الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: بزوغ فجر العدل في الشام حين تعود الحقوق لأهلها

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 30 يناير 2025, 4:04:16 م
  • eye 58
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الشام

الحمد لله الذي يقصم ظهور الطغاة، ويؤيد المستضعفين بنصره ولو بعد حين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، الذي أقام دولة العدل، وأرسى دعائم الحق، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فإن الله تعالى قد جعل للعدل سلطانًا لا يُقهر، وللحق جندًا لا يُهزم، ولو تأخر النصر، فإن وعد الله لا يتخلف، فقد قال جلّ في علاه:

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَٰدُ ﴾ (غافر: 51).

وها هي الشام، أرض الرباط ومهوى الأفئدة، قد أشرق فجرها بعد طول ظلام، وارتفع صوت العدل بعدما خنقه الظلم عقودًا، فتبدلت ملامح القهر إلى بوادر عزّ، وانقشعت سحب الطغيان عن سماء الحريّة، بفضل الله ثم بفضل الرجال الصادقين، الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم، وضحّوا بكل غالٍ ونفيس، كي يعود الحق لأهله، والأمان إلى ديار الإسلام.

 

من نيران الطغيان إلى نسائم العدل: كيف تغيّرت المعادلة؟

 

لقد مرت الشام بسنوات عجاف، عصفت بها المحن، واستبدت بها الفتن، حتى كادت تكون نسياً منسياً، وما ذاك إلا لأن أعداء الله أرادوا طمس هويتها، واغتيال أهلها، وتشريد أبنائها، خدمة لأطماعهم السوداء ومخططاتهم الدنيئة.

لكن سنة الله في الكون ماضية، فكما أن الليل مهما طال فلابد للفجر أن ينبلج، وكما أن الظلم مهما استبد فلابد للعدل أن يسود، جاء اليوم الذي يُكتب فيه لهذه الأرض الطيبة أن تستعيد بعضًا مما سُلب منها، فجاء القرار الحاسم بإسقاط الدستور الجائر، الذي لم يكن سوى وثيقة عبودية تُشرعن الاستبداد، وتُبيح الطغيان، وتجعل الوطن مزرعة للطاغية وأعوانه.

 

قرارات مفصلية حينما تتجلى حكمة القيادة

 

إن اتخاذ القرار ليس بالأمر السهل، وخاصة إذا كان يتعلق بمصير أمة مزّقتها الفتن، وشتتها القهر، لكن الله يقيّض للأمة في كل حين من يُعيد لها توازنها، ويضبط مسيرتها، ويقود سفينتها إلى برّ الأمان.

ومن بين القرارات التي كانت بمثابة ميلاد جديد لسوريا

 

1- إسقاط الدستور الجائر ورفع المظالم


إن الله تعالى حرم الظلم على نفسه، وجعله محرّمًا بين عباده، وأي ظلم أعظم من أن يُحكم الناس بقوانين تشرعن القهر، وتمنح الجلاد شرعية البطش بضحاياه؟! فكان لابد من إسقاط دستور 2012، وطيّ صفحته السوداء، ليُكتب للشام دستور جديد، يكون فيه العدل أساس الحكم، والحق هو الحاكم، والشريعة هي الميزان.

2- حلّ مجلس الشعب البائد
لقد كان مجلس الشعب في العهود المظلمة مسرحًا للمسرحيات الهزلية، فلا صوت فيه يُسمع إلا صوت المستبد، ولا رأي فيه يُطرح إلا ما يمليه الطغيان، فلا عجب أن يكون أول القرارات الحاسمة هو إسقاطه، لأن الباطل لا يُبنى عليه حق، والفساد لا يصلح أن يكون قاعدة للإصلاح.

3- إعادة بناء الجيش ليكون حاميًا للوطن لا خادمًا للطغاة
إن الجيوش في الإسلام لم تُخلق لقمع الشعوب، بل وُجدت لحماية الدين والأمة، فكان لابد من إعادة هيكلة الجيش، ليعود إلى دوره الطبيعي في حماية البلاد، والدفاع عن الدين والعرض، بعد أن استُغل لعقود في قتل الأبرياء، وحماية عرش المستبدين.

