- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
الحاج محمد أمين الحسيني المفتي العام للقدس ..الجزء الثاني
الحاج محمد أمين الحسيني المفتي العام للقدس ..الجزء الثاني
- 25 مارس 2021, 12:11:35 ص
- 1048
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
.. أشهر من تولى منصب الإفتاء في فلسطين وكان في الوقت نفسه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس العلماء، وظل يلعب دورا مهما في الصراع العربي الإسرائيلي خاصة في سنواته الأولى أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. . وهو أيضاً رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ، و رئيس اللجنة العربية العليا ، وصاحب تاريخ حافل بالعلم والجهاد ضد اليهود وساهم في تكوين جيش المجاهدين في الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي وكذلك جيش المجاهدين البوسنة في حرب البلقان الأولى ..قبض عليه عدة مرات ونفي لبلدان عدة وتنقل بين العديد من الدول . . ويعد أحد أبرز الشخصيات الفلسطينية في القرن العشرين
الهروب إلى لبنان
استطاع الحسيني الهرب إلى يافا ثم إلى لبنان بمركب شراعي، فقبضت عليه السلطات الفرنسية لكنها لم تسلمه إلى بريطانيا، وظل في لبنان يمارس نشاطه السياسي. .وقاد خلال العامين عمليات الثورة الفلسطينية ، ثم انتقل إلى العراق الذي وصله في 25 أكتوبر سنة 1939، وهناك أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني، ثم اضطر لمغادرتها بعد فشل الثورة فسافر إلى تركيا ومنها إلى بلغاريا ثم ألمانيا
وفي 22 مايو سنة 1939 وقعت إيطاليا مع ألمانيا اتفاقية المحور لتنضم للحلف الألماني الياباني القائم منذ عام لمواجهة وحصار الأممية الشيوعية. . وفي الثالث من سبتمبر سنة 1939 بدأت الحرب العالمية الثانية بعد أن أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا ردا على غزوها لبولندا.
وبدأ الحاج أمين البحث عن مساندة خارجية، فأجرى اتصالات بالألمان عن طريق سكرتيره اللبناني عثمان كمال الحداد الذي سافر أكثر من مرة إلى العراق للتفاوض مع الحكومة الألمانية وسلمهم رسالة من مبعوثها في الشرق في الثاني عشر من فبراير عام 1941 إلى بلاده، يؤكد فيها وصول عثمان الحداد سكرتير أمين الحسيني إلى برلين حاملا رسالة من الحسيني إلى الزعيم الألماني أدولف هتلر.. الحسيني أعرب في رسائله إلى هتلر عن استعداده للتحالف مع ألمانيا في الحرب نظرا لوجود عدو مشترك اسمه الصهيونية، لكون ألمانيا النازية كانت تعادي الصهيونية والدولة البريطانية الراعية لها والمحاربة لألمانيا.
لكن الحاج أمين وضع شرطاً لتحقيق هذا التحالف هي: أن تعترف دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) بالاستقلال التام للأقطار العربية المستقلة وقتها ولتلك التي ما زالت تحت الانتداب أو تحت الحكم البريطاني.. وبأن تعلن دول المحور بصورة قاطعة أن ليست لها أية مطامع استعمارية في مصر والسودان.
كما طالب بالاعتراف للأقطار العربية بحقها في إقامة الوحدة العربية وفق رغبات أهلها، وبعدم الاعتراف بالوطن القومي اليهودي في فلسطين وتمكين الأمة العربية من إلغاء هذا المشروع...
السفر إلى ألمانيا
بعد قبول ألمانيا بشروط الحاج أمين سافر بالفعل ليصل العاصمة الألمانية برلين في الأسبوع الثاني من نوفمبر سنة1941 قادما من إيطاليا بعدما قابل زعيمها موسوليني حليف ألمانيا القوي، وفي 28 من نوفمبر التقى الحسيني هتلر في مقر الرايخ الألماني بوصفه "مفتي القدس الأكبر وأحد أكثر رجال حركة التحرر العربي تأثيرا..و كان أمل الحسيني أنه إذا انتصرت قوى المحور فإن بريطانيا ستخرج من فلسطين والشرق الأوسط، ولن تكون هناك فرصة لليهود ليقيموا دولتهم في فلسطين.
