- ℃ 11 تركيا
- 1 نوفمبر 2024
التوتر بين الجيش السوداني والدعم السريع.. صراع نفوذ يهدد العملية السياسية
التوتر بين الجيش السوداني والدعم السريع.. صراع نفوذ يهدد العملية السياسية
- 14 أبريل 2023, 8:39:35 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الوقت الذي يقف السودان على بُعد خطوات قليلة من إنهاء الأزمة السياسية في البلاد، واستعادة الحكم المدني، طبقا لما تم التوافق عليه في "الاتفاق الإطاري" الموقع في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، ظهر للعلن بعد طول كتمان خلافا علنيا بين رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البُرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما يشكل توترا كبيرا وخطراً على تنفيذ الاتفاق.
وبدأ السودان مسيرة التحول إلى الديمقراطية بعد انتفاضة شعبية أطاحت في أبريل/نيسان 2019، بحكم عمر حسن البشير، الذي حكم البلاد لنحو ثلاثة عقود.
وبموجب اتفاق أُبرم في أغسطس/آب 2019، وافق الجيش على تقاسم السلطة مع مدنيين ريثما يتم إجراء انتخابات، لكن ذلك الترتيب تعطل فجأة نتيجة حكم عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تسبب في سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية في أنحاء السودان.
ويمثل الجيش قوة مهيمنة في السودان منذ استقلاله عام 1956؛ إذ خاض حروباً داخلية، وقام بانقلابات متكررة ولديه حيازات اقتصادية ضخمة.
وخلال الفترة الانتقالية التي بدأت بالإطاحة بالبشير، وانتهت بالحكم العسكري عام 2021، زاد عمق هوة انعدام الثقة بين الجيش والأحزاب المدنية، حيث استمد الجانب المدني شرعيته من حركة احتجاج صامدة ودعم من أطراف من المجتمع الدولي.
وحظي الجيش بدعم داخلي من فصائل متمردة استفادت من اتفاق السلام في 2020، ومن المخضرمين في حكومة البشير الذين عادوا إلى الخدمة المدنية بعد الحكم العسكري.
ليتولى حميدتي الآن منصب نائب رئيس المجلس السيادي في السودان، الذي تولى السلطة إثر انقلاب آخر أواخر عام 2021، ومع ذلك، يقول مراقبون إنه ابتعد مؤخرا عن زملائه العسكريين ووجد أرضية مشتركة مع تحالف سياسي مدني.
وقال حمدتي في تصريخات قبل شهور، إنه اكتشف منذ اليوم الأول أن قرارات قائد الجيش عام 2021، التي أقصت الحكومة المدنية، نفذت لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول.
هذه التصريحات كانت بمثابة ظهور الخلاف المكتوم بين البرهان وحميدتي على السطح، وهو خلاف يُهدد مسيرة 4 سنوات هي عمر الفترة الانتقالية، حيث يتنافسان من تحت الطاولة ويتقاسمان ضمنيا النفوذ.
وقد استطاع الرجلان الوصول إلى معادلة صعبة للاحتفاظ بالسلطة الحقيقية في السودان في أيدي العسكريين، غير أن طرفَيْ المعادلة ومصالحهما بدأت تتبدَّل في ظل الاتفاق الإطاري، الذي ينص على إخراج الجيش من الحياة السياسية، وتشكيل حكومة مدنية تقود البلاد لفترة انتقالية، حيث يسعى كلٌّ من الجنرالَيْن الآن إلى إزاحة الآخر للانفراد بالسلطة العسكرية، وخاصة أن كليهما باتت لديه مصالح متضاربة وأوراق قوة وحلفاء في الداخل والخارج.
ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على الاتفاق النهائي بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة، بسبب خلافات بين البرهان وحمدتي، تتعلق بدمج قوات الدعم السريع في الجيش.
و"الدعم السريع" قوة مقاتلة يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وأُسست في 2013 لمحاربة متمردي إقليم دارفور (غرب)، ثم لحماية الحدود وحفظ النظام لاحقا، وهي تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا يوجد تقدير رسمي لعددها، لكنها تتجاوز عشرات الآلاف.
وعقب توقيع الاتفاق الإطاري، طالب الجيش بتنفيذ الاتفاق الذي قال إنه يقضي بدمج قوات الدعم السريع في الجيش، الذي سيحدد حركاتها؛ كما طالب بتبعيتها لوزارة المالية، وخضوعها للإجراءات الحكومية.
