- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
الجاسوسية أسرار والغاز: أسرار الصاروخ "حيتس" تحت أحذية المخابرات المصرية
الجاسوسية أسرار والغاز: أسرار الصاروخ "حيتس" تحت أحذية المخابرات المصرية
- 6 مايو 2024, 8:49:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لأن الجاسوسية هي السلاح الرابع كما يطلقون عليها، بعد سلاح الطيران والبحرية والقوات الجوية، فهي اولاً وأخيراً تعتمد على عقول ماهرة تبني الحقائق، وتحلل المعلومات وتستخلص النتائج وتضع الخطط، وتصنع ما لا يتخيله عقل او منطق من خداع وحرب خفية اسلحتها الذكاء، والشفرة، والرموز، وأجهزة الارسال اللاسلكي، وآلات التصوير، إلى جانب العامل البشري، واللجوء لشتى السبل من إغراء أو تهديد أو إرهاب وخلافه لتجنيد الجواسيس، لذلك أصبحت الجاسوسية هي الأداة الأساسية في تحديد السياسات الدبلوماسية للدولة الحديثة، وكذلك هي المستشار الخفي والأمين لرؤساء الجمهوريات والحكومات عند اتخاذ القرارات المصيرية التي يتوقف عليها مصير الدولة.
ولأهمية الجاسوسية أفردت لها الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية صفحاتها لتسجيل أغرب الحوادث وأندر الحالات، وهو ما حاولت جمعه وطرحه بين يدي القارئ في سلسلة «الجاسوسية أسرار وألغاز» التي سبق أن نشرتها في جريدة «النهار» الكويتية في عام 2013. ولأهمية الموضوع ولحب الجمهور لقراءة ملفات المخابرات، نعيد نشرها في موقع «180 تحقيقات»... خدمة لقراء الموقع الأعزاء إلى قلوبنا.. وذلك بمعدل حلقة أسبوعية ننشرها يوم الاثنين من كل أسبوع .
الحلقة الثالثة
أسرار الصاروخ "حيتس" تحت أحذية المخابرات المصرية
"ﺣﻴﺘﺲ" ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﺩ ﺻﺎﺭﻭﺥ.. بل هو ﺃﻫﻢ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺩﻓﺎﻉ ﺟﻮﻱ في إسرائيل وربما ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ
الإسرائيليون ذهبوا بأقدامهم ومعلوماتهم إلى الخبراء في القاهرة
ﺗﻌﺪﻳﻞ ﺷﻔﺮﺓ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ.. ﻭﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍلمﺼﺮﻳﺔ ﺗﻌﻠﻢ ﻋﻨﻪ ﻣا ﺗﺠﻬﻠﻪ ﺗﻞ ﺃﺑﻴﺐ
ﺍلمسؤولون ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﻮﻥ ﺷﻜﻠﻮﺍ ﻓﺮﻗاً ﻟﻠﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺗﻌﺪﻳﻞ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﺍﻟﺴﻼﺡ.. ﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ
ﻣﺴﺘﻮﻃﻨﻮﻥ ﻳﺴﺨﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ ﻭﻳﻄﺎﻟﺒﻮﻥ ﺑﺘﻮﻟﻲ ﻣﺼﺮﻱ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ
لم يعد غريباً ان نفاجأ بين الحين والآخر باعتراف اسرائيلي صريح بالعبقرية المصرية، وفي المقابل الغباء الاسرائيلي ما يتأكد معه ان العدو الصهيوني ليس بالذكاء ولا العبقرية التي تشيعها عنه أجهزة الاعلام الجبارة التي يمتلكها ويديرها لحسابه وتتنشر الأكاذيب لصالحه، وقد كانت مفاجأة سارة لكل مصري وعربي، عندما أكد المانشيت الرئيس لصحيفة معاريف الاسرائيلية في عدد صدر قبل أعوام بأن برامج الصاروخ حيتس كتاب مفتوح أمام المصريين وذلك تحت عنوان فضيحة منظومة الصواريخ حيتس، وتزداد الفرحة بالطبع عندما يعلم ان الصاروخ حيتس ليس مجرد صاروخ أرض - جو عادي، يستخدم في الدفاعات الجوية الاسرائيلية لحماية السموات الاسرائيلية، فهو في واقع الأمر أهم وأخطر منظومة دفاع جوي في اسرائيل وربما في العالم، استثمرت فيها اسرائيل مئات المليارات من الدولارات، وعشرات السنوات بمساعدة ودعم أميركي مفتوح، بعد ان توصل الاستراتيجيون الاسرائيليون والأميركيون بعد حرب الخليج الثانية مباشرة، الى ان التهديد الحقيقي الذي قد يواجه اسرائيل في أي حرب شاملة مع دول المواجهة العربية يتمثل في الصواريخ الباليستية التي تعتمد عليها الجيوش العربية بشكل رئيس.