وكتب الحسيني في مذكراته أهم تصريحات هتلر ومنها أنه قال "إن خطط الكفاح واضحة، وهي أولا أنني أكافح اليهود بلا هوادة، ويدخل في هذا الكفاح ما يقال له الوطن القومي اليهودي بفلسطين، لأن اليهود إنما يريدون أن يؤسسوا دولة مركزية تساعدهم على مقاصدهم التدميرية ونشاطهم الهدام بدول العالم".
وأضاف هتلر أنه من الواضح أن اليهود لم يقوموا بعمل إنشائي في فلسطين، وادعاؤهم هذا كذب فإن كل الأعمال الإنشائية التي أقيمت في فلسطين يرجع فضلها إلى العرب لا إلى اليهود، إنني مصمم على أن أجد حلا للمشكلة اليهودية خطوة فخطوة وبدون انقطاع، وإنني سأوجه الدعوة اللازمة إلى جميع البلاد الأوروبية وغير الأوروبية .
تدشين مركز الأنباء العربي
بعد أن اطمأن الحسيني لموقف دول المحور من المطالب العربية بدأ العمل الجاد في هذا الحلف، فأنشأ في نهاية مارس عام الفٍ وتسعمائة واثنين وأربعين "مركز الأنباء العربي" الذي كان يصدر نشرة إخبارية بعنوان "بريد الشرق"، وهي التي كانت تنشر نصوص خطبه الحماسية الداعمة لدول المحور، والتي كان يلقيها على الجماهير العربية عبر إذاعة برلين العربية... وهكذا أصبح الحسيني يتصرف وكأنه سفير العالم العربي في برلين، فقد كان يقيم حفلات استقبال للشخصيات المؤثرة في النظام والمجتمع الألمانيْين، وكان مهتما بتعريف المجتمع الألماني بالإسلام ككل لتبديد الأحكام المسبقة ضد الإسلام والمسلمين، ودعا إلى إقامة مؤسسة بحثية وإعلامية تُعنى بالتعريف بالإسلام... وتعمل على التقريب بين الألمان والعرب .
تأسيس الكوماندوز العربي
وبعدها وقعت مجموعة من العرب المقاتلين ضمن قوات الإنجليز في الأسر في يد الألمان في اليونان وكان معظمهم من الفلسطينيين، وساعتها اتفق الحسيني مع السلطات الألمانية على إخراجهم جميعا من معتقلات الأسر وإرسالهم إلى ميادين التدريب العسكري لتخريجهم ضباط صف وجنود كوماندوز ، وكان الحاج أمين يزورهم ويخطب فيهم، فأصبحوا النواة الأولى لتكوين قوات عربية في جيوش دول المحور.
ورغم التراجع العسكري الألماني أمام معسكر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ؛ نجح الحسيني نهاية عام 1944 في الحصول على دعم عسكري ألماني، من خلال إرسال كوماندوز يتألف من ثلاثة ضباط ألمان واثنين من الثوار العرب، لفتح جبهة عسكرية ضد المحتلين على الأراضي الفلسطينية.
ونزل الكوماندوز بالمظلات قرب البحر الميت خلف خطوط البريطانيين، ومعهم معدات اتصال بالراديو وبعض الأسلحة وكميات كبيرة من المتفجرات والنقود، لكن المهمة فشلت بسبب صعوبات اعترضتها فاعتقل الإنجليز أغلبية أفراد البعثة.
ونجح الحاج أمين الحسيني أيضاً أثناء إقامته في ألمانيا في الحصول على أكبر كمية من الأسلحة وتخزينها، استعداداً للمستقبل ، و بالفعل تم تخزين السلاح في مصر وليبيا وجزيرة رودس، وأيضاً نجح في تكوين معهد لإعداد الدعاة في الجيوش الألمانية..بعدما أقتنعت السلطات الألمانية بفكرة الحاج أمين الحسيني بوضع داعية في كل الفرق العسكرية التي بها مسلمون، وفي نفس الوقت دفع بعض الشباب المسلم العربي بها على الاشتراك في الجيش لتدريب على الأعمال القتالية..
