- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
الإدريسي..مكتشف منابع النيل
الإدريسي..مكتشف منابع النيل
- 26 أبريل 2021, 9:11:42 م
- 832
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع بداية القرن الخامس الميلادي كان العالم يعيش في ظلمات من الجهل والتخلف، فمع وهن الإمبراطورية الرومانية وتفتتها، بدأت العصور الوسطى المظلمة التى اتسمت باضمحلال العلوم وانتشار الخرافة والمتوارثات الشعبية الأسطورية. وفي خضم هذا السواد الحالك لاح في الأفق نور يبدد ظلام الجهل لتبزغ شمس الحضارة الإسلامية، حيث كان المسلمون يعيشون حياة الازدهار والرقي، وشهدت القرون الوسطى تقدماً فريداً في كل العلوم والمجالات، خاصة الفلك والطب والفلسفة ، وغدت بلاد المسلمين مقصد العلماء وطلاب العلم، حيث العدل والحرية اللذان مهدا الطريق أمام العلماء للبحث والمعرفة ووضع أسس المنهج العلمي الذي يعتمد على التجربة والمشاهدة والاستنتاج وإعمال العقل ليظهر جيل جديد من العلماء الذين وضعوا اللبنات الأولى للتطور العملي الحديث.
ولد أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الحموي الحسني، في سبتة بالمغرب في عام 1100م، ويلقب ب«الصقلي» لاستقراره بصقلية ردحاً من الزمن، ويعرف كذلك ب«القرطبي» لقضائه معظم مراحله الدراسية بقرطبة. وتوفي في صقلية عام 1165م.
درس الإدريسي في سبتة وفاس بالمغرب، ثم انتقل إلى قرطبة، ومكث بها عدة سنوات أتقن خلالها الجغرافيا والفلك والرياضيات والطب والصيدلة والنبات.. ثم خرج إلى المشرق، فطاف ببلاد الإسلام، ثم عاد بعد ذلك إلى المغرب ماراً بصقلية، وقيل إن عمره حين زار آسيا لم يتجاوز السادسة عشرة. وعرف عنه أنه رحل إلى الأندلس وجنوبي إيطاليا والبرتغال والشاطئ الفرنسي وجنوب إنجلترا، وأقام طويلاً بصقلية.
كان محمد الإدريسي يتمتع بشخصية جذابة، موهوبة، وهو من عشاق السفر والترحال، وكان زملاؤه في بلاد الملك روجر الثاني النورماندي في صقلية يشيعون اعتناق الملك للإسلام لما رأوه شديد الإعجاب بالإدريسي والثقافة الإسلامية والعلوم، والجغرافيا بالذات. وأغدق روجر على الإدريسي المال، وطلب منه أن يضع كتاباً شاملاً في الجغرافيا لوصف طبيعة البلدان، وثقافاتها وجبالها وأنهارها وسهولها وأوديتها، فوضع «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق». واعتمد في الكتاب على مشاهداته في الرحلات التي قام بها، والتقارير التي وصلته من الوفود التي أرسلها إلى المناطق الأخرى، وهي تقارير تتضمن معلومات جغرافية، كما اعتمد على المراجع الجغرافية التي اطمأن إليها ووثق في معلوماتها، كمؤلفات بطليموس، وابن حوقل، والمسعودي. واستغرق الإدريسي في وضع الكتاب خمسة عشر عاماً تقريباً، وأتمه في عام 1123م، وكان ينسب أحياناً إلى الملك روجر، فيسمى «كتاب رجار» أو «الكتاب الرجاوي». وبهذا الكتاب يعتبر الإدريسي أول جغرافي يقوم بمشروع علمي امتد ليشمل جميع أقطار المعمورة، بعد أن كانت أعمال الجغرافيين العرب تهتم بالعالم الإسلامي فقط.
مات الملك روجر في عام 1154م، فخلفه غليوم الأول، الذي كلف الإدريسي بوضع كتاب آخر، فأجابه بوضع «روضة الأندلس ونزهة النفس» الذي اشتهر فيما بعد بعنوان «المسالك والممالك». وإضافة إلى هذا، أجرى الإدريسي أبحاثاً عديدة في كثير من مجالات العلوم والمعارف، كعلوم الأرض، وخصوصاً موضوعات الكروية والجاذبية.
واهتم الإدريسي بعالم النبات والأعشاب، ووضع فيه مؤلفات تفصح عن علمه الواسع بقوى الأدوية المفردة ومنافعها ومنابتها وأعيانها. ومن كتبه في هذا المجال «الجامع لصفات أشتات النبات»، وهو مرتب على حروف المعجم. وكان الإدريسي بارعاً بمجالات علمية أخرى، فكان ذا موهبة أدبية، مكنته من نظم الشعر، لكن تفوقه الكبير في علوم الجغرافيا جعل عدداً كبيراً من مؤرخي العلوم يركزون على هذا المجال دون غيره من المجالات الأخرى التي ترك الإدريسي فيها تراثاً مرموقاً.
وأثبت كبار المؤرخين في العالم، وكذلك المراجع والوثائق، أن الإدريسي هو أول من اكتشف منابع النيل، وذلك قبل بيكر، وبر…