وتحمست الولايات المتحدة الأميركية لمساعدة اسرائيل بجدية، في تنفيذ مشروعها للدفاع الصاروخي بعد فشل منظومة بطاريات الصاروخ باتريوت الأميركية التي نشرت في اسرائيل آنذاك عن صد صواريخ سكود العراقية التي سقطت في العمق الاسرائيلي، وعلى الرغم من ان هذه الصواريخ لم تحدث في حينها أضرارا بالغة الا ان السرعة التي تطور بها قدرة الصواريخ الباليستية، ودقتها في تحديد واصابة أهدافها. جعلت من الصاروخ حيتس (السهم بالعبرية) مشروعا قوميا اسرائيليا، وعكف العلماء الاسرائيليون على تطوير تلك المنظومة الصاروخية حيتس الموجهة الكترونيا، وأنفقوا ملايين الدولارات، في مشروع مواز لبناء منظومة تحكم عالية التقنية تقوم بمهمة تشغيل بطاريات الصواريخ، وربطها بأجهزة الرادارات والتحكم الأخرى الكترونيا. وعرفت المنظومة الأخيرة باسم (حوما) أي السور باللغة العبرية أيضا. اللغة العبرية التي كانت ثقب الباب الضيق الذي نفذت منه عيون المصريين لتغترف المعلومات المفيدة عن منظومة الصواريخ الدفاعية حيتس وتحولها من مظلة أمان لاسرائيل، الى مظلة مثقوبة تكشف أكثر مما تستر.
مفاجأة مذهلة
كانت مفاجأة مذهلة بكل المقاييس هزت اسرائيل منذ شهور وكشفتها صحيفة معاريف بالصدفة البحتة، ولم تكتشفها أجهزة اسرائيل الأمنية من موساد وشاباك، واستخبارات حربية أمان واستخبارات تكنولوجية الوحدة (8200). هي ان المهندس وعالم الالكترونيات الذي أشرف على تطوير برنامج تشغيل منظومة حيتس الاسرائيلية هو مهندس مصري يقيم في القاهرة، ويعمل مصمم برمجيات في فرع شركة عالمية للحاسب الآلي بالقاهرة.
والحقيقة ليس هناك في الدنيا أصدق من مدح أو ثناء يصدر من أعدائك، خاصة لو كانوا مثل الاسرائيليين يجادلون في أبسط الحقائق البديهية، وينكرون وقائع تاريخية ويلفقون أخرى. لقد بدأ السبق الصحافي الذي انفردت به معاريف عن سائر الصحف الاسرائيلية بالحقيقة المجردة التالية: لعب العالم والمبرمج المصري خ.ش دورا مهما ومحوريا في حماية السموات الاسرائيلية من تهديدات ومخاطر الصواريخ الباليستية. وخ. ش مهندس كمبيوتر عبقري وموهوب وفي الشهور الأخيرة تبادل خ. ش هو وطاقم عمل من الخبراء المصريين الرسائل الالكترونية مع نظرائهم الاسرائيليين العاملين بفرع الشركة اسرائيل. ودارت المناقشات والرسائل المتبادلة حول تحديد واصلاح عدد من العيوب التي ظهرت في برنامج الكمبيوتر المعروف باسم (motif)، هو البرنامج الرئيس الذي تعمل من خلاله منظومة الصواريخ الدفاعية الاسرائيلية المشهورة باسم الصاروخ حيتس.
