالفات في المنطقة لصالح الشعوب.
خاتمة:لا يمكن تجاهل الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لتركيا، ولا يمكن إنكار عمق الروابط التاريخية والدينية التي تجمع بينهما. ورغم التحديات التي مرت بها العلاقة خلال السنوات الماضية، فإن التعاون الوثيق بين تركيا والإدارة السورية الجديدة يمكن أن يكون نقطة انطلاق لعلاقة نموذجية تحقق المصالح المشتركة وتعيد رسم مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمنطقة بأسرها.