- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
إيران وتركيا ومستقبل جنوب القوقاز
منذ أواخر سبتمبر/أيلول 2021، عندما وصلت العلاقات بين إيران وأذربيجان إلى أدنى مستوياتها، دخلت طهران وباكو في رحلة من جهود خفض التصعيد.
وينصب جزء كبير من التركيز على توسيع التعاون الاقتصادي ودفع الخطط لإنشاء روابط نقل إقليمية، مثل ممر السكك الحديدية بين الشمال والجنوب الذي يربط الهند بروسيا عبر إيران وأذربيجان.
ويجب الترحيب بهذه الجهود وتشجيعها لأن تحسين الوضع الاقتصادي الجماعي لمنطقة جنوب القوقاز يعود بالفائدة على جميع دول المنطقة. ومع ذلك، لا تزال التوترات الجيوسياسية الكامنة عاملا وقد تعرقل محاولات التكامل الاقتصادي في أي لحظة.
وفي هذا السياق، فإن المنافسة الإيرانية التركية على النفوذ في جنوب القوقاز هي القضية الأكثر إلحاحا التي تحتاج إلى حسن الإدارة.
مخاوف إيران تجاه تركيا
ومن وجهة نظر طهران، فإن انتصار أذربيجان في حرب عام 2020 ضد أرمينيا لم يكن ليتحقق لولا الدعم التركي والإسرائيلي وعجز روسيا عن منع هزيمة أرمينيا.
وفي هذه القراءة الإيرانية، تشجعت باكو بهذا الدعم ورأت أن "استراتيجيتها العسكرية الدبلوماسية مبررة". ويشمل ذلك قرارها اختيار تركيا وإسرائيل كشريكين خارجيين أساسيين لها.
ومن وجهة نظر طهران، فإن هذا الإحساس في باكو بإثبات صحة اختياراتها يمثل تحديا خاصا لإيران. فإسرائيل، بعد كل شيء، أكبر خصم إقليمي لإيران. ومنذ منتصف التسعينيات، كان على الإيرانيين الانخراط في عملية توازن دقيقة حتى لا يسمحوا للتعاون العسكري الأمني الوثيق بين باكو وتل أبيب أن يفسد حفاظ طهران على علاقات ودية مع أذربيجان.
ومع ذلك، فإن المخاوف الإيرانية بشأن الخطط التركية لتوسيع نفوذها في أذربيجان وجنوب القوقاز الأوسع قد تثير توترات جديدة وتؤدي إلى فصل جديد في تاريخ المنطقة.
باختصار، تخشى طهران من أن استراتيجية أنقرة لتوطيد العلاقات مع باكو هي سياسة تعتمد بشكل كبير على رسالة قومية تركية تهدف إلى الاستفادة من اللغة والتاريخ والثقافة المشتركة مع المتحدثين بالتركية الذين يعيشون عبر منطقة شاسعة من تركيا عبر شمال إيران إلى القوقاز وآسيا الوسطى وعلى طول الطريق إلى الصين.
ويعد أكثر ما يقلق الإيرانيين هي النزعة القومية التركية. وفي الوقت نفسه، فإن روسيا، التي لديها أقليات تركية خاصة بها وتشارك إيران مخاوفها بشأن القومية التركية، لديها يد ضعيفة في المنطقة بسبب غزوها لأوكرانيا والتداعيات السلبية لذلك على قدرة موسكو على الاستمرار في لعب دورها التاريخي كوسيط قوي في جنوب القوقاز.
ولا توجد بيانات رسمية، ولكن نحو 20% من سكان إيران، البالغ عددهم 85 مليون نسمة، هم من أصل أذربيجاني. وهذا مجتمع مندمج بعمق في نسيج الأمة الإيرانية، وليس هناك ما يشير إلى نزعات انفصالية واسعة النطاق. ومع ذلك، لا يزال المسؤولون والمحللون في طهران حساسين للغاية لهذه القضية، ولا سيما القلق من أي تطلعات تركية لتحريض الأذربيجانيين الإيرانيين مع أي تصعيد في التوترات الإيرانية التركية.
ووفق هذا الخط من التفكير، فإن الحجة التي كثيرا ما نسمعها من المسؤولين الإيرانيين هي أن التفاهم التركي الأذربيجاني وما قد يتبعه من استخدام ورقة القومية التركية ضد إيران يحظى بدعم إسرائيل بالكامل.
وتتهم طهران باكو بأنها توفر "ملاذات آمنة" للانفصاليين الإيرانيين من أصل أذربيجاني، وهو اتهام رفضه الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" بشدة.
على أي حال، مع استنزاف روسيا في حربها في أوكرانيا، يتوقع البعض في طهران أن توسع أنقرة وباكو دعمهما للوحدة التركية، وسوف يضعهما هذا دائما في مسار تصادمي مع طهران.
سباق اقتصادي
ولهذه المنافسة الإيرانية التركية في جنوب القوقاز أبعاد اقتصادية أيضا. ولطالما أكد المسؤولون الإيرانيون أن الموقع المركزي للبلاد يسمح لها بالعمل كجسر بري لطرق العبور التي تربط غرب آسيا بكل من أوروبا وشرق آسيا. وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها إذا نظر المرء إلى الخريطة.
لكن ما لا يمكن إنكاره أيضا هو أن الولايات المتحدة وإسرائيل عارضتا وما زالتا تعارضان مشاركة إيران في المشاريع الإقليمية التي من المنتظر أن تفيدها اقتصاديا.
