- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: خذلان غزة بين الأشقاء والأخوة من أبناء الشعب الواحد
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: خذلان غزة بين الأشقاء والأخوة من أبناء الشعب الواحد
- 2 أبريل 2024, 4:12:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إذا كان خذلان أبناء العمومة والجيران مستساغًا رغم قبحه وانحداره ، فإنه بأي حال من الأحوال لم ولن يكون مقبولًا حين يكون من الأشقاء، شركاء الأرض الواحدة والدم والتاريخ والحاضر والمستقبل الواحد، حينها يكون الأمر قاسيًا و أكثر مرارة.
وفي الحلق غصه يقف سكان قطاع غزة في ساحة الوغى، يواجهون الاحتلال بصدور عارية وأيادي متماسكة وإيمان شديد، مستمسكين بالأرض ومدافعين عن العرض ومسلمين أمرهم لله، منتظرين كتابة السطر الأخير من حياتهم في أي وقت، والأفظع من ذلك أنهم يوجهونه وحيدين، بلا سند ولا ناصر.
هذا “الخذلان”، إن أردنا تسميته بذلك، يتماهى مع ما يريده المحتل من ترك القطاع فريسة سهلة للإجهاز عليه دون دعم أو مساندة حتى من أبناء الوطن وأصحاب القضية، دفع أهالي غزة، نسائهم وأطفالهم وشيوخهم، للاستغاثة بأشقائهم في البلدان العربية والإسلامية، ليكون الرد خذلانًا جديدًا، لكن إيلام خذلان الجيران أبدًا لن يكون كإيلام خذلان الأهل والأشقاء والأقارب.
أي مبرر هذا الذي يزج بالملايين من شتى المدن الفلسطينية بالضفة والداخل في حظائر الصمت والجمود بينما أشلاء أطفال إخوانهم ونسائهم تتناثر في الشوارع والطرقات؟ أي دافع وأي مبرر يمكن أن يجبرهم على عدم مواجهة المجازر الوحشية التي ترتكب بحق أشقائهم وأهليهم في القطاع؟ أي حسابات وأي اعتبارات يمكن أن توضع في كفة أمام كفة الإجرام والإبادة التي يتعرض لها أكثر من مليوني من الأشقاء والأخوة والأهل؟
بينما سلطة أوسلو التي طالما اعتادت الخذلان والانبطاح والرضوخ للإملاءات الإسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني، حتى باتت في واد وما يدور على أرض فلسطين في وادٍ آخر.
حيث تتعامل السلطة مع الحرب في غزة على أنها حرب مع حماس فقط ولا علاقة لذلك بالقضية الفلسطينية، ومن هنا تأتي المواقف متشابهة أو ربما متطابقة مع مواقف بعض البلدان الأجنبية، حيث المطالبة تصريحًا فقط بالتهدئة ووقف إطلاق النار، مع ترديد بين الفينة والأخرى في أثناء لقاء مسؤولي القوى الدولية أكذوبة أن الحركة لا تمثل الشعب الفلسطيني وأن سلطته هي السلطة الوحيدة في البلاد.
وتحاول سلطة أوسلو كعادتها توظيف أي أزمة أو كارثة يتعرض لها الفلسطينيون لحساب مصالح ومكاسب خاصة، غير مبال تمامًا بالدماء التي تراق والأشلاء التي تتناثر والأرواح التي تزهق ليل نهار.
وتحولت سلطة أوسلو من كيان سياسي يفترض أن يدافع عن القضية الفلسطينية ويحمي الشعب الفلسطيني من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، إلى قطاع أمني مهمته الاساسية أن يكون شرطيًا يحمي الضفة من أن تنفجر في وجه الإسرائيليين.
تلك المهمة الجديدة للسلطة التي أجادت أداءها بشكل كامل، كان لها تقديرها لدى الكيان المحتل، كما جاء على لسان وزير دفاع الكيان حين قال إن “نقل أموال عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية سيكون لصالح قوات السلطة التي تساعد في منع الإرهاب والأحداث الجماهيرية.
