- ℃ 11 تركيا
- 20 نوفمبر 2024
الجاسوسية أسرار وألغاز.. الحلقة الثامنة.. الجاسوس العراف
الجاسوس العراف
الجاسوسية أسرار وألغاز.. الحلقة الثامنة.. الجاسوس العراف
- 10 يونيو 2024, 7:59:42 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار و تغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.
ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطور الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان..
وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.
ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم
الجاسوسية أسرار والغاز.. الحلقة الثامنة
الجاسوس العراف .. خدعة جنونية بنتائج عسكرية مذهلة
أشرف فؤاد مصري لأم أوكرانية.. أربع سنوات من العمل السري والجائزة «وفاء»
المخابرات دربت أشرف على الكهانة.. يظهر كعراف تأتيه الهواتف بمعلومات غيبية
نبوءات عد مصطنعة أطلقت شهرته الفائقة في إسرائيل.. فطلبته نساء الطبقة الراقية وزوجات الجنرالات ليخبرهم بالمستقبل
العميل المصري اقتحم بيت قائد خط بارليف وصور تحصينات أقوى خط دفاعي في التاريخ
تعليمات صارمة بمغادرة إسرائيل قبل شن حرب أكتوبر حتى لا ينفضح أمره
كانت نشوة الانتصار تسكر عقول جنرالات اسرائيل بعدما حققوا نصر1967 وتوافد عشرات المهاجرين على اسرائيل بعد ان تأكدوا ان ذلك النصر لارجعة فيه، وأن اسرائيل ستصبح جنة الله في الأرض كما وعدتهم الدعاية الصهيونية التي ظلت تردد تلك الأكاذيب حتى صدقوها وبمنتهى العناية والدقة كان الأمن الاسرائيلي يفحص أوراق الوافدين للتيقن من هوياتهم وجنسياتهم، ومن بين هؤلاء كان (دافي كرينهال) مهاجر سوفييتي نحيل الجسم وضعيف القوة يثير الشفقة بملابسه الرثة وحقيبته البالية وربما لهذا لم يعره الأمن أي انتباه، ليتسلم بعدها أوراق اقامته في اسرائيل ويتم توزيعه مع المهاجرين الجدد الذين لا يمتلكون مهارة أو خبرة في مجال مهم الى أحد المزارع أو (الكيبوتز) ليعملوا بالزراعة الى ان يتم توفير فرصة عمل مناسبة لهم، ولمدة ثلاثة أشهر اخذ دافي يقص حكايته على جميع زملائه المهاجرين، فهو يهودي سوفييتي اعتقل الحزب الشيوعي والده وهو مازال في الحادية عشرة من عمره.
ولم يره مرة أخرى حتى توفيت والدته وصحبه رجل يوغسلافي الى تركيا وهناك ركب أحد السفن القادمة الى اسرائيل ممنيا النفس بأن يحقق أحلامه في أرض الميعاد، وحاز عطف الجميع خاصة وهم يرون ضعفه الواضح وعدم امتلاكه أي مهارة أو موهبة تؤهله للنجاة في هذا المجتمع القاسي، حتى كانت تلك الليلة عندما كان جالسا مع رفاقه ويتحدث مع جارته الفاتنة (راشيل) وأمها العجوز (استير) وفجأة زاغ بصره وشردت ملامحه وهو يقول بصوت عميق: - لقد اخطأ (يارون بلونسكي) كثيرا عندما رفض الاعتراف بما فعل، لقد شعر بالخزي والندم وقرر ان يدفع الثمن وسيدفع قريبا، تسمرت راشيل وأمها في مكانها من هول الصدمة فقد كان يارون بلونسكي هذا السبب في هجرة أسرة راشيل من العراق عندما ارتبط مع ابنتهم راشيل بقصة حب تطورت الى علاقة غير مشروعة ونتج عنها حمل سفاح، ولم يكد يارون يعلم به حتى استنكره تماما ورفض الاعتراف به وابتعد عن راشيل تماما ثم لم يلبث ان فر من بغداد ومن العراق الى جهة مجهولة تماما وبذلت أسرة راشيل جهدها لاخفاء هذا الأمر كليا، ولهذا كانت صدمتهم عندما سمعوا القصة على لسان ذلك المهاجر السوفييتي، الذي قال قولته وأغشي عليه وسط ذهول زملائه، وبعد ان أفاق حاولوا ان يستفسروا منه عن ذلك التصرف الا انه أخبرهم انه لا يتذكر انه قال شيئا من ذلك، وكان من الممكن ان ينتهي الأمر