- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
الدبلوماسية الإنسانية.. مفتاح قطر لتعزيز نفوذها ومكانتها عبر أفغانستان
الدبلوماسية الإنسانية.. مفتاح قطر لتعزيز نفوذها ومكانتها عبر أفغانستان
- 9 يناير 2022, 3:44:30 م
- 703
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" إضفاء الطابع الرسمي على دور تلعبه قطر في أفغانستان نيابة عن الحكومة الأمريكية منذ أغسطس/آب 2021. وفي إعلانه الصادر خلال الحوار الاستراتيجي الرابع بين الولايات المتحدة وقطر، قال "بلينكن" إن الدوحة ستمثل المصالح الأمريكية في كابل. وفي هذه القمة، قام الأمريكيون والقطريون بمأسسة دور الدوحة الحساس بين واشنطن وطالبان، والذي بدأ رسميا في عام 2013.
وخلال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر، تعهد وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" بأن بلاده "ستظل أداة للسلام والاستقرار في المنطقة". كما شدد كبير الدبلوماسيين في الدوحة على أن حكومته ستعطي الأولوية للتواصل مع حكام كابل الجدد لضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني.
وقال وزير الخارجية القطري: "نعتقد أن التخلي عن أفغانستان أو تجاهلها سيكون خطأ كبيرا، لأن العزلة لم تكن أبدا إجابة أو حلا لأي قضية، المشاركة هي السبيل الوحيد للمضي قدما".
وأثبتت الدوحة أنها قناة مهمة بين طالبان والغرب وسط فترة الفوضى التي أعقبت سيطرة طالبان على كابل في غضون عدة ساعات في 15 أغسطس/آب الماضي. وبحلول نهاية الشهر، كان عشرات الآلاف من الأشخاص قد غادروا أفغانستان عبر قطر. ولا تزال قطر ترسل الرحلات الجوية نيابة عن الدول الغربية لنقل الأشخاص المعرضين للخطر في أفغانستان والمقيمين الأجانب. كما انتقل عدد من سفراء الحكومات الغربية لدى أفغانستان إلى قطر.
واليوم، يمكن أن تثبت مشاكل أفغانستان التي لا حصر لها أنها أكبر تحد دبلوماسي لقطر على المسرح الدولي. وفي حين أن الدوحة ليست جديدة على الدور الدبلوماسي أو الإنساني أو الوساطة في النزاعات التي يعاني منها العالم الإسلامي، فإن الوضع الحالي في أفغانستان استثنائي إلى حد ما حيث يمثل فرصا ثمينة ومخاطر كبيرة في نفس الوقت.
وتقول "إليونورا أرديماجني"، وهي زميلة أبحاث مشاركة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: "في أفغانستان، تحتل قطر للمرة الأولى موقع الصدارة الدبلوماسية في أزمة دولية تشارك فيها قوى إقليمية وعالمية".
وتضيف: "في الواقع، كانت جهود الوساطة القطرية السابقة في اليمن ولبنان والسودان مرتبطة فقط بالأزمات المحلية. لذلك فإن النشاط الدبلوماسي القطري في أفغانستان لن يكون سهلا، فالدوحة بحاجة إلى تحقيق التوازن بين طالبان وما تبقى من المؤسسات الأفغانية المعترف بها، والمواقف السعودية والإيرانية، وكذلك الأولويات الأمريكية والصينية. وبالنسبة للقطريين يعد هذا التوازن المعقد هو الطريقة الوحيدة لتحقيق مكاسب الوساطة من النفوذ والمكانة كما أن هذا التوازن يساهم في احتواء المخاطر المحتملة".
