- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
الإيقاع الداخلي لفن الواو
واو عبد الستار سليم نموذجا
يعد (فن الواو ) من الفنون التي تعتمد على الشفاهية في نظمه وتأديته وتلقيه ويعد السماع (الأداء الصوتي ) قناة الاتصال الوحيدة بين الناظم والمتلقي، وما تحمله من خصائص ومزايا . يتكون الواو من أربع شطرات من بحر شعري واحد ( المجتث المجزوء مستفعلن فاعلاتن ) قافية الشطرة الأولى تتفق مع قافية الشطرة الثالثة ،وقافية الشطرة الثانية تتفق مع قافية الشطرة الرابعة ،كما في المربع الآتي :
"أول كلامي ح اصلى
ع اللي الغزالة مشت لـُـه
واحكى على اللي حصل لي
وزرع همومي ف مشاتلـُـه " (١)
الواو السابق كان في الأصل في رحلة كينونته الطبيعية يتمتع بميزة التأليف الشفاهي ،والأداء الشفاهي لأناس لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، قبل أن يصافح بصرك على الصفحات البيضاء، ويصبح تأليفًا كتابيًا وأداءً قرائيًا بصري. (فن الواو) شعر قولي شفاهي يعتمد على الشفوية حال نظمه وتلقيه "هو فن شعري شعبي .. وهو فن سماعي وليس فن كتابة.. إذ أن الكتابة تكشف عن كل الحيل الصوتية الناتجة عن الجناس الكامل – عادة – في قوافيه بالذات .. وعندئذ تنحل كل مغاليقه فيفقد كثيراً من روعته وبهائه كفن شعبي أصيل.."(٢)
يتكون من أربع شطرات من بحر المجتثّ المجزوء ،اتفاق قافية الشطر الثالث أو تتشابه مع قافية الشطر الأول، وقافية الشطر الرابع تتفق أو تتشابه مع قافية الشطر الثاني، وتمايز المربع باستخدام أنواع الجناسات (الكاملة أو الناقصة ) ، أما المعجم اللغوي فيغلب عليه الطابع التراثي .
أجمع الباحثون في فنون القول أن أول من ينسب إليه قول فن الواو ، هو (ابن عروس ) ويتميز فن الواو بأنه " يعتمد على المقطوعة التي تتكون من بيتين يتضمنان أربع شطرات وليس على القصائد كالشعر العربي .. وعليه فقد كثرت " واوات " العطف ... ولذا سمى هذا الفن بفن " الواو"(٣)
يعد فن (الواو) أحد فنون الأدب الشعبي والذي يتخذ من اللغة المنطوقة وعاءً للأفكار المراد التعبير عنها، ووسيط اتصال لتوصيل الصورة الذهنية للموضوع من المؤلف إلى المتلقي . من المعلوم أن اللغة المنطوقة رهن بمتحدثيها وتختلف باختلاف البيئات الجغرافية من بلد لبلد ، ومن منطقة لمنطقة في البلد الواحد . عَرًف المختصون الشعر العربي لغة بأنه الكلام الموزون والمقفى، أما اصطلاحا فهو الكلام الموزون الذي يستخدم الصفات والجماليات لشرح موضوع ما ، وفن "الواو " تنطبق عليه هذه التعريفات وهو ضرب من الشعر العربي – المقاربة ليس من شأنها إثبات هذه الفرضية أو نفيها – والشعر العربي لون شفاهي قوامه اللغة والإيقاع، واقترن منذ نشأته الأولى في بيئته البكر (بلاد العرب ) بالغناء والحُداء اللذان لا يخلوان من إيقاع " اللغة والإيقاع اللذان لا يمكن الاستغناء عنهما أو عن أحدهما في أي شعر وضمنه الشعر العربي "(٤).
الإيقاع الداخلي (الجناس) :- (فن الواو)فن شفاهي يعتمد على الصوت في إنتاجه وفي تلقيه ، الإيقاع الداخلي للنص الشعري المتمثل في مخارج الحروف والألفاظ ، مخارج الحروف وأنواعها من المهموس والمجهور وكذلك الأصوات الصائتة والصامتة . في (فن الواو) الجناس المنتج للإيقاع الداخلي في النص الشعري . اعتمد (فن الواو) ومازال في رحلة بقائه واستمراره شفاهيًا على الجناس كبنية صوتية يستمد منه موسيقاه الداخلية حتى يمكن القول إنه لا ( واو ) دون جناس بأنواعه . امتد أيضاً إلى الإيقاع الخارجي في اتفاق قافية الشطرتين الأولى والثالثة والثانية والرابعة. الجناس هو اتفاق كلمتين مفردتين في حروفهما مع اختلاف معنى كل مفردة .