عند هذا الحد، الا انه في الأسبوع التالي مباشرة تلقت راشيل رسالة من أوروبا وبداخلها شيك بمبلغ ضخم يمكن صرفه من أي بنك في اسرائيل ويحمل توقيعا كاد قلبها ان يتوقف لرؤيته: يارون بلونسكي، وعلى ظهر الشيك كانت عبارة (تقبلي اعتذاري) بخط يارون نفسه.. وطارت الأسرة فرحا بهذا المبلغ الضخم وأخذوا يقصون على الجميع نبوءة دافي التي تحققت، دون ان يتطرقوا لعلاقة يارون براشيل، وانتشر أمر النبوءة في المزرعة واخذ الجميع ينظرون في انبهار الى دافي الذي استنكر كل ذلك وأخبرهم انه لا يعلم شيئا، وفي سهرة صاخبة في نهاية الأسبوع فاجأ دافي الجميع بنبوءة أخرى عندما زاغ بصره وشردت ملامحه.. وقال لهم: خسارة ان يتلف محراث جميل كهذا، ثم عاد الى وعيه وأنكر تماما انه قد قال أي شيء، وانطلق الشباب يفحصون كل المحاريث في المزرعة والتي كانت جديدة تماما ثم عادوا ليعلنوا ان المحاريث بحالة جيدة وليسخر الجميع من نبوءة دافي العجيبة، ولكن في اليوم التالي مباشرة انكسر المحراث الرئيسي في المزرعة دون أي سبب، لينظر الجميع الى دافي في ذهول، وينتشر خبر ذلك العراف في المزرعة والمزارع المجاورة ويبدأ الناس في التوافد عليه لرؤيته وليطلبوا منه ان يخبرهم بأي نبوءة مستقبلية لهم، ورغم ان الشاب كان يرفض ذلك تماماً الا انه في بعض الحالات كان يشرد في تلك الحالة العجيبة من الشرود ويدلي بنبوءة هنا وهناك تتعلق بماضي أحد الحاضرين أو مستقبله، مما أكد للجميع انه لا يتحكم في موهبته ولا يعلم عنها شيئاً.
ومع الوقت خرج الأمر من حيز المزارع الريفية البسيطة الى أرض منطقة أكثر رحابة ليفاجأ دافي ذات يوم بضيف من ذوى السترات الرسمية يطلب مقابلته، ليخبره ان يستعد للسفر الى تل أبيب.
عملية جنونية
وفي الطريق الى تل أبيب في تلك السيارة الفارهة التي يقودها نفس الشخص الذي زاره في المزرعة وبجانبه شخص آخر برتبة أكبر، أخذ دافي كرينهال يتذكر كيف بدأت تلك القصة، وفي نفس اللحظة وعلى بعد مئات الأميال وفي قلب العاصمة المصرية القاهرة، اندفع مسؤول الشفرة الى مكتب رجل المخابرات الشهير (أمجد) وهو يقول له: لقد ابتلعوا الطعم، واستدعوه الى تل أبيب.. ليبدأ الجزء الثاني من العملية الجنونية التي وضع أمجد خطتها بنفسه عندما التقى مصادفة بذلك الشاب ذي الثياب الرثة التي تدل على فقر شديد انعكس على صاحبها الذي بدا شاحبا الى أقصى حد وان لم يمنع ذلك تلك النظرة العبقرية التي تطل من عينيه، والتي استغلها الشاب في التحايل على البسطاء ليحصل على قوت يومه عن طريق اقناعهم بأنه (شخص مكشوف عنه الحجاب) وكان لملامحه الغريبة أكبر الأثر في ذلك، وليتلقفه أمجد ليتعرف عليه وليعرف منه قصته الحزينة، وعلم ان اسمه أشرف فؤاد الطحان.. شاب مصري، كان والده فؤاد من أسرة مصرية بسيطة اقتطعت من قوت يومها لتعليم ابنهم الأكبر فؤاد ليحصل على شهادة الهندسة أملا منهم في ان يرفع مستوى عائلتهم الاجتماعي، ويلتقي فؤاد بالأوكرانية (هيلغا بتروفا) ويرتبط الاثنان بقصة حب عنيفة لم يستطع والدها الذي يعمل في أحد الدواوين الحكومية المصرية ان يعرقلها، لتنتهي بزواج الاثنين وكان أشرف هو ثمرة ذلك الزواج، ولم يكتب الله لفؤاد ان يرى ابنه قط، فمات في حادث أليم قبل ولادة أشرف بيوم واحد، ليولد الطفل يتيما ولا يعرف عن أبيه الا تلك الصورة المعلقة في صالة دارهم والتي تعود ان يشاهد أمه يوميا وهي تبكي بجوارها، وحتى العاشرة من عمره تعود الطفل على ان يقضي الشتاء