وعاجلت الصحيفة القراء بالصدمة الثانية ان المعلومات السابقة ليست قصة من وحي الخيال العلمي، ولاهي احدى قصص الاثارة الشيقة، بل هي الحقيقة التي اكتشفتها صحيفة معاريف وغفلت عنها جميع الأجهزة الأمنية باسرائيل، ولم تعرف عنها شيئا الا عندما أسرعت هيئة تحرير الصحيفة بتقديم بلاغ رسمي يحتوي على جميع المعلومات التي توصلوا اليها، وهي ان علماء ومبرمجين مصريين يقيمون في القاهرة، يعملون منذ شهور طويلة مع علماء ومبرمجين اسرائيليين يقيمون في تل أبيب، ويتعاونون في اصلاح عدد من العيوب الفنية والالكترونية ظهرت في المنظومة الدفاعية للصاروخ حيتس. وبالتحديد في برمجيات المنظومة السرية المعروفة بالاسم الكودي (حوما السور) ومهمتها تشغيل بطاريات الصواريخ من طراز حيتس.
وتوضح معاريف ان جميع المعلومات الآن بحوزة المخابرات المصرية، بعد التأكد من توجيهات معينة من المخابرات المصرية الى خ. ش.
أما أكثر السيناريوهات سوداوية للصهاينة هو ان جميع المعلومات الآن بحوزة جهات معادية قد تكون نجحت في تخريب منظومة الصاروخ.
وأكدت الصحيفة كذلك انها تنشر هذه المعلومات وهي في منتهى الحزن، فلا يعقل ان نتصور ان العلماء الأميركيين الذين عكفوا في أربعينيات القرن الماضي على تطوير أول قنبلة نووية، جلسوا يناقشون تفاصيل بناء هذه القنبلة مع نظرائهم في موسكو، عبر أسلاك الهاتف مثلا.
فضيحــة
معاريف تعتبر ما حدث فضيحة استخباراتية بكل المقاييس، والذي يضاعف حجم الفضيحة وأبعادها ان الأجهزة المعنية في اسرائيل ظلت غارقة في سبات عميق، حتى توجه اليهم عدد من صحافيي معاريف بالمعلومات التي توصلوا اليها بمحض الصدفة من خلال ترددهم على فرع شركة الكمبيوتر في اسرائيل، ومع ذلك لم يسمح للصحيفة بالنشر سوى بعد ان بدأت طواقم من وزارة الدفاع ومن جهاز الاستخبارات الاسرائيلية التحقيق في القضية منذ عدة أسابيع، وبعد ان تم تكوين طواقم فنية لكي تقوم بعملية تمشيط دقيقة لجميع المنظومات الالكترونية، داخل منظومة الصاروخ حيتس، وتنظيفها، حسب تعبير الصحيفة، وتحديد مواقع البرامج التجسسية التي زرعها المصريون وتحييدها، والبحث عن أي برامج تجسسية من تلك المعروفة باسم حصان طروادة قد تكون مثبتة داخل منظومة الصاروخ حيتس لتخدم الجهات المعادية لاسرائيل في الوقت المناسب.
جهات التحقيق لم تحسم أمرها بعد، ولا تعرف بالتأكيد هل جرت محاولات مصرية للسيطرة على المنظومة الدفاعية الاسرائيلية، أوغرس برامج تجسس بداخلها، وبالطبع حتى لو اكتشفوا برامج من هذا النوع، فمن غير المتوقع ان ينشروا التفاصيل الكاملة لفضيحتهم. ويؤكد بن كسبيت الصحافي الأشهر بمعاريف ان التقصير الأمني الاسرائيلي حدث بحسن نية، ولم تكن هناك دوافع اجرامية أو تجسسية، ولكن الخطأ الكبير هو المخالفة الحمقاء لأبسط قواعد المنطق، فبالفعل هناك علاقات سلام بين مصر واسرائيل، وسعت الأخيرة منذ توقيع اتفاقيتي السلام ديفيد لتشجيع العلاقات التجارية والزراعية، لكن يجب وضع خط أحمر واضح، وبارز ومطلق عندما يتعلق الأمر بمنظومة صواريخ دفاعية حساسة الى هذا الحد.