وبدلًا من توجيه السلطة سلاحها وقواتها لنصرة الفلسطينيين في غزة في مواجهة الاحتلال الغاشم، إذ بها تصوبه تجاه المتظاهرين الفلسطينيين في رام الله، المشاركين بين الحين والآخر في وقفات لدعم إخوانهم في القطاع، بل وتعتقل المئات منهم، وتمارس أقسى وأقصى معايير التضييق والتحذير ضدهم، وهو ما يطرب آذان ومسامع مجلس الحرب في تل أبيب.. لكن يبقى السؤال: هل هذا مبرر للفلسطينيين لخذلان إخوانهم في غزة؟
ليس على مستوى الحدث
لم تكن ردود الفعل في بقية المدن الفلسطينية تتناسب وحجم العدوان ومخاطره، فبينما كانت تذهب كل التوقعات نحو انتفاضة شاملة تزلزل أرجاء فلسطين وتصعد من وتيرتها بما يعدد جبهات المقاومة ويستنزف الموارد الإسرائيلية إذ بالأمور جاءت مخيبة للآمال.
عدد من التظاهرات المحدودة شهدتها الضفة ورام الله والقدس، لكنها أقل مما شهدته دول المنطقة في أحداث أقل أهمية من طوفان الأقصى ومن جحيم هذا العدوان على الغزيين، حتى إنها لا تبدو في بعض الأحيان كالتي تشهدها مدن أوروبا وبعض المدن العربية، بل ربما أقل منها من حيث قوة و عددا بينما يخرج الآلاف في اليمن و عمان لا ترى إلا بضع عشرات في رام الله .
تعامل سكان تلك المدن مع ما يحدث في غزة – بنسبة كبيرة – بنفس الطريقة التي تتعامل بها سلطة أوسلو، فما يحدث في القطاع شأن داخلي يخص سكانه فقط، وهم وحدهم المخولين بالدفاع عنه، أما بقية المدن فما عليها سوى الإدانة والشجب والاستنكار دون تقديم أي دعم من الممكن أن يؤثر في سير المعركة ويخفف الضغط على الغزاويين.
بينما الاحتلال يهاجم المدن و يقتل و يعتقل العشرات في الضفة منذ بدء طوفان الأقصى وهذا ثمن باهظ ثقيل في منطقة لا حرب فيها، لكنه المحتل ذاته الذي قتل من إخوانهم في الضواحي القريبة ، فالأمر بحاجة إلى مزيد من الانخراط في المشهد، فهم أصحاب القضية ونبت الأرض وملحها.
قد يتحجج البعض بأن السلطة الفلسطينية تمارس ضغوطًا وخناقًا مشددًا بحق الداعمين لغزة، محملينها مسؤولية تخاذلهم عن نصرة إخوانهم، لكنها التبريرات غير المقنعة، التي لا يمكنها أن تكون مسوغًا لتبرئة الساحة من الانبطاح والخذلان.
فما يتعرض له الفلسطينيون في غزة والمشاهد التي تتناقلها وسائل الإعلام، والتجييش العالمي لتلك المعركة الفاصلة، كافيًا لتحريك الحجر والشجر، وزلزلة كل الأراضي الفلسطينية عن بكرة أبيها لنصرة إخوانهم وإنقاذهم من حرب الإبادة التي تشن بحقهم، مهما كانت العقبات والتحديات والتضييقيات.
فلا بد أن يعلم كل فلسطيني في الضفة والقدس و حتى عرب 48، أن غزة والمقاومة تدافع عن القضية الفلسطينية برمتها، وأن الهم واحد لا يمكن تجزئته، وأن بقاء القضية مرهون ببقاء المقاومة، وفي حال سقوطها فإنه لن يكون للملف الفلسطيني أي وجود إقليمي ودولي، وستتحول كل الأراضي الفلسطينية إلى أسرى في قبضة الكيان المحتل وشرطي حراسته داخل الأراضي المحتلة.