فيما قالت قوات الدعم السريع إنها تتمسك بالاتفاق الإطاري، ولا تعارض الدمج، ولكن وفق جداول زمنية، مع ضمان مساواة ضباطها بضباط الجيش في الامتيازات؛ كما طالبت قوات الدعم بوقف ما سمتها عمليات التجنيد في الجيش خلال هذه الفترة.
وقد طفت كذلك تسريبات عن خلافات بين الجهتين بشأن أحقية القيادة والتحكم خلال عملية الدمج وما بعدها.
هذا الخلاف لم يبق مكتوما كسابقيه، بل ظهر للعلن الخميس، حينما اتهم الجيش بقيادة البرهان، قوات الدعم السريع بقيادة حمدتي بالتحشيد والانتشار والتحرك داخل العاصمة الخرطوم، وعدد من المدن "دون موافقة قيادة الجيش".
وحذر الجيش السوداني مما وصفه "بتحشيد غير قانوني للقوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن"، من جانب قوات حميدتي.
إلا أن قوات الدعم السريع، قالت في بيان إنها تنتشر في جميع أنحاء البلاد في إطار واجباتها العادية.
وذكرت أنها "تنتشر وتتنقل في كل أرجاء الوطن، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب والمخدرات والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح أينما وجدت".
وأمام ذلك، أعلنت قيادات حركات سودانية مسلحة، بذل مساع بين الجيش والدعم السريع لإنهاء التوتر ونزع فتيل الأزمة الأمنية.
وقال بيان مشترك لرئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس الحركة الشعبية- شمال مالك عقار، إن هناك "تجاوبا من الجانبين" للوساطة، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
فيما يبدو من سير الأحداث، تتجه العملية السياسية في السودان إلى جولة معركة تدور حول طبيعة المؤسسة العسكرية نفسها، وإذا ما كانت ستنجح في إخضاع قوات الدعم السريع أم لا، وهي معركة ستحدد مستقبل العملية السياسية في السودان، وربما مستقبل البلد بأسره، في الوقت الذي تقترب فيه المرحلة الانتقالية من نهايتها.
ويرى مراقبون أن السيناريوهات أصبحت مفتوحة على جميع الاحتمالات، حيث أن التصادم على الأرض بين الجيش وقوات الدعم السريع "أمر وارد"، قياسا على التصعيد "الخطير" بعد التطورات الأخيرة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي محمد عثمان الرضي، إن سبب خروج قوات الدعم السريع على الأرض "غير واضح"، لكن هذه الخطوة يمكن فهمها على أنها "إبراز للقوة والعضلات".
ويضيف الرضي أن "قوات الدعم السريع ظلت طيلة الفترة الماضية تحت إمرة القوات المسلحة.. وتحركها على الأرض ربما يعكس مدى الطموح الخفي الذي تحمله هذه القوات".
ويتابع أن صدور بيان الجيش "لأول مرة ينذر بأن الأمر بلغ قمة التعقيد والخطورة، وهو بمثابة تحذير واضح وصريح بضرورة أن تلتزم قوات الدعم السريع حدودها وفقا للقانون".
بيد أن أستاذ العلوم السياسية الرشيد محمد إبراهيم، يصف تصرف قوات الدعم السريع بالنزول للشوارع دون إذن من الجيش "أشبه بالتمرد"، و"التصعيد الخطير".
ويضيف: "لا أستبعد أي مواجهات.. قوات الدعم السريع تفتقد لعنصر الخبرة وأركان مهمة في العمل العسكري والاستخباراتي وتفاصيل قد تجعلها أقرب إلى ارتكاب بعض الحماقات".
ويبدو أن إبراهيم متشائما وهو يقول إن تحرك قوات الدعم السريع "يؤثر سلبيا على العملية السياسية.. الآن القوات بهذا التصرف خلطت كل الأوراق".
ويشير إلى أن "فرص تنفيذ الاتفاق تبقى ضعيفة إن لم تلغَ" بشكل كامل.
ويتفق معهما القائد الأسبق لسلاح البحرية السوداني الفريق فتح الرحمن محيي الدين، وهو يقول إن المواجهة قائمة ما لم تنصع قوات الدعم السريع لتعليمات قيادة الجيش، وتتراجع عن كثير من المناطق التي انتشرت فيها دون موافقة الجيش.
وبيبن محيي الدين، أن قوات الدعم السريع إن لم تفعل ذلك، فإنها ستعتبر قوات متمردة.
واستبعد محيي الدين نجاح جهود الوساطة التي يقودها المدنيون لنزع فتيل الأزمة بين الجيش والدعم السريع.