فالمخابرات المصرية مشهورة بنجاحاتها، وعملياتها الابداعية، ولا شك ان لديهم وسائلهم التي تمكنهم من الاطلاع على كل ما يحدث داخل شركة الكترونيات عالمية تعمل في قلب القاهرة، وهي في ذلك لا تشذ عن الموساد أو وكالة الاستخبارات الأميركية أو أي جهاز يتبع أبجديات العمل الاستخباري، وأضاف بن كسبيت لذلك فان الافتراض المنطقي الآن هو ان كل ما تم تبادله من معلومات هذا الشأن بين العلماء المصريين والعلماء الاسرائيليين حسني النية معروف ومتاح برمته لأجهزة الاستخبارات المصرية، اذا لم يكن الأمر أخطر من ذلك.
ويوضح خبير عسكري اسرائيلي مدى الخطورة التي يستشعرها الاسرائيليون من هذه العملية الغامضة، قائلا: ان الجيش الاسرائيلي يعتمد في أكثر من 80% من أدائه وعملياته على انظمة قتالية متطورة، من ضمنها منظومة الصواريخ حيتس التي تعتمد كليا على أساليب التشغيل الالكتروني، شأنها في ذلك شأن سلاح الجو الاسرائيلي الذي يعتمد على النظام الالكتروني في تنفيذ عملياته، وبقية الأسلحة التي تستعين بعشرات بل مئات البرامج الالكترونية الأخرى، وتابع الخبير الاسرائيلي: في الماضي كنا نضغط على الزناد بقوة لكي نطلق رصاصة، أما الآن فلكي نطلق صاروخ حيتس أرض- جو أو قنبلة موجهة بالليزر، ولتشغيل أو ايقاف أجهزة الرادار المتطورة، نضغط برقة على مفتاح Send، بجهاز الكمبيوتر، ومن أبرز الأمثلة العملية على ذلك عندما حلقت الطائرات الاسرائيلية من طراز اف 16 فوق مخيم عين الصاحب في سورية، فان قائد سلاح الجو الاسرائيلي دان حالوتس كان يجلس على مقعد وثير في مكتبه بتل أبيب وأرسل للطيارين صورا للمنطقة التي يحلقون فوقها بالايميل، وعلى الصور سهم أحمر يحدد الهدف المراد تدميره. وفي هذه اللحظة فقط يقوم الطيار بمطابقة الصور الالكترونية، مع صور المنطقة، التي بحوزته من قبل، ويحدد الهدف ويضغط مفتاح Send.