فقد ذكر ابن المعتز أن المجانسة " هي ما تكون الكلمة تجانس أخرى في تأليف حروفها ومعناها وما يشتق منها" (٥) إنه اتفاق في الشكل وتضاد في المعنى الجناس العفوي غير المصطنع " من الحلى اللفظية والألوان البديعية التي لها تأثير بليغ يجذب السامع وتجذب في نفسه ميلا للاحتفاء والتلذذ بنغمته العذبة ،وتجعل العبارة مقبولة في النفس وتقع في القلب أحسن موقع "(٦)
"قول للخسيس المدارى
اللي زرعْـتـُـه ح تِـجْـنيه
وعليك تدرى المدارى
تجازيك باللي ح تِـجْـنيه " (الديوان ص 50 )
الشطرة
| الكلمة | النوع | عدد الحروف | الهيئة(التشكيل) | الترتيب | نوع الجناس | |
الأولى | المداري | اسم | 7 أحرف | تسكين الدال | تام | محرف | |
الثانية | المداري | اسم | 7 أحرف | فتح الدال | تام | ||
الثالثة | تجنيه | فعل | 5 أحرف | تام | تام | تام مماثل | |
الرابعة | تجنيه | فعل | 5 أحرف | تام | تام |
(جدول 1)
فالجناس بين نهاية الشطرة الأولى ( المداري ) بمعني " المختفي " ونهاية الشطرة الثالثة (المداري ) "جمع كلمة مدراة وهي آلة كانت تستخدم لفصل القمح عن التبن " جناس محرف ،وكذلك نهاية الشطرة الثانية ( تجنيه ) أي "تحصده" ونهاية الشطرة الرابعة ( تجنيه ) أي من "الجناية " هنا جناس تام مماثل.
"ياللي انتو فى البعد ساكـّـيـن
شـبـّـاك سكنكم وبابـُـه
دا الـبُـعـد – ع القلب – سكـّـيـن
الشطرة | الكلمة | النوع | عدد الحروف | الهيئة(التشكيل) | الترتيب | نوع الجناس |
الأولى | ســـــــكين | مركب | 4 أحرف | تام | تام | تام مرفوا متشابه |
الثانية | ســـــــكين | اسم | 4 أحرف | تام | تام | |
الثالثة | بابه | اسم | 4 أحرف | ناقص | تام | ناقص مردوف |
الرابعة | شبابه | اسم | 5 أحرف | ناقص | تام |
والخوف تِـمـِّزع شبابـُـه "(الديوان ص20)( جدول 2)
ويظهر في الشطرات الأربع من كل مربع من المربعين السابقين أن الألفاظ والجناس شفاهيا لم يحتاجا إلى تعديلات في كتابتهما فكانا أقرب إلى التوافق بين الشفاهي والكتابي ولم يعتريهما تشويه كتابي ،فالكتابة هنا كما يقول روبير إسكاربيت "التقاء اللغة المنطوقة باللغة المكتوبة ،الصوت بالخط"(٧). التقاء وتلاقي فسماع الواوات السابقة لا يختلف عن قراءتها بصريا ، وهذا نادر في (فن الواو) فقلما تنجو الكتابة من التشويه والتحريف .
"عيني رأت سرب غزلان
فيهم غزالة شريدة
والقلب لمّـا اتـنـغـز .. لان
شاور وقاللى شارى ده " (الديوان ص 10 )
الشطرة | الكلمة | النوع | عدد الحروف | الهيئة(التشكيل) | الترتيب | نوع الجناس |
الأولى | غزلان | اسم | 5 أحرف | تام | تام | تام مرفوا مفروق |
الثانية | غزلان | تركيب | 5 أحرف | تام | تام | |
الثالثة | شريده | اسم | 5 أحرف | تام | تام | تام مستوفي |
الرابعة | شريده | فعل | 5 أحرف | تام | تام |
( جدول 3)
ويتنوع الجناس في الديوان ما بين التام وهو ما اتفقت اللفظتين في النوع والعدد والهيئة والترتيب ، التام المستوفي وهو ما اتفقت لفظتاه في النوع (نوع الأحرف ) والعدد والهيئة (التشكيل بالفتح والضم ...الخ) والترتيب (ترتيب الأحرف ) والمحرف وهو ما اختلفت هيئتهما ، والناقص بأنواعه .
والشاهد في كل هذا أن (فن الواو) قائم على هذا المحسن البديعي لإبراز جماليات هذا الفن وكأنه سمة من سماته التي تميزه عن غيره . إلى جانب وظيفة الجناس الإيقاعية وفعل جرس موسيقي داخل الشطرات يطرب نفوس سامعيه ،ويرقي بذوقهم هناك وظيفة لا تقل أهمية عنها الوظيفة الدلالية من جذب انتباه المتلقي وقده ذهنه واشتباك أفكاره " ففي اختيار لفظين متجانسين يكون المنبه التعبيري فيهما أقوى تأثيرا نتيجة الهزة الدلالية التي يتلقاها المتلقي بمخالفة المتوقع ،لأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء المراد به معنى آخر كان للنفس تشوَق إليه "(٨) فما الجدوى إذن من الجناس إن لم يضف معنى جديدًا "إنك لا تجد تجنيسا مقبولًا إلا بنصرة المعنى وذلك حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساقه نحوه من غير قصد المتكلم إلى اجلابه وتأهب لطلبه وذلك أن الألفاظ خدم المعاني " (٩)
" لا سْـمِـعْـتى منى قـُـولة آه
ولا .. ودّ – يوم – ودِّ تينى
تِـلقاكى لا إسمى فاكراه
ولا فاكره فين ودِّ تينى" (الديوان ص 70 )
وأخيرا إن لغة فن " الواو " تحتاج إلى وَعْـى كبير بالفن ، كما تحتاج إلى إدراك كامل وبصيرة نافذة ، خصوصاً وسط جمهور تربَّـى على المربع ، وأدمن تعاطى تركيباته الجناسية كلعبة قولية فنية شائقة .