في كنف أمه وجده السوفييتي، والصيف في مصر مع عائلة أبيه، وهكذا نشأ الصبي وهو يجيد التعايش مع العادات السوفييتية والتحدث باللغة الروسية بلهجة أهل أوكرانيا، بالاضافة الى عشقه لمصر وتحدثه باللغة العامية، وفي الحادية عشرة من عمره توفيت والدته، ليأخذه جده الى أوكرانيا خلسة بسبب تمسك أهل والده به، وهناك عانى الصبي بسبب فراق مصر وأهل أبيه، واخذ في النحول والانطواء، وعندما كبر استطاع الهروب من القبضة الحديدية السوفييتية وظهر في الاسكندرية وذهب الى منزل أهل والده وكانت المفاجأة ان المنزل كان قد انهار ودفنت تحت انقاضه كل أفراد الأسرة باستثناء ابنة عمه (وفاء) التي كانت تراسله أثناء وجوده في أوكرانيا وكان يكن لها حبا كبيرا، واخذ يبحث عنها في كل مكان ولم يجدها بعد ان اختفت من الحي الذي نشأت فيه واسودت الدنيا في وجهه وانتهى به الأمر وهو يتسول لقمته في المساجد، الى ان تلقفته أيدي المخابرات المصرية، ودارت كل تلك المشاهد في رأس (دافي كرينهال) أو (اشرف فؤاد) وهو جالس في تلك السيارة التي تقله الى تل أبيب، وبعد ساعة أو يزيد توقفت السيارة أمام مبنى كبير انيق وأنزله مرافقه منها في شيء من الصرامة وقاده الى صالة
ذلك المبنى الأنيق، وبعد دقائق فوجئ بامرأة انيقة ممتلئة الجسم تقول له:
أأنت دافي كرينهال؟ تماما كما وصفوك، كانت تلك المرأة هي زوجة الجنرال (كوهين) أحد قادة الجيش الاسرائيلي، التي طلبت احضار دافي بعد ذيوع صيته وشهرته في تلك الفترة التي كان المجتمع الاسرائيلي غارقا في شهوة النصر.
أضواء الشهرة
جذبت الجميع أضواء الشهرة وحب الظهور وأخذ كل منهم يبحث عن شيء جديد ليتفرد به ببن أقرانه، وفي مساء تلك الليلة تم اعداد دافي كرينهال للحفل الذي تقيمه زوجة الجنرال، والذي يحضره والجنرالات وزوجاتهم الذين لم يعيروا دافي أي انتباه على اعتبار انه مجرد موضة أو صرعة، وستزول، وكان الانبهار يملأ دافي من داخله، لأن كل ذلك قد أخبره به رجل المخابرات المصري أمجد منذ ان كان في القاهرة أثناء فترة اعداده مما أعطاه ثقة كبيرة وراح يختلط بالحاضرين وجلس وسط زوجات الجنرالات يستمع لأحاديثهم وهم في انتظار ان يلقي بأحد تنبؤاته، وفجأة راح في تلك الحالة التي كان يجيد تمثيلها، ونظر تجاه زوجة سكرتير وزير الصناعة وقال لها:قصة ميراث بلغاريا لا أساس لها من الصحة، وانطلق يخبرها عن الكثير من أحداث ماضيها الذي لا يعلمه احد ثم ختم حديثه بعبارة: ولكن زوجك يواجه خطرا كبيراً جداً.. ووسط ذهول الجميع اعترفت زوجة السكرتير بصحة كل ما قاله دافي، وفي صباح اليوم التالي وصلت الى النائب العام الاسرائيلي كومة من الملفات والوثائق التي تثبت تورط سكرتير وزير الصناعة الاسرائيلي
في وقائع فساد ورشوة واستغلال نفوذ، وكانت فضيحة كبرى في اسرائيل، وقنبلة انفجرت حول دافي الذي أصبح العراف الرسمي لجنرالات اسرائيل، وبالطبع كل النبوءات السابقة كانت من اعداد المخابرات المصرية التي نشرت شبكة كاملة حول دافي لتمده بكل المعلومات التي يستطيع استغلالها بموهبته الفطرية في القاء النبوءات بدءاً بنبوءة راشيل ويارون حيث تكبدت المخابرات المصرية المشقة في سبيل العثور على يارون واقناعه انهم أهل راشيل واجباره على توقيع الشيك والاعتذار، وأيضا حادثة المحراث التي دبرها عميل آخر كان يعاون دافي في نفس المزرعة وانتهاء بنبوءة سكرتير وزير الصناعة الذي فضحته المخابرات المصرية، ومع ذيوع صيت دافي أصبح ضيفاً دائماً على حفلات جنرالات اسرائيل وكان يسير بينهم في منتهى الحرية ويستمع بنفسه الى أهم الأخبار والمعلومات ويقوم بنقلها مباشرة الى القاهرة، حيث تستقبلها مجموعة خاصة مهمتها الأساسية هي تلقي المعلومات من ذلك المصدر الخطير الذي أمد القاهرة بمعلومات غاية في الدقة.