أضاف: وبالتالي وبناء على هذا الشرح المستفيض، يكفي برنامج اختراق صغير يتم تثبيته وسط هذه المنظومة الالكترونية لكي يدمر العملية التي تقوم بها الاف 16 بالكامل، أما بالنسبة للصاروخ حيتس فان الأمر أعقد من ذلك بكثير فأي خبير كمبيوتر متمكن يستطيع ان يزرع داخل منظومة التشغيل برنامجا صغيرا من طراز حصان طروادة وهو برنامج، فعال ومدمر، مصمم بحيث يعمل فور تشغيل المنظومة، ويتسبب في تدميرها وانهيارها فورا. وبناء على هذه المعلومات البديهية ترسم معاريف السيناريو التالي عندما يأتي يوم الحساب وتبدأ الصواريخ الباليستية (العربية طبعا) في قطع طريقها بسرعة البرق نحو السماوات الاسرائيلية، لتسقط شظاياها على رؤوس الاسرائيليين، وتصدر الأوامر بسرعة أيضا، بتشغيل منظومة حوما الالكترونية، قد نفاجأ بأنها غير قادرة على العمل، وأنها تتهاوى أمام أعيننا، ولا تنطلق الصواريخ الدفاعية التي انفق عليها البلايين، أو تنطلق الصواريخ لكن تنحرف عن مسارها وتخطئ أهدافها وفي أسوأ الأحوال تنفجر في الهواء على رؤوسنا فور انطلاقها، وعلى الرغم من ان البعض قد يعتقد ان هذا السيناريو خياليا بعض الشيء،
الا انه للأسف نفس السيناريو الذي تجرى دراسته في أهم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في اسرائيل. محررو معاريف الذين اكتشفوا تفاصيل الفضيحة، أعلنوا ان لديهم وثائق تدل على الصلة الوثيقة والاتصالات شبه اليومية التي دارت بين مهندسي شركة الكمبيوتر فرع اسرائيل، ونظرائهم المصريين في فرع الشركة بالقاهرة، والمجهودات المشتركة التي بذلوها لاصلاح عيوب برنامج تشغيل الصاروخ حيتس، لكن الأخطر من ذلك فعلا، هو ان المعلومات التي حصلت عليها معاريف، ونشرتها تؤكد ان الجيل التالي من هذا البرنامج المعروف باسم motif سيتم تصميمه وتطويره في فرع الشركة بالقاهرة، تحت اشراف مهندسين مصريين بالطبع، ثم يتم ارساله الى تل أبيب ليتدربوا عليه، ثم يتم احلاله محل الجيل الحالي من البرنامج.
المفتاح الرئيس
والسؤال البديهي الذي بدأ بالتأكيد يطرح نفسه هو كيف تم التعاون بين المهندسين المصريين والاسرائيليين في تطوير برنامج بهذه الخطورة العالية والحساسية البالغة بالنسبة للاسرائيليين، الحقيقة ان الأمر بسيط للغاية، ربما كان المفتاح الرئيس فيه هو اللغة العبرية، نعم اللغة العبرية، فأساس المشكلة التي واجهت مهندسي وزارة الدفاع الاسرائيلية ان جميع البرامج الالكترونية متوائمة مع اللغة الانكليزية بالأساس، واذا أراد الاسرائيليون عبرنة البرنامج فالحل هو التوجه لفرع شركة الكمبيوتر في القاهرة، وهو بالمناسبة أكبر فرع للشركة في الشرق الأوسط وهو الفرع الوحيد المرخص له تحويل مواءمة البرامج من اللغة الانكليزية، الى اللغات السامية - العربية والعبرية، وبالتالي فقد جاء الاسرائيليون بأقدامهم ومعلوماتهم الى الخبراء المصريين، ليحلوا لهم مشاكلهم التقنية التي عجزوا عن معالجتها،
وعلى الرغم من ان صحيفة معاريف أوردت جميع هذه المعلومات، وأشارت الى ان اسرائيل لا يمكن ان تتهم مصر بأي مسؤولية، ولا تحملها اهمال العلماء الاسرائيليين، الا انها استنكرت بالطبع ان تطبق هذه القواعد على برنامج تشغيل منظومة الصواريخ الدفاعية الاسرائيلية، وخاصة انه أمر في غاية الحساسية ومن غير المبرر، من وجهة نظرهم، ان يجري تطوير هذا البرنامج الخطير الذي سيحمي السماوات الاسرائيلية، في معامل بقلب القاهرة. وادعت الصحيفة نقلا عن مسؤول كبير بسلاح الجو الاسرائيلي: أن العلماء الاسرائيليين المسؤولين عن العملية وفقوا أوضاعهم، وأوقفوا الاتصالات مع المصريين، ولو ان هذه الخطوة تأخرت كثيرا، لكن كل شيء تحت السيطرة، أو الفحص، بقيادة طاقم خاص أقيم لهذا الغرض.