وإذا تمكنت الدوحة من تحقيق المزيد من النجاحات الدبلوماسية والإنسانية في أفغانستان، فسيكون بإمكان القطريين أن يحصلوا على الفضل في تخفيف بعض الضغط الواقع على الولايات المتحدة حاليا، ناهيك عن الشعب الأفغاني نفسه. ومع ذلك، تواجه الدوحة تحديات هائلة في هذا البلد الذي مزقته الحرب. وسوف تخلق العقوبات الأمريكية على كابل، بالإضافة إلى طبيعة حكم طالبان المتشدد، صعوبات كبيرة لقطر في سعيها للبناء على ما تقدمه في أفغانستان.
السياق التاريخي
وتعود العلاقة بين حكومة قطر وطالبان إلى التسعينيات. وبالرغم أن قطر لم تنضم أبدا إلى السعودية والإمارات وباكستان في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع طالبان خلال حكمها في الفترة من 1996 إلى 2001، الذي اتسم بالعزلة الدولية الشديدة، فقد بدأت الدوحة في الانخراط مع الحركة بشكل غير رسمي خلال تلك الفترة نفسها.
وبعد أكثر من عقد بقليل من تمرد طالبان الذي أعقب الإطاحة بها في عام 2001، رسخت قطر نفسها بأنها الدولة الخليجية صاحبة أكثر العلاقات تطورا مع طالبان. وبالرغم من وجود بعض المنافسة من الإمارات والسعودية على هذه المكانة، يمكن القول إن قطر لا تزال هي الدولة الخليجية الأكثر نفوذا على "طالبان الجديدة" التي هزمت التحالف الغربي.
اكتساب الأهمية الدبلوماسية والإنسانية لدى الغرب
ومع كل ذلك لم تخلو اتصالات قطر مع طالبان من الجدل. وخلال حصار قطر في الفترة من 2017 إلى 2021، أشارت بعض الدول التي تحاصر الدوحة وأصوات المحافظين الجدد في واشنطن إلى علاقة قطر بطالبان كدليل مزعوم على دور الدوحة في "تبييض المنظمات الإرهابية".
ومع ذلك، فإن أحد الأسباب الرئيسية لفشل هذه الرواية في إقناع إدارة "ترامب" بضرورة اتخاذ أي إجراء جذري ضد الدوحة نابع من حقيقة أن كل من إدارتي "ترامب" و"أوباما" لم تقبلا استضافة قطر للمحادثات بين واشنطن وطالبان فحسب، بل طلبت واشنطن ذلك من قطر. ومنذ 2010، بدأت الحكومات الغربية في الاجتماع بممثلي طالبان في الدوحة. وفي عام 2013، بدأت قطر في استضافة مكتب لطالبان بناء على طلب من الولايات المتحدة.
ووفقا لمقال نشرته هيئة الإذاعة البريطانية عام 2013، فإن "المكان المفضل لطالبان كان قطر لأنهم اعتبروها موقعا محايدا. وهم يرون قطر كدولة متوازنة مع جميع الأطراف ولها مكانة مرموقة في العالم الإسلامي. وكانت الولايات المتحدة سعيدة أيضا بهذا الخيار".
واليوم، تستفيد قطر بشكل كبير من موقعها الفريد كجسر دبلوماسي بين نظام كابل وواشنطن. وقال "أندرياس كريج"، الأستاذ المساعد في كلية الأمن في "كينجز كوليدج" بلندن: "كانت علاقة قطر مع طالبان عنصرا مهما للغاية في الثناء عليها في الخارج، لا سيما في واشنطن وأيضا بين شركاء الولايات المتحدة الآخرين في الناتو الذين تمكنت قطر من مساعدتهم في تسهيل فك الارتباط عن أفغانستان وكذلك إعادة الارتباط مع طالبان الآن".
وبحلول أواخر أغسطس/آب، جاء ما يقرب من 40% من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من أفغانستان عبر قطر. ونتيجة لدور الدوحة في المساعدة على تسهيل الخروج الآمن لعشرات الآلاف من الأفغان الفارين من بلادهم، تلقى القطريون ثناء رفيعا من واشنطن. علاوة على ذلك، فعلت قطر الكثير لمساعدة وسائل الإعلام الأجنبية على إجلاء موظفيها من أفغانستان.
