إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: حرب الإبادة وخطاب الخنوع

profile
  • clock 31 ديسمبر 2024, 1:32:20 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في خضم المواجهة المستمرة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي واستعار حرب الإبادة ومضي حكومة "الحسم" الصهيونية بخطط التصفية، برز خطاب خطير وممنهج يسعى إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني، حيث يستند إلى سردية تحميل المقاومة مسؤولية الدمار والمعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون، متجاهلًا بذلك الفاعل الحقيقي وراء العدوان، وهو الاحتلال نفسه.
هذا الخطاب، الذي تتبناه بعض الأطراف المحلية والدولية، يحاول تجريم المقاومة وتصويرها على أنها السبب المباشر للكوارث الإنسانية، متغافلًا عن جرائم الاحتلال الممنهجة من القصف والتهجير والاستيطان، التي تُمارس بدعم عسكري وسياسي واقتصادي من القوى العالمية.
تلعب السلطة الفلسطينية دورًا محوريًا في ترويج هذا الخطاب، سواء في الخطاب الموجه للجمهور الفلسطيني في قطاع غزة، أو السلوك الذي يتعدى الخطاب في مناطق أخرى خاصة في الضفة الغربية، والذي يأتي في سياقه حملتها الأمنية ضد المقاومة في جنين وغيرها من المناطق، المترافقة مع نبرتها التحريضية ضد قوى المقاومة، محملةً إياها مسؤولية الدمار الذي يخلفه العدوان الإسرائيلي.
هذا النهج لا يقتصر على انتقاد المقاومة، بل يمتد إلى ترسيخ حالة من التدجين والخنوع، تُجرّم أي فعل مقاوم وتُسوّق لفكرة استحالة المواجهة، تحت ذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار. وهو خطاب يتعدى كونه مجرد موقف سياسي مؤقت، بل يُمثل مرحلة متقدمة من "كيّ الوعي"، تهدف إلى استدخال الهزيمة كحتمية أبدية في الذهنية الفلسطينية، وتجريم المقاومة التي تُشكل جزء من مشروع تحرري طويل الأمد.


إن هذه المحاولة لإعادة صياغة الوعي الجمعي الفلسطيني تُذكّر بخطابات استعمارية مشابهة، حيث كان المستعمر يلوم الضحية على القمع الذي تتعرض له، مدعيًا أنه اضطر لاتخاذ هذه الإجراءات بسبب "عناد" الشعوب. ولعل المثال الأكثر تطرفًا هو التصريحات الصهيونية التي حملت الفلسطينيين مسؤولية قتل أطفالهم، باعتبار أن مقاومة الاحتلال هي التي دفعتهم لذلك ويُصر البعض الفلسطيني على أن ينسجم مع هذه السردية ويقدم خطاب يُعززها عبر نهج يتجاوز الحاضر، ليعيد تفسير الماضي النضالي الفلسطيني ويُشكك في جدوى المقاومة، ويعمل على إحباط أي أمل في المستقبل.


خطاب السلطة الفلسطينية هذا تجاه المقاومة الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، يعكس توجهًا منهجيًا يهدف إلى تحميل المقاومة مسؤولية الدمار والمعاناة، متجاهلًا دور الاحتلال الإسرائيلي كفاعل رئيسي وراء الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وهو خطاب ليس نتاج مواقف فردية أو عفوية، بل تعبير عن سياسة مركزية تتبناها السلطة وتُعبّر عنها بشكل واضح من خلال بيانات رسمية وتصريحات قياداتها.
تجاوز هذا الخطاب البيانات الرسمية، بل امتد ليشمل تصريحات متزامنة لقيادات بارزة في السلطة الفلسطينية وحركة فتح. تبنى رواية الاحتلال حول استخدام المقاومة للمدنيين كـ"دروع بشرية". واعتبار أن المقاومة تتسبب بشكل مباشر في تفاقم الأزمات الإنسانية. إضافة لاتهام المقاومة بأنها تخدم أجندات خارجية وتضع الشعب الفلسطيني في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال دون مبرر.
في الضفة الغربية، يعكس سلوك السلطة على الأرض هذا الخطاب التحريضي بشكل عملي. خلال الحملة الأمنية التي شنتها السلطة على مدينة جنين، اتُهم المقاومون بأنهم "خارجون عن القانون" في محاولة لربطهم بأجندات خارجية تُضعف شرعيتهم الوطنية. لم تكتفِ السلطة بذلك، بل وجهت لهم اتهامات جنائية متفرقة، مثل السرقة والابتزاز، لتشويه صورة المقاومة في عيون الشارع الفلسطيني. هذه الحملة الأمنية لم تكن إلا امتدادًا لتوجه عام يهدف إلى تفكيك أي بنية مقاومة في الضفة الغربية وتعزيز سيطرة السلطة كبديل "شرعي ومسؤول".


إن هذا الخطاب التحريضي الممنهج يسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية واضحة: أولًا، تقويض شرعية المقاومة عبر تصويرها كعبء على المجتمع الفلسطيني وليس كأداة نضالية مشروعة. ثانيًا، تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية باعتبارها البديل "المسؤول" عن تحقيق حياة "آمنة" للسكان، حتى وإن كان ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ثالثًا، إضعاف الدعم الشعبي للمقاومة من خلال ربطها بالكوارث والمعاناة، وخلق وعي جديد يرى في المقاومة مشروعًا فوضويًا يُدمر ما تبقى من فرص الحياة الكريمة.


إن خطاب السلطة الفلسطينية في هذا السياق لا يقتصر على كونه محاولة لتبرير سياساتها، بل يمثل هجومًا على جوهر المشروع الوطني الفلسطيني. عبر تحميل المقاومة مسؤولية ما يحدث، بينما يتم تجاهل الاحتلال كعامل أساسي في الصراع، وتحويل الفلسطينيين أنفسهم إلى متهمين بتدمير قضيتهم. وهو نهج لا يُسهم فقط في تمزيق النسيج الوطني، بل يضعف قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال بوحدة موقف وإرادة، ويعمق حالة الانقسام وغياب المشروع الجامع، في الوقت الذي تسعى إسرائيل إلى استغلال هذا الوضع لصالح مشروعها الاستيطاني. 
متناسين فساد هذه السلطة التي تدعي تطبيق القانون و حماية الوطن و المواطن بينما يمارس قاده منها و من أجهزتها الأمنية دور البلطجية و المليشيات التي هي اصلا ضد القانون ، من خلال استغلال المناصب و أكل المال العام وحتى الخاص ، هذه الازدواجية في طرح السلطة الفلسطينية الذي يجب ألا ينسى أن القانون للجميع وليس هناك من هو فوق القانون بغض النظر عن مكانه أو منصبه.
وفي نفس الوقت لا تزال السلطة الفلسطينية تراهن على مشاريع التسوية و بعد أكثر من ثلاثين عاما من المفاوضات التي أثبتت فشلها و قد استغلها الإسرائيليين في فرض وقائع على الأرض وفي ظل حرب وجود تمارسها اسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده ليس من أجل الحلول والتسويات و إنما إجبار الشعب الفلسطيني على النزوح من أرضه و إما أن يواجه الإبادة و القتل فإسرائيل تريد كل شيء ولا تريد تقديم أي شيء.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)