وفي حين تخرج بعض الأصوات التي تدندن نغمة أن حماس وعملية “طوفان الأقصى” السبب فيما يتعرض له قطاع غزة من تدمير وإبادة ووحشية من قوات الاحتلال، وأنها لو لم تقم بذلك لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه، تلك النغمة التي يحاول عازفوها إيهام أنفسهم بأنهم في مأمن من تأنيب الضمير والمسؤولية الإنسانية والتاريخية والوطنية أمام بلدهم وقضيتهم.
ومنذ الحرب بدأت تلك النغمة في الانتشار بصورة كبيرة، لكنها كانت أكثر انتشارًا في صفوف المتصهينين العرب من أبناء اتفاقيات أبراهام، ممن حاولوا تمرير السرديات الإسرائيلية التي تحاول شيطنة المقاومة وتحميلها مسؤولية ما حدث، وأنها أداة لتنفيذ أجندات إقليمية خارجية، في محاولة لتجفيف منابع الدعم كافة، الرسمي والشعبي.
لكن الأمر قد يكون أكثر قبحًا حين يدندن بعض الفلسطينيين ذات النغمة التي يرددها من هم في سلطة أوسلو، ليس اليوم فقط، لكن منذ سنوات، حيث اتهام المقاومة بتأجيج المشهد، في محاولة لإبقاء الكل على حافة الانبطاح، تلك الحافة التي تجني منها السلطة الكثير من المكاسب من الكيان المحتل الذي يقدر الجهود السلطوية المبذولة لتجفيف منابع المقاومة ووأد أي حراك داخلي في الضفة وغيرها.
ويكفي قراءة المشهد في الضفة والقدس منذ سنوات لتفنيد تلك الرواية المضللة، حيث لا حماس هناك ولا طوفان أقصى، ومع ذلك يتعرض السكان لعشرات الانتهاكات ليل نهار، فتسلب أراضيهم من قوات الاحتلال وتمنح للمستوطنين و يعتدى عليهم، وتسرق أموالهم، ويعتقل أطفالهم، ويمنعون من دخول القدس سواء للصلاة أم لزيارة أقاربهم، ويخضعون للحصار و حواجز الذل لأيام طويلة، ويمارس ضدهم كل أنواع التنكيل في المعتقلات.
كل هذا الإجرام يمارس رغم عدم وجود أي شيء يذكر لحماس ولا الجهاد، ولا عمليات انتقامية، مما يؤكد أن كل التراب الفلسطيني هو الهدف وليس غزة، وكل المواطنين على قوائم الاستهداف وليس مقاتلو المقاومة، وهي الصورة التي يستميت الاحتلال لئلا تكتمل ملامحها لدى العقل الجمعي الفلسطيني، لتبقى سياسة “فرق تسد” هي الإستراتيجية الأكثر حضورًا لدى الاحتلال التي تؤهله لتنفيذ مخططاته التوسعية بشكل مريح.
إن كان “أهل مكة أدرى بشعابها” بحسب المثل الحجازي الشهير، فإن أهل فلسطين أولى بقضيتهم التي بات الدفاع عنها ، ليس على سكان القطاع فقط، لكن على كل فلسطيني يحيا فوق تراب الوطن.
وبعدما ثبت يقينًا وتكشفت ملامح المؤامرة نحو شرق أوسط جديد وفلسطين جديدة، وأن القضية والهدف لم تعد القضاء على المقاومة ، فإن كل تبريرات وحجج الأرض ولو اجتمعت لن تعفي أحدًا من المسؤولية تجاه وطنه وأرضه وعرضه، يتساوى هنا القاطن في غزة مع القاطن في رام الله والقدس و حيفا و الناصرة وبقية أنحاء فلسطين التاريخية ، الكل مسؤول والكل يجب أن يتحمل تلك المسؤولية، فإنقاذ غزة إنقاذ للقضية من التصفية ودعم المقاومة إبقاء لفلسطين على قيد الحياة قبل أن تتحول برمتها إلى مستعمرة إسرائيلية ، وحماية الشعب الفلسطيني من الابادة و التهجير فالحرب أصبحت مصيرية و اصبح الوجود الفلسطيني في ارض فلسطين ككل على المحك.