السد الأثيوبي: في إطار نظرية تسليع المياه

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 11 أبريل 2021, 4:06:17 م
  • eye 963
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

.. احدي مشكلات السد الاثيوبي أنه يُدخل الدولة المصرية في أزمة مزمنة، فهو ليس صراعا علي قطعة أرض حدودية، أو علي سلطة شرعية أو غير شرعية، ولا حقل غاز، ولا حتي فكرة سيادة.. إنه كاشف لأزمة وجودية بالمعني الحرفي للكلمة .. وكاشف لبداية نظام عالمي جديد في فلسفة ادارة المياه...ولدي شكوك في قدرة المصريين بغض النظر عن من يحكمهم، علي تحمل نتائج استحواذ أو تحكم أثيوبيا علي كامل المياه.

.. لدي – ولدي غير – ملاحظات كثيرة ومحزنة علي طريقة معالجة مصر للموضوع منذ بداياته، بل ومنذ تراجعت مصر عن دورها الأفريقي بشكل عام . لدي ولدي كثيرين غيري ملاحظات حول موقف مصر عموما في نظرتها العامة لحوض النيل كوحدة موضوعية فرضتها الطبيعة – التي تعلو علي اللغة والعرقية والدين - .. ولكن ما لدي ، ولدي غيري من ملاحظات..لن يقدم أو يؤخر في طبيعة الأزمة ، التي فرضها الواقع علي هذا الجيل، أن تنشأ في حياته، وأن تحسم أيضا بناء علي الكيفية التي سيتعامل بها مع هذه القضية ( هي ليست مجرد ملف، حتي لا نستسهل التعبيرات )

.. الموضوع لا يصلح فيه الخطاب الملون ( متفائل / متشائم – وطني / عميل – دولجي/ ثوري ) لأنه قضية خارج تلك السياقات السياسية، فسواء كنا تحت حكم ثوري أو أخر محافظ، فالتحدي واحد، وحقيقي وقاسي،  وأكبر من قدرة هذا الجيل، ومن طاقة الدولة المصرية الحالية بكل عوامل ضعفها وكل مصادر قوتها، علي التوصل لحل مرضي.. فالمؤكد أننا إزاء تغير ما سيحدث، والمؤكد أن مصر الأمس ليست هي مصر الغد.. والمؤكد أيضا أن أمامنا نصف قرن علي الأقل لكي نتكيف مع المتغيرات التي تقترب منا يوما بعد يوم..

.. وضعتنا الظروف في تحد حاسم، وعلينا أن نقرر مواقفنا في غضون أيام معدودة وهي لن تتعدي ثلاث مواقف :

1- إما أن نقبل بمليء السد وقبول فكرة أن النهر ليس نهرا بل بحيرة أثيوبية وحينها سنبحث عن مصادر أخري للمياه ونعيد النظر في السياسات الزراعية بشكل عام ،( وهو موقف لن تقبله مصر علي الاطلاق، لأن ليس لديها بدائل كافية، فالحضارة المصرية تشكلت حول النهر وليس العكس )


2- أو نتمسك بنظرية أنه "نهر" متعدي الحدود ، وبالتالي سيفرض علينا اعادة النظر في كافة الاتفاقيات المبرمة، مع اعادة ترتيب الحصص ( وهذا أمر ترفضه اثيوبيا ، ففكرة الحصص يبدو أنها غير مقتنعة بها ) ،

 

3- أو نحاول تعديل ما يحدث، وعلينا تحمل نتائجه، ومؤكد أن هذا الحل ( نوه عنه السيسي حينما تحدث عن اشتعال المنطقة بالكامل ) هو الأقرب حتي اللحظة.


... اليوم... انتهت مرحلة التفاوض الأخلاقي- أي بدون أوراق ضغط – يتبقي التفاوض وفقا لوضع شروط جديدة للصراع وهذا يتم عبر مسارين:


1- ضغوط دولية، وهذه مسألة مستبعدة تماما نظرا لاعتبارات كثيرة منها، الرغبة في استثمار الرصيد المائي الضخم المنتظر


2- حل عسكري محدود، وهو من المتحمل أن يزيد من تعقيد المشكلة،ولكن ربما تفكر مصر بطريقة تعميم المشكلات،بمعني بدلا من أن نعاني بمفردنا، نصدر المعاناة الي الجميع... علي طريقة الأرض المحروقة.وهذا أسوأ الحلول ولكنه الأقرب للتنفيذ إذا أراد النظام الحالي أن يخرج ورطة واحتمال اختناق شعبي محتمل في غضون سنوات قادمة.


.. الأفق لا يحتمل الكثير من الحلول، والموقف الاثيوبي يمتلك ثباتا أكبر من قدراته وخبراته السياسية- بمعني أنه مدعوم جيدا وبصفة خاصة من ذلك التوجه الجديد من أنصار نظرية تسليع المياه – والموقف المصري ضعيف لدرجة أنه قد يفكر بطريقة عصبية انفعالية ويدخل في صدام، مباشر أو غير مباشر..


.. خلاصة القول هنا : ما اطلعت عليه من اجتهادات، لا تمتلك تصورات واضحة لأن الموقف فعلا ضبابي الي اقصي مدي.. وما اطلعت عليه من قراءات مختلفة تشير الي أن القضية أكبر من صراع ثنائي مصري- اثيوبي..ولكن أخطر ما أراه من معلومات تتناثر هنا وهناك، هو محاول تحميل أطراف ما مسئولية ما حدث، حتي لو كان هناك من هو مسئول عن هذا الموقف المصري الراهن.. فالقضية الآن أصبحت متخطية الصراع الداخلي بين مكونات الدولة المصرية..لسنا في مرحلة تبادل اتهامات، بل في مرحلة انتاج قرار يوفر حياة آمنة للأجيال القادمة.. قرار يحفظ للدولة المصرية مقومات البقاء.

التعليقات (0)