- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الإسرائيلي: هل يملك بينيت تفسيراً لوعد بلفور غير الأبرتهايد؟
التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الإسرائيلي: هل يملك بينيت تفسيراً لوعد بلفور غير الأبرتهايد؟
- 30 أكتوبر 2021, 5:44:05 م
- 484
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هآرتس - بقلم: شاؤول ارئيلي
"ليس هناك مثل وعد بلفور الذي سيحيون ذكراه الـ 104 في هذا الأسبوع على إعطائه للورد روتشيلد من قبل وزير الخارجية البريطاني، من أجل تأكيد درجة انحراف سياسة رئيس الحكومة نفتالي بينيت بخصوص النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني عن الالتزام التاريخي للحركة الصهيونية. إن إعلانات المتحدثين باسمه والمقربين منه بأن “لا عملية سياسية مع الفلسطينيين ولن تكون”، التي تعني استمرار الاحتلال والضم الزاحف، هي إعلانات دالة على انقلاب في الرؤية الصهيونية وتفضيل أرض إسرائيل على الديمقراطية والهوية اليهودية لدولة إسرائيل، التي هي الأسس الثلاثة للصهيونية. هذه السياسة تضلل الكثير من الطيبين، مثل يوئيل زنغر ومني ماوتر (“هآرتس”، 22/10)، وتقودهم إلى الاستنتاج بأن حل الدولتين لم يكن ممكناً، وإلى طرح حلول أخرى غير قابلة للتنفيذ (“الكونفيدرالية كارثة”، “هآرتس”، 2/7/2019).
نظرت الحكومة البريطانية بعين العطف إلى “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل”، وتعهدت في ذاك الوعد بأنها ستحاول “التسهيل على تحقيق هذا الهدف”؛ لكنها قالت أيضاً بصورة صريحة إن هذا مشروط بـشرط واضح، وهو أنه “لن يتم القيام بأي أمر من شأنه المس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في أرض إسرائيل”. أي أنها ستدعم إقامة دولة للشعب اليهودي في فلسطين – أرض إسرائيل الانتدابية، من خلال عدم تطبيق مبدأ تقرير المصير على فلسطين، شريطة أن تحافظ على المساواة الكاملة في الحقوق المدنية والدينية. وعد بلفور الذي هو الأساس القانوني للمطلب الصهيوني تم تضمينه في صك الانتداب في 1920 وصادقت عليه عصبة الأمم في 1922، الذي عاد وأكد أن الالتزام بإقامة دولة للشعب اليهودي مشروط بـ “الحفاظ على الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين، بدون تمييز في العرق والدين”. هذه الصفقة كانت واضحة ومقبولة لدى أعضاء القيادة الصهيونية. وبناء على ذلك، وفي الوقت الذي وقفوا فيه أمام الحاجة إلى الحسم بين أسس الصهيونية الثلاثة، فضلوا الديمقراطية ذات الهوية اليهودية التي تستند إلى أغلبية يهودية، على أرض إسرائيل الكاملة، كما حدث في رد الحركة الصهيونية على اقتراح لجنة بيل في 1937 وعلى قرار التقسيم في 1947 وعلى اتفاقات الهدنة في 1949. أيضاً بعد إقامة الدولة مثلما صرح مناحيم بيغن في 1972: “الصهيونية… هذه هي أسسها في أرض إسرائيل، وحقنا عليها غير قابل للنقض، وستكون هناك أغلبية يهودية وأقلية عربية، ومساواة في الحقوق للجميع”. قال، وتعهد: “لم ننحرف ولن ننحرف عن هذه العقيدة… التي تطوي في داخلها عدالة قضيتنا”.
إن رفض بينيت للقيام بعملية سياسية مع الفلسطينيين ودعمه لاستمرار البناء وتطوير المستوطنات، كل ذلك يعدّ إعلاناً رسمياً عن نظام تمييزي لدولة إسرائيل، الذي يمنح الحقوق بناء على الانتماء القومي، ويمنع الحقوق عن جزء من سكان البلاد. هذا النظام يناقض وعد بلفور والالتزامات التي أخذتها الحركة الصهيونية على مسؤوليتها (أيضاً إعلان الاستقلال). وقد أكد ذلك بشكل واضح قبل أربع سنوات يونتان الين، نائب السفير البريطاني في الأمم المتحدة، في خطابه بمناسبة مرور مئة سنة على وعد بلفور، عندما قال: “تعالوا نتذكر بأنه كان هناك قسمان للوعد، القسم الثاني لم يتم تطبيقه”.