لكن صحيفة معاريف نسبت لمصادر في وزارة الدفاع الاسرائيلية قولها: ان شفرات وحزم معلومات، وبيانات عن البرنامج جرى تبادلها لفترة طويلة بين فرعي الشركة، بل وأثناء المناقشات تسرب الاسم الكودي للمشروع وهو يعتبر بمثابة سر حربي اسرائيلي، هذا بالطبع بخلاف الجيل الجديد من البرنامج الذي يتم تطويره في القاهرة، والذي قررت السلطات الاسرائيلية وقفه، ووقف التعامل مع العلماء المصريين بهذا الخصوص لأجل غير مسمى بالطبع.
هذه التصريحات المتناقضة للمسؤولين الاسرائيليين تؤكد كبر حجم الكارثة، وتضاعف أبعاد الفضيحة، وتدشن لبداية مرحلة جديدة من مراحل الصراع الاستخباري، انه عصر الجاسوس الالكتروني، وأحصنة طروادة، وان الاستخبارات المصرية قامت بعملية البداية في هذه الحرب.. وان المصريين أحرزوا هدفاً مبكرا جدا.. في بداية المباراة
ذهول
وفي السياق ذاته كشفت مصادر مقربة من الحكومة الاسرائيلية تخصيص مسؤولي الأمن الاسرائيليين فرقاً كاملة من الخبراء من مؤسسة الدفاع لفحص كل سطر من برنامج الصاروخ خشية ان يكون المصريون قد زرعوا برامج تحكم خفية، فضلا عن قطع جميع المعاملات بين شركة الكمبيوتر وتل أبيب ومكاتب القاهرة. خاف المسؤولون في اسرائيل من ان يكون المصريون قد زرعوا ما يمكنهم من تدمير الصاروخ قبل ان يبلغ هدفه. ومنذ نشر هذا الموضوع تتابعت أصداء الفضيحة على نحو مثير في اسرائيل، وسعت الحكومة الاسرائيلية للتكتم على الموضوع، وحاولت اسكاته بأي ثمن، والتغطية عليه بفضائح شارون، وتطرف المستوطنين. لكن خاب ظنها، وفتح هذا القرار الباب لانتشار الاشاعات بسرعة البرق، وتلقفت الصحف الاسرائيلية الموضوع من خلال مواقعها على الانترنت، بدلا من مطبوعاتها الورقية. وقال عدد من الخبراء لصحيفة معاريف: ان تصرف الجيش في هذا الموضوع كان غبيا وعبثيا لدرجة الاهمال الاجرامي فمن المعروف لأبسط ضابط اسرائيلي ان مصر ترصد حركة الطيور من والى الحدود الاسرائيلية ولا يعقل ألا يكونوا قد انقضوا على المعلومات التي توافرت لديهم، عندما كان خبراؤهم يتابعون معالجة الخلل في جهاز الكمبيوتر الاسرائيلي الرئيس للجيش ولسلاح الطيران.
ومما لا شك فيه ان أجهزتهم المتطورة جدا في مجال الكومبيوتر، تمكنت من التقاط المعلومات الغنية التي انزلت الى أجهزتهم من السماء فتلقفوها بتلهف وراحوا يحللونها ويخزنونها ويبنون عليها الخطط والبرامج، وفي ذلك ضرر كبير لاسرائيل. وقال علماء آخرون لمعاريف، ان الضرر الحاصل لاسرائيل من جراء هذه العملية، هو في أحسن الأحوال مجرد وصول المعلومات الى مصر. لكنه في حالة تفعيل عقلية التنافس واستغلال المعلومات، فان بامكان مصر الاستفادة منها بدرجة خطيرة مدمرة.؟ وقال أحدهم: تعالوا نتصور ان تقوم دولة ما، عربية أو غير عربية، باطلاق صاروخ يحمل رؤوسا كيماوية أو غازية وغيرهما من أسلحة الدمار، باتجاه اسرائيل فالمفروض ان صاروخ حيتس ينطلق لتفجير ذلك الصاروخ وهو في الجو. الآن، يخشى ان تكون مصر قد اطلعت على المعلومات الكافية لجعل صاروخ حيتس مثلا يحيد عن هدفه بضعة سنتيمترات. فيضيع هدفه. ويصل الصاروخ المعادي الى هدفه في اسرائيل. وكانت صحيفة عنيان ميركازي الالكترونية أكثر جرأة في اختراق أمر حظر النشر، وغمزت القيادات الاسرائيلية التي طالبت بالتكتم على الفضيحة. وأكدت تفاصيل الموضوع المنشور بمعاريف، وحيت الصحافي بن كسبيت الذي كشف تفاصيل فضيحة أمنية، كان من الممكن ان تستمر، أو تكتشف ويتكتم عليها العسكريون.