جهاز كشف الكذب
ومع انتشار أخباره في المجتمع الاسرائيلي كان من الطبيعي ان تهتم المخابرات الاسرائيلية به،و هو ما كانت المخابرات المصرية تتوقعه وتم بالفعل اصطحاب دافي الى مقر الموساد للتحقيق معه، ومراجعة أوراقه بل وتم فحصه بجهاز كشف الكذب الذي كان قد تدرب على خداعه على يد رجال المخابرات المصرية وجاءت النتيجة سلبية تماما، مما أعطاه ثقة بلا حدود في المخابرات المصرية، وتوطدت صلاته بالجنرالات وكبار المسؤولين وتسابقوا لاستضافته في منازلهم حتى انه على مدار سنوات قضاها في اسرائيل من العام 1968 حتى 1973، لم يكن له مسكناً مستقلاً، وفي احد الأيام القي دافي بنبوءة أخرى على مسامع الجنرال كوهين حيث قال له: ستثبت جدارتك حقا في قيادة خط بارليف يا جنرال، ومع دهشة الجنرال وفرحته كانت المفاجأة عندما تلقى تكليف الوزارة له بقيادة الحصون الشمالية في خط بارليف، وهنا قام الجنرال كوهين باصطحاب دافي الى منزله ليقيم هناك في حجرة صغيرة اقامة شبه دائمة، باعتباره العراف الخاص به ويجب ان يستأثر به لنفسه، حتى في الأيام التي كان الجنرال يقضيها في خط بارليف كان يتركه في المنزل مع زوجته لتعرضه على صديقاتها باعتباره حيوانها الأليف.
وتلقى الشاب رسالة من المخابرات المصرية ان يجهز نفسه للسفر الى قبرص خلال أسبوع وعلى الرغم من تأكده التام ان الجنرال سيرفض ان يتركه ولو لمدة يوم واحد، الا انه فوجئ بالجنرال نفسه يخبره ان يستعد للسفر في رحلة ترفيهية في نفس اليوم الذي حددته المخابرات المصرية، وعلل ذلك بأن أحد أصدقائه المهمين يمتلك شركة سياحية تدعى (ماغي تورز)، ويريد ان يستضيف دافي لمدة أسبوع في رحلة الى قبرص بغرض الدعاية بل، وأعطاه ألف شيكل لينفقها على تلك الرحلة هدية منه، ليتأكد دافي انه يعمل مع جهاز مخابرات عبقري، وفي قبرص كانت المفاجأة عندما التقى رجل المخابرات المصرية أمجد شخصيا والذي أعطاه جهاز ارسال واستقبال وكتاب الشفرة والحبر السري والتعليمات الجديدة، وعاد دافي الى اسرائيل مرة أخرى ليتخذ من منزل الجنرال كوهين مركز ارسال واستقبال للمعلومات والرسائل المشفرة، واستمر دافي في عمله المثير حتى كانت تلك الليلة في أواخر عام 1972 عندما استقبل رسالة شفرية من المخابرات المصرية تطلب منه القيام بشيء خطير بل ومستحيل، وفي اليوم التالي وبينما كان الجنرال يحكي لزوجته المتاعب والصعوبات التي تواجهه على خط بارليف وفي وجود دافي الذي يستمع ويخزن لكل تلك المعلومات بعد ان اعتبره الجميع وكأنه لا وجود له ويتحدثون أمامه بمنتهى الحرية في كل الموضوعات حتى انه وصف نفسه في تقاريره (لقد أصبحت مثل الرجل الخفي).