ويقول "كريج" إن "أفغانستان كانت إلى حد بعيد أنجح إنجازات القوة الناعمة التي حققها القطريون في العقود الثلاثة الماضية"، والتي حظيت بأعلى مستوى من التغطية في وسائل الإعلام.
وقال "مهران كامرافا"، أستاذ الحوكمة في جامعة "جورج تاون" بقطر: "أيا كان ما يفعله القطريون، فإنهم يفعلون ذلك بالتشاور الوثيق مع الأمريكيين. ويبدو أن دورهم في أفغانستان يتم بالتعاون الوثيق مع الأمريكيين، وفي كثير من الأحيان بناء على طلب منهم. هذه ليست مسألة وساطة، لكن يبدو أنها موجهة أكثر ناحية الدبلوماسية الإنسانية".
وأضاف "كريج": "فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والتنموية وكذلك الاستثمارات في أفغانستان، فإن الكثير منها سيمر عبر قطر أو على الأقل سيسهله القطريون نظرا لعلاقاتهم المباشرة مع طالبان".
وتؤدي قطر دورها من خلال توفير الدعم الفني واللوجستي لطالبان لضمان التشغيل الكامل لمطار "كرزاي" الدولي في كابل وضمان وصول الشحنات الإنسانية بأمان. وسيكون مطار كابل جزءا مهما من جهود قطر للمساعدة في تحقيق الاستقرار وتحقيق الأمن في البلاد. ومن نواحٍ عديدة، يعد هذا المطار ضروريا لأمور المعيشة الأساسية للدولة غير الساحلية.
وتتمتع تركيا بخبرة في أفغانستان، حيث حافظت على وجود عسكري في البلاد في إطار حملة "الناتو" التي استمرت عقدين. وتحرص أنقرة على العمل مع الدوحة لإدارة المطارات بشكل مشترك سواء في كابل أو مدن أخرى.
وفي الواقع، أرسل القطريون والأتراك مؤخرا وفدا مشتركا للتحدث مع مسؤولي طالبان في كابل حول احتمالات مثل هذا الترتيب. وقد وقعت بالفعل شركات من قطر وتركيا على مذكرة تفاهم حول تشغيل مطار كابل "على أساس الشراكة المتساوية". وهناك حديث أيضا عن احتمال تعاون قطر وتركيا مع الإمارات لتشغيل مطارات أخرى في أفغانستان.
ومن المرجح أن يشعر الغرب بالراحة في تحمل هذه الدول مسؤولية أمن المطارات الأفغانية من خلال الاتفاقات مع طالبان. لذلك، ترحب واشنطن بسيناريو يوفر فيه الأتراك (الموجودون في الناتو) والقطريون والإماراتيون (الذين هم شركاء مقربون للولايات المتحدة) الأمن الكافي في المطارات الأفغانية لضمان الاتصال بين كابل والعالم الخارجي.
ومن المهم أن نتذكر أن هدف الدوحة ليس إضفاء الشرعية على طالبان في ظل الظروف الحالية. بدلا من ذلك، تحاول القيادة القطرية المساعدة في منع الكوارث الإنسانية في أفغانستان، وهو ما يتطلب درجة معينة من التعاون مع نظام طالبان.
وقالت "لولوة راشد الخاطر"، مساعدة وزير الخارجية القطري والمتحدث باسم وزارة الخارجية، في مقابلة مع "فورين بوليسي": "هناك حاجة ماسة وحقيقية الآن للتعاون ونحن نتحدث عن المساعدات الإنسانية. ولا يعني هذا الموافقة على تصرفات طالبان أو أسلوبهم في الحكم أو قيمهم. بل يعني هذا فقط التعاون معهم وفق شروط عملية للغاية لتحقيق أهداف مهمة للغاية".
المصدر | جوجيو كافييرو وليوناردو جاكوبو - إنسايد أرابيا