هذه أقوال غير جديدة. فعندما أطلق بينيت في 2012 “برنامج التهدئة” للبيت اليهودي، الذي تضمن ضم مناطق “ج” في الضفة الغربية، قال إنه هو الحل الأفضل؛ لأن ضم الضفة الغربية مثل حل الدولتين “غير قابل للتنفيذ، وهما يعرضان مستقبل دولة إسرائيل للخطر لأسباب أمنية وديمغرافية وقيمية”. وللحفاظ على سلم أولويات الصهيونية- دولة ديمقراطية مع أغلبية يهودية، فإنه حرص في اقتراحه في حينه على أن يعد بإعطاء الجنسية لخمسين ألف فلسطيني يعيشون في المناطق التي سيتم ضمها. لأنه “بهذه الطريقة سنسحب البساط من تحت ادعاء الأبرتهايد”.
لسوء حظ بينيت وشكيد وبتسلئيل سموتريتش وأصدقائهم، ولحسن حظ دولة إسرائيل، فإن عمليات الضم التي استندت إلى ضرورة تأييد إدارة دونالد ترامب، لم تخرج إلى حيز التنفيذ. انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة وضع حداً لاحتمالية ضم رسمية. في ظل غياب هذا الخيار، فإن بينيت الذي يعارض حل الدولتين، اختار مرة أخرى تخليد الضم الزاحف ونظام التمييز؛ لأنه ما زال يؤمن -كما قال عن ضم مناطق “ج”- بأن العالم رغم أنه “لن يعترف بسيادتنا هناك (في المناطق) [الضفة الغربية]… إلا أن هذا الأمر غير فظيع. العالم سيتعود مع الوقت”. أي أن العالم، حسب بينيت، سيقبل قبول الجمود السياسي والاحتلال ونظام التمييز.
في ظل غياب احتمالية ضم أجزاء من الضفة الغربية بدون الضم الكامل للسكان، فإن سياسة بينيت ستقود إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية مع أغلبية عربية، وستدمر الحلم الصهيوني. البديل الوحيد المحتمل هو حل الدولتين لشعبين على أساس قرارات الأمم المتحدة 242 و338 والمعايير التي تم وضعها في المفاوضات بين إسرائيل وم.ت.ف في أنابوليس في 2008.
التحدي الأكبر الذي يواجهه المجتمع الإسرائيلي في هذا الشأن هو القدرة على الإدراك بأن سياسة الضم الزاحف ترافقها جهود لخلق صورة مشوهة للواقع بالنسبة لتأثير المستوطنات على حل الدولتين. وهي صورة تبناها معظم الجمهور الإسرائيلي، بمن فيهم الذين يؤيدون حل الدولتين، ويفهمون بأنه الحل المفضل لضمان أن تكون دولة إسرائيل ديمقراطية وآمنة مع أغلبية يهودية وعضوة في الأسرة الدولية.
زنغر وماوتنر هما أيضاً سقطا في هذا الشرك، الأمر الذي قادهما إلى التوصية بحل الكونفيدرالية. هما مثل غيرهما، يرتكزان على عدة فرضيات وبيانات خاطئة. ولو قاما بفحصها عن طريق المعطيات الرسمية لمكتب الإحصاء المركزي وعن طريق خارطة بسيطة لتتجنبا والقراء التضليل الذي يخدم سياسة بينيت.
حسب أقوالهما، “عدد المستوطنين (بدون شرقي القدس) ازداد إلى أكثر من 500 ألف شخص. ولكن حسب رقم رسمي لمكتب الإحصاء المركزي، فإنه في بداية 2021 كان يعيش في يهودا والسامرة 45257 إسرائيلياً. وقد قالا :”بعد اتفاق أوسلو، تم نشر المستوطنات على طول وعرض يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، بما في ذلك في أماكن قرب التجمعات السكانية العربية وحتى في داخلها”. عملياً، منذ اتفاقات أوسلو وحتى قبلها، ومنذ أن اتخذت حكومة رابين في 1992 قراراً يمنع بناء مستوطنات جديدة، بنيت فقط مستوطنة جديدة واحدة هي “عميحاي” للمخلين من “عمونة”، حسب قرار حكومة نتنياهو في 2016، التي يعيش فيها 208 إسرائيليين.
إذا كان القصد هو عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية التي بنيت، فليس لهذه البؤر، التي نصفها قرب شارع 60 والنصف الآخر على حدود المستوطنات القائمة، أي تأثير على الميزان الديمغرافي وعلى السيطرة القطرية. البؤر الاستيطانية المهمة تم “تبييضها” على يد حكومات نتنياهو عندما سميت مستوطنات، باستثناء ثلاث بؤر تم الاعتراف بها كبلدات، وهي “رحاليم” و”سنسينه” و”بروخين”، ويعيش فيها 3 آلاف شخص.
