- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
التناقضات الصارخة بين سياسة أمريكا في أوكرانيا والشرق الأوسط
التناقضات الصارخة بين سياسة أمريكا في أوكرانيا والشرق الأوسط
- 5 مايو 2022, 10:05:43 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كانت إدارة "بايدن" محقة في الرد على الفظائع الروسية من خلال تسليح أوكرانيا للدفاع عن نفسها، كما أن لديها مبررات كافية لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا، ولكن لم تفوت شعوب الشرق الأوسط ملاحظة التناقضات الصارخة بين طريق تعامل "بايدن" مع المنطقتين.
في أوكرانيا، أنفق "بايدن" مليارات الدولارات على أسلحة من جميع الأنواع لمساعدة الرئيس "فولوديمير زيلينسكي" في المعركة من أجل الديمقراطية والحرية ورفض ديكتاتورية "بوتين" وحربه اللاإنسانية. أما في الشرق الأوسط، فقد باعت واشنطن أسلحة بالمليارات للديكتاتوريين العرب رغم سجلهم الفظيع في مجال حقوق الإنسان وقمع الحريات المدنية لشعوبهم.
تناقض صارخ
تظهر إدارة "بايدن" دعمها للحرية والقيم العالمية في أوكرانيا، لكنها امتنعت - من أجل الحسابات السياسية - عن تقديم نفس الدعم إلى الشرق الأوسط.
ويحاول الرئيس "بايدن" ووزير خارجيته "أنتوني بلينكين" إقناع أقرب حلفاء واشنطن وأكبر المتلقين للأسلحة الأمريكية في المنطقة بإدانة أعمال "بوتين" الإرهابية في أوكرانيا علنًا وبقوة. وكمكافأة على دعمهم، غضت إدارة "بايدن" الطرف عن مطالب الشعوب العربية بالعدالة والحرية.
ومع ذلك، فقد أظهرت هذه الجهود الدبلوماسية نجاحًا ضئيلًا، هذا إن كان هناك نجاح أصلًا. ورفضت السعودية والإمارات وإسرائيل ودول أخرى دعم حملة الولايات المتحدة ضد "بوتين". ولا تزال دبي ملاذًا للأوليجارش الروس، كما ترحب تركيا أيضًا باليخوت الروسية الفارهة في موانئها.
وأصبحت المغازلة الاقتصادية والدبلوماسية بين السعودية وروسيا أكثر وضوحًا على الساحة العالمية بالرغم من المناشدات الأمريكية.
لقد تلاشى الوعد الذي قطعه "بايدن" في حفل تنصيبه في أوائل العام الماضي حول مركزية حقوق الإنسان في أجندته، حيث يواصل تدليل دكتاتوريي الشرق الأوسط، أما دعم حقوق الإنسان والحريات المدنية والديمقراطية فلم يتجاوز مجرد الدعم الخطابي دون تقديم دعم ملموس.
قد لا تكون شعوب الشرق الأوسط غنية أو مؤثرة، لكنهم أذكياء بما يكفي لمعرفة ما يجري، ولا ترى الشعوب العربية اختلافًا كبيرًا في الموقف تجاه الطغاة العرب بين رئاستي "ترامب" و"بايدن".
استخدم "ترامب" كلاً من الخطاب والأفعال للتقرب من المستبدين العرب، واستخدم "بايدن" القوة الناعمة (الخطاب) لتمجيد فضائل القيم الديمقراطية، في وقت وسع فيه دعم القوة الصلبة لهؤلاء الديكتاتوريين أنفسهم.
استمرار مبيعات الأسلحة
تستمر مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية في التدفق إلى السعودية والإمارات والبحرين ومصر ودول عربية وغير عربية أخرى في المنطقة مع القليل من الاهتمام لانتهاكاتها المتواصلة لحقوق الإنسان، سواء في السعودية أو مصر، أو الإمارات أو الضفة الغربية وقطاع غزة. وتعد المأساة الإنسانية المستمرة في اليمن مثالا واحدا على التناقضات الصارخة في نهج واشنطن تجاه المنطقتين.
تأمل الولايات المتحدة أن يساعد الضخ المستمر للأسلحة الأمريكية الجيش الأوكراني على هزيمة العدوان الروسي. من ناحية أخرى، تعمل مبيعات الأسلحة الأمريكية الضخمة للدول العربية على تمكين المستبدين العرب من هزيمة نضال شعوبهم من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
ولا ترى الشعوب العربية والناشطون المؤيدون للحرية أي أمل على الإطلاق في أن يؤدي الانتصار في أوكرانيا إلى تقييد القمع المستمر الذي يواجهونه، وإذا حدث انتصار أوكراني بمساعدة أمريكية، فمن المرجح أن يخلق معضلة أخلاقية لإدارة "بايدن" بشأن موقف واشنطن من حقوق الإنسان في العالم العربي.