وفي المقابل، لم تفعل طهران أي شيء تقريبا للبحث عن طرق لتقليل مثل هذه المعارضة لأن القيام بذلك سيتطلب إعادة توجيه سياستها الخارجية الشاملة وتخفيف التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبدلا من ذلك، كان تركيز طهران على دول، مثل تركيا، التي تتطلع إلى الاستفادة من عدم قدرة إيران على العمل كمركز إقليمي للتجارة والعبور.
وبينما يدرك الإيرانيون العقبات، فإنهم كانوا بطيئين في التصرف لتصحيح الوضع. ويعد هذا النقص في الزخم أمرا يجب أن تندم عليه طهران بالفعل عندما تنظر إلى السرعة التي تمضي بها تركيا إلى الأمام لجعل نفسها مركز العبور الإقليمي لكل غرب آسيا، بما في ذلك جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.
وعليه، فإن جهود تركيا الأخيرة، بما في ذلك الكشف عن خطط للارتباط بآسيا الوسطى عبر بحر قزوين، يُنظر إليها على أنها تحدٍ مباشر للمصالح الإيرانية.
ولنأخذ على سبيل المثال "مبادرة الممر التجاري الأوسط" الذي يعبر تركيا عبر بحر قزوين ويربط بين الشرق والغرب. ويربط هذا الممر تركيا بالقوقاز عبر جورجيا وأذربيجان ثم عبر رابط بحري يعبر بحر قزوين إلى آسيا الوسطى والصين. وتسميه تركيا في دعايتها التسويقية "إحياءا" لطريق الحرير، وهو أمر مضلل بعض الشيء كون طريق الحرير التاريخي قد سار قديما عبر ما يعرف الآن بإيران.
وأحد المكونات الفرعية لهذه الجهود التركية هو "اتفاقية ممر العبور بين تركيا وجورجيا وأذربيجان وتركمانستان وأفغانستان"، المعروفة أيضا باسم "اتفاقية اللازورد". ومرة أخرى، فإن الخاسر تماما في تطوير طريق يربط بين آسيا الوسطى وأفغانستان بالبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط هو إيران، التي سترى نفسها محرومة من شبكة عبور إقليمية مهمة.
كما سيعرض ذلك العلاقات التجارية الإيرانية مع أفغانستان ودول آسيا الوسطى للخطر لأن المزيد من التدفقات التجارية سيعني مزيدا من المنافسة لأسواق التصدير نفسها التي تعتمد عليها طهران حاليا.
وبالرغم من هذه الحقائق، لا تزال إيران بطيئة في التصرف. وفي طهران، تحتاج البيروقراطية ذات الصلة فيما يتعلق بالتجارة الإقليمية وسياسة العبور إلى الإصلاح والتبسيط. وفي إحدى الحالات في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما مرت شاحنتان باكستانيتان تحملان بضائع عبر إيران إلى تركيا، واجهت تأخيرات بيروقراطية كبيرة على الحدود، وهي تأخيرات لم يتم حلها إلا بعد وساطة من قبل كبار مسؤولي الجمارك في طهران.
وكشفت الحادثة عن نظام معطِّل لا يجذب التجارة الدولية على نطاق واسع. وتحتاج إيران أيضا إلى توقيع اتفاقيات عبور ثنائية ومتعددة الأطراف مع جيرانها وخارجها حتى تصبح طريق عبور رئيسي.
الخيارات المقبلة
باختصار، تخوض إيران وتركيا حاليا منافسة خفية ولكن أعمق من أجل النفوذ في جنوب القوقاز، بما في ذلك مجال مشاريع العبور الجديدة المحتملة. ويعلم الإيرانيون أن رفع العقوبات أمر بالغ الأهمية لقدرتهم على أن يصبحوا مركز عبور إقليمي. وترحب إيران بالتأكيد بمثل مصدر الدخل هذا. حيث يقال إن عائدات الطن الواحد من البضائع التي تمر عبر إيران تساوي عائدان برميل نفط مُصدَّر.
لكن مأزق طهران أكبر من عدم قدرتها على تحويل جغرافيتها إلى مصدر دخل من خلال التحول إلى مركز عبور. فبالرغم من الجهود الأخيرة التي بذلتها باكو وطهران للتركيز على التعاون الاقتصادي المفيد للطرفين عندما يكون ذلك ممكنا، فهناك حاجة إلى حوار سياسي أوسع.
وفوق كل شيء، تحتاج إيران إلى بذل المزيد من الجهد للترويج للدور البناء الذي يمكن أن تلعبه كوسيط بين أذربيجان وأرمينيا.
وليس هناك شك في أن طهران أصيبت بالصدمة بسبب الحرب التي استمرت 44 يوما بين أرمينيا وأذربيجان في أواخر عام 2020 للسيطرة على إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه. وكذلك صُدم الإيرانيون بنفس القدر من مدى تورط تركيا وإسرائيل خلال القتال وفي أعقاب وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه موسكو، لكن أنقرة كانت -على عكس طهران- طرفا في المفاوضات.
وكما قال وزير الخارجية الإيراني السابق "محمد جواد ظريف" في يناير/كانون الثاني 2021، فإن نية طهران هي البحث عن وسائل مختلفة يمكن من خلالها لدول المنطقة "العمل معا لمساعدة إنهاء أزمة ناغورني قره باغ وتحسين وضع السلام والاستقرار". وهذا ما أشار إليه الإيرانيون والأتراك بـ"الاتحاد السداسي" بين أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وإيران وروسيا وتركيا.
ويبقى الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت إيران قادرة على استعادة أي أرض خسرتها في جنوب القوقاز، لكن لا شك في طهران اليوم في أن إيران كانت مهملة للغاية تجاه أهمية المنطقة بالنسبة لمصالحها الجيواستراتيجية والاقتصادية.
المصدر | أليكس فاتانكا - معهد الشرق الأوسط