فعلياً، جميع المستوطنات التي في الضفة أقيمت بمحاذاة تجمعات سكانية فلسطينية باستثناء غور الأردن وشمال البحر الميت (هناك يعيش 7 آلاف إسرائيلي تقريباً)، لكن هذا حدث ليس بعد أوسلو، بل بدءاً من نهاية السبعينيات عند المصادقة على خطة اريئيل شارون في حكومة بيغن الأولى في تشرين الأول 1977، وخطة ماتي دروبلس من لواء الاستيطان في 1979. وباستثناء الاستيطان اليهودي في الخليل الذي يضم أقل من ألف شخص يعيشون وسط مدينة فيها ربع مليون فلسطيني، لم يتم بناء أي مستوطنة داخل البلدات الفلسطينية. وتأثير البلدات على سفح الجبل، حيث تبلغ النسبة الديمغرافية بين الإسرائيليين والفلسطينيين 1: 30.
خلافاً لما قاله ماوتنر وزنغر، فإن 73 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون وراء الخط الأخضر (بما في ذلك شرقي القدس)، يعيشون في بلدات غير بعيدة أكثر من خمس دقائق عن الخط الأخضر، ويعيش معظمهم بمحاذاة الخط الأخضر. ولو فحصا معطيات المكتب المركزي للإحصاء من العام الماضي، التي استمر فيها منحى عمره أكثر من عشرين سنة، لاكتشفا أن في يهودا والسامرة ميزان هجرة سلبي، وأن الزيادة السنوية تستند بمعظمها إلى الزيادة الطبيعية، التي جاء أكثر من نصفها من مدينتين أصوليتين، هما “موديعين عيليت” و”بيتار عيليت” الموجودتان على الخط الأخضر؛ أي أنه حتى لو صممت إسرائيل على مواصلة سياسة نتنياهو وقامت بالبناء في المستوطنات الصغيرة والمعزولة وشق شبكة طرق التفافية، بتكلفة عشرات المليارات، لازدادت نسبة الأصوليين في المدينتين الأصوليتين من بين المستوطنين، وكذا في البلدات القريبة من الخط الأخضر بشكل عام من بين السكان في يهودا والسامرة.
ثالثاً، خلط كل من ماوتنر وزنغر بين مبادرة ترامب التي أطلقت في كانون الثاني 2020 التي أيدها نتنياهو ورفضها العالم، وبين خط الحدود الذي اقترحته إسرائيل في طابا في 2001 وفي مبادرة جنيف في 2003 وفي أنابوليس في 2008 وفي النهاية من قبل حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل” في 2017. حسب مبادرة ترامب، في الواقع وجدت لدينا حدود متعرجة وغير عملية على طول 1800 كم من خلال “إيجاد سلسلة من الجزر الإسرائيلية والفلسطينية الموجودة خارج حدودهما”، كتبا؛ لكن حسب خط الحدود الذي اقترحته الجهات الأربع المذكورة أعلاه فإن الحديث يدور عن إطالة معقولة للحدود، دون أي جيوب في الطرف الإسرائيلي أو الفلسطيني، مع الحفاظ على التواصل الجغرافي للطرفين وبدون المس بنسيج الحياة لديهما.
كان ماوتنر وزنغر على حق في ثلاث نقاط: زادت إسرائيل عدد الإسرائيليين المطلوب إعادة استيعابهم داخل حدود الخط الأخضر، من 19 ألف شخص في 1993 إلى أكثر من 100 ألف شخص الآن. ولكن في عمل طاقم أجرته منظمات مختلفة مثل حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل”، وجد أنه يمكن توفير رد مثالي على استيعابهم في إسرائيل من حيث التشغيل والسكن. وكما قالا، سيكون مطلوباً في أماكن معينة حلول كونفيدرالية مثلما في الحوض التاريخي في القدس. ولكنها حلول معروفة سبق أن عرضت في إطار جولات مفاوضات بين الطرفين. وهما على حق في قولهما بأن “دولة ثنائية القومية هو عمل هستيري”. لأنها دولة ستجري فيها حرب أهلية مستمرة.
إذا كان الأمر كذلك، فالتحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الإسرائيلي هو أن يضاف إلى الاحتمالية المادية – القطرية لحل الدولتين (القائم كلياً في الضفة وغزة وفي إطار سيناريو لتبادل الأراضي بنسبة 4 في المئة) احتمالية سياسية معدومة كلياً. فبدونها لا يمكن تجسيد المحتمل. إن تبني سياسة بينيت والتضليل والأكاذيب يعني التنازل عن إمكانية إعادة إسرائيل إلى طريقها، وأن يتم تطبيق الحلم الصهيوني فيها، خلافاً لحل الدولتين. هذا الحل سيبقي إسرائيل مخلصة لوعد بلفور وصك الانتداب وقرار التقسيم، التي هي الأساس السياسي والقانوني والأخلاقي لإقامة دولة إسرائيل وضمان مستقبلها.