سخرية مفرطة
وفي المقابل رصد مراقبون منتديات الحوار بمواقع الانترنت الاسرائيلية، وبخاصة موقع صحيفة معاريف صاحبة السبق الصحافي، فلاحظت بوضوح، ودون مبالغة انخفاضا واضحا في المعنويات، وهجوما على المؤسسة الحاكمة والقيادة العسكرية، والأخيرة تعتبر بمثابة بقرة مقدسة لم يجرؤ الناس على مهاجمتها، الا بعد هزيمتهم في أكتوبر 1973، التي سميت بالعبرية المحدال أي التقصير، وهو نفس الوصف الذي أطلقته صحيفة عنيان ميركازي علي فضيحة الصاروخ حيتس، ووصلت السخرية والاستهزاء الى حد طلب المدونية على تلك المواقع ان يتولى وزارة الدفاع الاسرائيلية قائد مصري، وما بين السخرية والذهول، وعدم تصديق ما حدث،
رصدت الصحيفة بعض تعليقات الزوار، فنقلت عن شاب اسرائيلي سمى نفسه باسم (درور) قوله: أنا لا انام خوفا من ان تتوقف الصواريخ عن الانطلاق في يوم الحساب، وساعتها لن أغفر لجنرال برمجيات، قوله انه أخطأ في التقدير وان المصريين فعلا نجحوا في زرع برنامج تافه عطل منظومة الدفاع الصاروخي بأكملها. هناك أشياء لا يصح التهريج فيها. وقال شخص يرمز لنفسه بالاسم الكودي (انسان يخاف على أمن اسرائيل): الى كل الاسرائيليين الثرثارين، والى كل زوار المنتدى الذين لا يجيدون سوي توجيه النقد اللاذع سواء للصحافي أو الصحيفة، لكن الحقيقة ان أيا منكم لا يعرف شيئا عما يتكلم عنه، ولا يمكن ان يدعي واحد من جنرالات التحليل في هذا المنتدى البائس، انه يعرف بالضبط ماذا فعل المبرمجون المصريون في برنامج الصاروخ حيتس، ما هي الشفرة التي عملوا على اصلاحها، وما هو مدى أهميتها، وخطورتها. الذي نعرفه ان المبرمجين الاسرائيليين واجهوا مشكلة مستعصية في البرنامج، وطلبوا مساعدة الشركة التي صنعته أصلا. لكن لماذا تستعمل هذه الشفرة في برنامج الصاروخ حيتس انا لا أعلم، ولا أظن ان أحدكم يعلم، فلا تدعوا الحكمة، لأن الأمر ليس بهذه السهولة. وهنا قال (منشي) وهو جندي بالجيش: أعرض على كل العالم دولة للبيع، لقد تحولنا من دولة مشهورة بأنها تملك أقوى جهاز مخابرات في العالم، الي أكبر دولة مغفلة في العالم، لا عجب، اذن ان الفلسطينيين وحزب الله حولونا الى سيرك، المصريون لا يستطيعون زرع شفرة طروادة في منظومة تشغيل الصاروخ فقط، تلك الشفرة التي يمكن ان تعرقل تشغيل الصاروخ وتضر به، لكنهم أيضا يستطيعون حل الشفرات المكتوبة بالعبرية، وبالتالي يرصدون أية أوامر تصدر بالانتقال الي وضع الاستعداد للضرب، ويتسببون في حمل زائد على الجهاز يدمر المنظومة الدفاعية بالكامل.