4- تفكيك الأجهزة الأمنية الجائرة
لقد كانت الأجهزة الأمنية في ظل النظام البائد كابوسًا جاثمًا على صدور السوريين، فلا يكاد يمر بيت إلا وقد دخلته مصيبة، ولا أسرة إلا وقد عانت من قمعها، فجاء القرار بحلها، وإقامة جهاز أمني عادل، يحمي الناس بدل أن يرهبهم، ويحفظ حقوقهم بدل أن يسلبها.

5- حلّ الفصائل العسكرية ودمجها في مؤسسات الدولة
لقد كانت الفصائل العسكرية ضرورة في مرحلة الفوضى، ولكن آن الأوان لأن تذوب هذه التشكيلات في كيان الدولة، وتتوحد الكلمة تحت راية واحدة، فلا مزيد من التشرذم، ولا مكان للعصبيات، فالدولة العادلة لا تحتاج إلى سلاح متفرق، بل إلى قوة واحدة تحمي حقوق الناس، وتضمن أمنهم.

6- قيادة المرحلة الانتقالية بحكمة وعدل
وختامًا، كان لا بد من قيادة حكيمة، تأخذ بيد الأمة في هذا المنعطف الخطير، فتُعيد الأمور إلى نصابها، وتُرسي دعائم العدل، فكانت تولية القائد أحمد الشرع لهذه المرحلة خيارًا توافقت عليه إرادة الأمة، ورأى فيه السوريون رجل المرحلة، لما عُرف عنه من حكمة، وقوة، وعدل.

فقه الأولويات: لماذا تغيرت مطالب السوريين؟

لا يخفى على أحد أن الثورة السورية بدأت منادية بالحرية، وكان هذا مطلبًا مشروعًا، بل هو حق أقره الإسلام، لكن لما تحولت البلاد إلى ساحة للإبادة الجماعية، أصبح الحفاظ على الحياة أولوية مقدمة على كل شيء.

فكيف لمن هُجّر أن يطالب بحريةٍ في وطنٍ لم يعد له وجود فيه؟! وكيف لمن يُطارد بين المنافي أن يناقش شكل النظام السياسي قبل أن يعود إلى أرضه؟!

إن فقه الأولويات الذي أقره الإسلام، يقتضي أن تُقدّم الضرورات على الحاجيات، فالبقاء أولًا، ثم الكرامة، ثم الأمن، ثم الحرية. فلا عجب أن غيّر السوريون مطالبهم، لأنهم أدركوا أن الحياة في ظل حكم عادل، ولو كانت دون سقف الحرية المطلقة، خير من الموت تحت قصف الطغاة، ولو كان ذلك تحت راية شعارات براقة.

 

نظرة إلى المستقبل ما الذي ينتظر سوريا؟

 

إن هذه الخطوات المباركة ليست إلا بداية لمسيرة طويلة نحو بناء سوريا جديدة، سوريا التي تعود فيها الحقوق إلى أصحابها، ويُرفع فيها صوت العدل، وتتحقق فيها مقاصد الشريعة، فيكون الحكم فيها رحمة للناس، وسندًا للمستضعفين، لا آلة للقمع والاستبداد.
وحتى يكتمل البناء، فلابد من

1. ترسيخ العدالة والمساواة، فلا ظلم، ولا تمييز، ولا استئثار بالسلطة.
2. إصلاح النظام السياسي، بحيث يكون معبرًا عن إرادة الأمة، خاضعًا لأحكام الإسلام.
3. إعادة المهجّرين، وتأمين سبل العيش لهم، وتعويضهم عن سنوات الشتات.
4. تحقيق الحرية المنشودة، بعيدًا عن الفوضى والدمار، تحت مظلة الإسلام العادل.

فاللهم اجعل هذا التغيير مباركًا، وبارك في أهله، وسدد خطى قادتهم، وولِّ عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه الضال، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ (الإسراء: 51).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)