صحيح أن أوكرانيا تتعرض للغزو من قبل قوة أجنبية وأن الشعوب العربية تتعرض للانتهاكات من قبل أنظمتها، لكن لا فرق فيما إذا كانت حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية تتعرض للدهس من قبل ديكتاتور أجنبي أو من قبل ديكتاتور محلي.
ولا ينبغي أن يفوت القادة الأمريكيون ملاحظة هذا الانفصام وهم يسعون وراء نموذج استراتيجي جديد في الشرق الأوسط بعد حرب أوكرانيا، أما ما يسمى باتفاقات إبراهيم والتقارب بين إسرائيل وأنظمة دول الخليج العربية، فهي مجرد ورقة توت، لا يمكن ولا ينبغي أن تخفي التناقض بين التزام الولايات المتحدة المكلف والعميق بحقوق الإنسان في أوكرانيا والتزامها الناعم (المقتصر على الخطابة في الغالب) بمناصرة القيم الديمقراطية في الدول العربية.
خذلان الشعوب العربية
بينما تفقد الأنظمة العربية موقع الصدارة كجهات فاعلة في المنطقة ويحل محلها 3 دول غير عربية - إسرائيل وتركيا وإيران - فإنها تميل إلى سن المزيد من القوانين والممارسات القمعية لقمع الشعوب. وتعوض هذه الأنظمة فقدان نفوذها الإقليمي بزيادة القمع في الداخل.
باختصار، إنهم يقمعون طاقة شعوبهم وإبداعهم وتوقهم إلى الحرية، وبالتالي يقلصون قدرة تلك البلدان على النمو اقتصاديًا والابتكار تقنيًا. أما إذا تم السماح للإبداع والابتكار بالظهور، فستتمكن المجتمعات العربية من المضي قدمًا.
ترى الشعوب العربية، من لبنان إلى الجزائر، بلادهم في دوامة اقتصادية متدهورة تخنق الأعمال التجارية والتكنولوجيا والابتكار العلمي والنمو. وإذا أصبحوا جزءًا من عملية الحوكمة، فيمكنهم مساعدة قادتهم على استعادة النفوذ الإقليمي لبلادهم، بينما لا يمكن استعادة هذا النفوذ من خلال الطغيان الداخلي.
إن التجمع الأخير لوزراء الخارجية العرب كجزء من قمة مع وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية الإسرائيلي في جنوب إسرائيل يعكس توافقًا على هدف ما أو ضد بلد ما؛ مثل مواجهة الحوثيين أو إيران، ولكن هذا التوافق ليس من أجل هدف استراتيجي يمكن أن يفيد شعوب المنطقة.
كما لم يمثل التجمع دولًا عربية أكبر مثل العراق أو السعودية أو الجزائر على سبيل المثال. ومن المثير للاهتمام أن حضور مصر في القمة جاء خشية أن تكون مهمشة في الموكب الصاخب للتقارب العربي الإسرائيلي.
لم يتناول اجتماع وزراء الخارجية العرب مطالب واشنطن بشأن الكارثة الإنسانية في اليمن وسوريا وغزة. ومن منظور عربي، برزت حقيقة غير سارة من التجمع: إسرائيل هي القوة الحقيقية في الشرق الأوسط العربي؛ اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا والآن دبلوماسيًا.
وبفضل الدعم العسكري الأمريكي، أصبح لدى أوكرانيا فرصة جيدة لتحمل وربما هزيمة عدوان روسيا. ويجب الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية التي تتطلع لها الشعوب في العالم؛ سواء في أوكرانيا أو ميانمار أو تايوان أو السعودية أو مصر أو فلسطين، وفق مبادئ وليس وفق الحسابات السياسية. هذه القيم غير قابلة للتجزئة، وغير انتقائية، كما أنها مبادئية ولا تخضع للمساومة السياسية.
ويجب أن يمتد الالتزام الأخلاقي الذي اتبعته إدارة "بايدن" في أوكرانيا إلى علاقات أمريكا مع أنظمة الشرق الأوسط، ولا ينبغي أن يتفوق السعي إلى المصالح السياسية على الالتزام المعلن للإدارة الأمريكية بجعل قيم الديمقراطية في قلب السياسة الخارجية بما في ذلك العلاقات مع الأنظمة العربية.
المصدر | إميل نخلة | ريسبونسبل ستيتكرافت