وأخيرا قال نون وهو شخص قدم نفسه على انه خبير برمجيات مشهور لا يحب ذكر اسمه، وأنه يحب ان يعرِف زوار المنتدى بأبعاد وخطورة فضيحة الصاروخ حيتس فقال: بما انني خبير في البرمجيات، ومتخصص في أمن المعلومات أريد ان أقول ان تدخل المصريين في برنامج (MOTIF)، حتى لو كان برنامجا كل وظيفته تشغيل المنظومة بالعبرية مع الحفاظ على الشكل الغرافيكي لها، هو أمر خطير بكل المقاييس، وتدخلهم هذا قد يسفر عن مخاطر وأضرار لا حصر لها لجميع أجزاء منظومة الدفاع الصاروخي، سواء برنامج التشغيل، أو برنامج التحكم المركزي في بطاريات الصواريخ، ومنظومة الرادار الملحقة به. ورد عليه (دافيد) وهو مبرمج آخر مؤمنا على كلامه، ومضيفا ان الجيوش عادة تستخدم برنامج تشغيل واحدا في كل أجهزتها ووحداتها العسكرية، وأن الأمر قد يقتضي تغيير منظومة البرمجة في الجيش بأكمله. وعلى صعيد آخر فان فضيحة الصاروخ حيتس التي نشرتها معاريف فتحت في المنتدى جملة فضائح اسرائيلية أخرى، فيما يمكن ان نسميه بالثقب التكنولوجي الاسرائيلي، الذي تتسرب منه أشد المعلومات حساسية،
فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت ان القناة العاشرة وهي قناة اخبارية خاصة استطاعت، ان تلتقط بهوائي عادي بث سري لتجربة اطلاق الصاروخ حيتس أيضا، رغم ان هذا البث الالكتروني كان من المفترض ان يكون مؤمنا لأنه يجري داخل دائرة تلفزيونية مغلقة تضم موقع اطلاق الصاروخ، ومقر وزارة الدفاع الاسرائيلية، أما صحيفة معاريف فقد كشفت عن فضيحة أخرى لاختراق أجهزة الكمبيوتر في البنك الوطني الاسرائيلي وسحب كميات هائلة من أرصدة العملاء. ولم ينتبه العاملون بالبنك الا بعد انتهاء العملية. ولم تغفل بالطبع الاشارة الي الفضيحة الأخيرة التي فجرتها بشأن الصاروخ حيتس. كل هذه المعطيات جعلت عددا لا حصر له من زوار المنتدى يلعنون الحكومة والدولة والجيش المقدسات الثلاثة في اسرائيل، فيقول موشيه ماذا حدث لاسرائيل - نحن نسير من فشل الى فشل. ويرد عليه اريك: لا شك ان مجموعة من المغفلين تحكم اسرائيل.
ويعيب يانيف على بن كسبيت محاولته طمأنة الناس عندما قال ان وزارة الدفاع بدأت تحقيقات مكثفة بهذا الشأن ويقول: هل يعني ذلك ان نشعر بالاطمئنان، وننام مرتاحي البال لأن التحقيق يتم بواسطة محققي وزارة الدفاع، ما هذا العبث، لا نهاية للحمق، والعبث! يجب تحييد رجال الجيش عن أي عملية تحقيق جادة. أما أظرف الردود فجاءت من شخص رفض كتابة اسمه واكتفى بالاشارة لنفسه بالرقم (15)، وقال: هذه هي دولتنا القوية، اقترح خصخصة وزارة المالية، وتعيين وزير دفاع مصري. ويقول يعقوب سمعنا من فترة، ان مناقشات سرية دارت بشأن الصاروخ حيتس، التقطت باريال عادي في التلفزيون، ويحتمل ان تكون تفاصيل حساسة وصلت لأيدي المصريين، يجب ان نكف عن شغل الهواة، والسذج، لأننا لا نمتلك سوى دولة واحدة، وكل خطأ ضخم بهذا الحجم يشكل كارثة علينا وعلى أبنائنا.
وكان هذا اعتراف بالفشل الإسرائيلي أمام المخابرا تالعامة المصرية .
النهار الكويتية