المهمة المستحيلة
وفي أحد الأيام فاجأ دافي الجنرال بسؤال غريب: كيف يبدو خط بارليف من الداخل؟؟، ولصعوبة السؤال اندفع الجنرال يسأله في شك؟ ولماذا تسأل؟ هذه أمور سرية؟.. وهنا زاغ بصر دافي وشردت ملامحه كعادته عند القاء النبوءات وقال: الجنرال كوهين.. خط بارليف.. التاريخ، وانتفضت زوجة الجنرال من مقعدها وهي تسأله عما يعنيه وربط الجميع بين تلك النبوءة وبين سؤاله عن خط بارليف من الداخل، اذن الجنرال كوهين سيدخل التاريخ بقيادته لخط بارليف وأقنعت الزوجة الباحثة عن الشهرة زوجها بضرورة ان يصطحب دافي معه الى داخل خط بارليف، لعله تأتيه نبوءة أخرى توضح الأمور واقتنع الجنرال بدوره وتم تحديد موعد لكي يصطحب دافي معه، وكان هذا ما طلبته المخابرات المصرية حرفياً من دافي وهو محاولة الدخول الى خط بارليف بأي طريقة.. وفي الموعد المحدد في أوائل مارس 1973 كان دافي جاهزاً للذهاب مع الجنرال الى خط بارليف بتلك السترة الجديدة ذات الأزرار الكبيرة اللامعة، وكانت تلك السترة هي أهم شيء في رحلته العسكرية فبداخل أزرارها الكبيرة كانت تختفي آلة تصوير دقيقة تحوي ميكروفيلما خاصا لالتقاط كل الصور الممكنة لخط بارليف من الداخل لكشف تفاصيل أقوى خط دفاعي عسكري عرفه التاريخ، وكان هذا هو هدف تلك العملية العجيبة من البداية، وذهب دافي الى خط بارليف وتجول داخله بمنتهى الحرية بصحبة الجنرال ليلتقط كمية هائلة من الصور من كل الزوايا لكافة التحصينات الداخلية للخط المنيع وأحس الجنرال بالغيظ عندما لم يطلق دافي أي نبوءة في هذا اليوم وبعد عودته سلم دافي الميكروفيلم الى عميل آخر قام بنقله الى القاهرة وراح الرجال يراجعون ويدرسون كل الصور الملتقطة ليتمكنوا في النهاية من صنع نموذج كامل ثلاثي الأبعاد لحصون خط بارليف، كما تمكن الجيش من اقامة وحداته بالحجم الطبيعي ليتدرب عليها رجال الصاعقة والكوماندوز انتظاراً للحظة الحسم.
نهاية النبوءة
واستمر دافي في أداء مهمته من داخل منزل الجنرال كوهين قائد الجبهة الشمالية لخط بارليف حتى أواخر عام 1973، عندما استلم برقية من المخابرات تطلب منه مغادرة اسرائيل فورا، وأعطته رقم تلفون ليتصل به على الفور، وتم تحديد مكان اللقاء داخل اسرائيل في الليلة ذاتها وهناك التقطته سيارة الى مطار بن غوريون مباشرة ليركب واحدة من طائرات شركة العال الاسرائيلية ضمن فوج سياحي من شركة (ماغي تورز) متجهة الى روما، وهناك وجد امجد في انتظاره ليستقلا طائرة الى مصر مباشرة، ورغم حيرته وتساؤله عن تلك الطريقة البوليسية العاجلة لانهاء مهمته واخراجه من اسرائيل الا ان امجد لم يعطه الجواب الشافي بل عرفه هو بنفسه عندما اندلعت حرب أكتوبر بعد أسبوع واحد من وصوله الى مصر، لقد خافت المخابرات المصرية على عميلها ان ينكشف بعد الحرب عندما يبحث الاسرائيليون عن المصدر الذي سرب كل تلك المعلومات الخطيرة وآثروا انهاء العملية حفاظاً على حياة عميلهم، وفي القاهرة وجد دافي الذي عاد الى اسمه الحقيقي، اشرف فؤاد وجد كل الرعاية من المخابرات المصرية حتى انهم أعطوه راتبه عن السنوات الأربع التي أمضاها في اسرائيل وشقة في أرقى أحياء القاهرة وسيارة ووظيفة جديدة، وأعطوه أيضا الجائزة الكبرى، ابنة عمه وفاء التي اختفت بعد انهيار منزل عائلته وبحثت عنها المخابرات المصرية حتى وجدت ما كان أشرف يعتبره حب عمره الضائع.
رابط الــ pdf