تأسيس جيش البوسنة
كما نجح الحاج أمين في وقف الأعمال الإرهابية ضد البوسنة من جانب الصرب، واستطاع إقناع القيادة الألمانية بتشكيل جيش بوسني لمنع تكرار هذه المذابح، ليتم بالفعل تكوين جيش من مائة ألف بوسني تحت إشراف ألمانيا .
الاتهام بحرق اليهود
و كانت ألمانيا قبل ذلك اتهمت بحرق اليهود في أفران الغاز، واتهمت منظمات صهيونية الحاج أمين الحسيني بأنه كان وراء هذه الفكرة ، وفي 21 أكتوبر سنة 2015 كرر رئيس وزراء الكيان الصهيوني هذا الاتهام وصرح به أمام مؤتمر يهودي كبير عقد في الأراضي المحتلة .. الرد المفحم على هذا الاتهام الباطل جاء من مؤرخين يهود كثروا برأوا الحاج أمي نالحسيني من التورط في فكرة حرق اليهود في أفران الغز من ابرزهم زعيم المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ الذي قال إنالمفتي التقى هتلر في عام 1941 بينما بلورت النازية الحل النهائي في الثلاثينيات من القرن الماضي". وطالب نتنياهو بتصحيح كلماته "على الفور"، لأنها "تشويه خطير للتاريخ"...وكذلك المؤرخ اليهودي الشهير برنارد لويس الذي قال إن النازيين "لم يحتاجوا للتشجيع على المحرقة". وهذا ما أكده أيضا المؤرخ موشيه تسيمير، محذرا من "تحرير النازيين وهتلر من مسؤولية المحرقة وتحويلها للعرب، مؤكدا هذه خدعة مدمرة تهدف لوصم العرب بما فعله سابقوهم".
كما روى المؤرخ الإسرائيلي إيفي شلايم أن الحسيني "قال إنه لم يكن لديه تعاطف مع أيديولوجية ألمانيا النازية، السبب في تحالفه أثناء الحرب كان عمليا ولصالح شعبه، بريطانيا كانت العدو والصهاينة كانوا العدو الآخر، وهناك مقولة تذكر إن عدو عدوي هو صديقي، ألمانيا كانت عدوا لبريطانيا ولليهود وهذا أساس لسبب تعاون المفتي مع دول المحور".
إضافة إلى منظمة "يد فاشيم" الإسرائيلية المعنية بتخليد ذكرى "المحرقة النازية" التي انتقدت تصريحات نتنياهو عن الحسيني، واعتبرتها "عارية عن الصحة".
كما اعترفت أنجيلا ميركل بأن المذبحة ارتكبها الألمان
انهيار الألمان
بدأ الألمان الانهيار عسكريا في معارك الحرب العالمية الثانية أواخر أبريل سنة 1945 ، وقبل سقوط برلين بساعات نجح الحسيني في الفرار إلى سويسرا، وطلب اللجوء السياسي، لكن السلطات السويسرية أبعدته إلى فرنسا وهناك وضع قيد الإقامة الجبرية في فيلا بالقرب من العاصمة باريس ، ورفضت فرنسا أن تسلِّمه إلى لندن بسبب خلافها مع المصالح البريطانية والأمريكية، وحرصًا على عدم إثارة المشاعر الإسلامية، وتدخل ملك المغرب ورئيس تونس أثناء وجودهما في باريس، وطالَبَا باصطحاب المفتي معهما، وتدخلت أيضاً الجامعة العربية، ورئيس باكستان محمد علي جناح، من أجل سلامة المفتي، لكن فرنسا رفضت الاستجابة أو إطلاق سراح المفتي، وبدأت المقايضة الأمريكية مع مشروعات إعادة إعمار فرنسا بتمويل أمريكي، ساعتها فكرت فرنسا في تسليم الحسيني ..
الهروب من فرنسا
نجح الحسيني في الهروب من فرنسا قبل قيامها بتسليمه عن طريق استخدام جواز سفر لأحد أنصاره في أوروبا، وهو الدكتور معروف الدواليبي بعد استبدال الصورة. .واستطاع الوصول إلى القاهرة عام ألفٍ وتسعمائة وسبعة وأربعين، و ظل متخفيًا بعدة أسابيع حتى حصل على ضيافة رسمية من القصر الملكي تحميه من المطاردة الدولية لشخصه...بعدها بدأ الحاج أمين في تنظيم صفوف المجاهدين من القاهرة، لتدخل القضية الفلسطينية مرحلة حرجة ، وتعلن الأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين، وتعلن دولة إسرائيل، ويرأس المفتي الهيئة العربية العليا لفلسطين، وتبدأ الحرب، وتبدأ المؤامرات والخيانات من قبل الصهاينة وحلفائهم ، وقامت بعض الدول العربية بمنع المجاهدين من الاستمرار في مقاومة العصابات الصهيونية، بحجة أن جيوشهم سوف تتولى الدفاع عن فلسطين وتحريرها، وانتهت الحرب بهزيمة الجيوش الدول العربية،
إعلان المفتي دولة فلسطين
و تم إجبار المفتي من خلال موقعه كرئيس للهيئة العربية العليا على أن يصدر أمرًا للمجاهدين الفلسطينيين بوضع السلاح، وبعدها تخلص الحاج أمين من بعض القيود المفورضة عليه وأسرع بعقد المؤتمر الفلسطيني في القدس وأعلن استقلال فلسطين وقيام حكومة فلسطين .
لكن تم القبض على المفتي من قبل السلطات المصرية في عهد الملك فاروق وتم تحديد إقامتهم في القاهرة، ومع قيام حركة 23يوليو سنة 1952، بدأ المفتي في تنظيم الأعمال الفدائية على جميع الجبهات، واستمرت العمليات حتى سنة 1957 ، و في الجانب السياسي نشط في التواصل على مستوى الدول العربية والإسلامية، وبعض الدول الآسيوية؛ لتأييد الحق الفلسطيني ، ودعم الجهاد المسلح في مواجهة العدو الصهيوني ، و مَثَل فلسطين في تأسيس حركة عدم الانحياز سنة 1955 في مؤتمر باندونج، لكن للأسف تدريجيًا تم تقييد حركته السياسية ووقف العمل الفدائي من عام1957 على معظم الجبهات، وظهرت بشائر مؤامرة جديدة، ومحاولة لإنهاء القضية في خطوات سلمية، وبعدها ظهرت خطة التسوية سنة 1959 ، 1960 والمعروفة بخطة همر شولد، وهي الخطة التي وافقت عليها دولة المواجهة وانتقل الحاج أمين الحسيني إلى بيروت .
ومن جديد عام ألفٍ وتسعمائة وواحد وستين لينقل إليها مقر الهيئة العربية العليا، واستطاع فضح خيوط المؤامرة، و إفشال خطة همرشولد.
تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964
بعدها بدأت خطة عربية بإنشاء كيان بديل للهيئة العربية العليا، بإصدار قرار من جامعة الدول العربية بإنشاء كيان فلسطيني عام 1963 .. وإنشاء الكيان الجديد تحت رعاية مصر باسم منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وتعيين أحمد الشقيري رئيسا للمنظمة وهو ممن يؤمنون بالبحث عن حلول غير عسكرية، و في تلك الحقبة تقع هزيمة ألفٍ وتسعمائة وسبعة وستين ليبدأ الحسيني من جديد نشاطه من أجل القضية، موضحاً موقفه الثابت أن القضية لن يتم حلها إلا بالجهاد المسلح، ويستمر الرجل في نضاله حتى فاضت روحه إلى بارئها عام 1974