- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
السفير معصوم مرزوق يكتب : السلف تلف !
السفير معصوم مرزوق يكتب : السلف تلف !
- 20 نوفمبر 2021, 1:59:36 ص
- 1339
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هناك من يشتري ديون الدول الصغيرة بفائدة مرعبة ، ويطلق عليهم loan sharks ، وتلك الكائنات المتوحشة لا ترحم ، اذ ربما يكون دينك مليون جنيه بفائدة ٣ % ، يستحق الدفع حالا ، ويفاوضك المرابي الدولي علي شراء الدين مع منحك تسهيل في مدة الدفع ولكن بفائدة ١٥% ، ليس هذا فحسب وإنما مع قبولك زيادة اصل الدين من مليون إلي مليون ونصف ..
ولأن ذلك قد يكون اسهل من الافلاس ، فأنك توافق صاغرا علي تلك الصفقة الظالمة .
وهؤلاء loan sharks " مثل أسماك القرش يسبحون في المياه العميقة في انتظار الفريسة التي تقع بسهولة بين أنيابهم ، وفي الغالب يطلبون ضمانات كبيرة ، قد تصل إلي اثاث بيتك وملابسك الداخلية ، بل وربما شرفك .
المرابي الدولي يراقبك حين تقترض لأول مرة ، وله أساليب ملتوية كي يدفعك لمزيد من الاقتراض حتي تتورط تماما ، ثم يظهر في اللحظة المناسبة كفاعل خير وكأنه ينقذك من فضيحة ، والحقيقة أنه في تلك اللحظة يغتصب شرفك .
ومن أشهر قصص الاقتراض التاريخية ، تحتل قصة الخديو اسماعيل رأس القائمة . كان يريد أن تصبح القاهرة مثل باريس ، فأمعن في الاقتراض ، ثم بدأ يبيع في أصول الدولة ، ومنها نصيبنا في قناة السويس ، وترتب علي ذلك تشكيل لجنة الدين الأجنبية للإشراف علي ميزانية مصر ضمانا لسداد الديون ، وفي النهاية ضاع شرف الوطن كله بالاحتلال البريطاني الذي كان من أهدافه " ضمان سداد الديون المصرية " .
حتي الآن هناك من يدافع عن الخديو اسماعيل الذي أشرف علي بناء الاوبرا ( التي احترقت فيما بعد ) ، وأعد احتفالا اسطوريا لإفتتاح قناة السويس .. الخ ، وكل ذلك بالإقتراض من الخارج ، وفرض الجباية علي الفلاحين المصريين .
لقد دفعت مصر استقلالها وظلت تحت الاحتلال البريطاني لمدة جاوزت سبعين عاما ، كي يستمتع إسماعيل وأصدقاؤه بأوبرا عايدة التي صممها " فردي" خصيصا له ، ولقد عاش الخديو واستمتع بأبهة الحكم ، ثم مات في المنفي دون أن يدرك حجم المصيبة التي تركها خلفه .
أسماك القرش المتوحشة تدور حول إنسان العالم المطحون في كل مكان ، كي ترتشف ما قد يتبقي من عرقه ودمائه ، والوكلاء المحليون يوقعون صكوك الذل والخديعة وهم يتبادلون الانخاب في كؤوس أترعت بدماء تلك الشعوب المغلوبة علي أمرها .
ولابد من ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تربط بين هؤلاء المرابين الدوليين وبين مؤسسات الاقراض الدولية التي تعبر في النهاية عن مصالح كبار المساهمين فيها . وهي الدول الكبري التي ينتمي اليها هؤلاء المرابين .
وتبدأ في الغالب متوالية التقهقر ، عندما تضطر أن تقترض لسداد فوائد ديون سابقة ، ثم هكذا دواليك تحيط بك دوامات القروض وحينها تظهر القروش وقد فغرت فكها كي تلتهمك ، وتقضي عليك ، فيصبح كل ما تزرعه او تصنعه أو تملكه ملكا لهم ، ويصير حالك مجرد عبد ذليل يكدح كي يربح المرابي ويلقي له بعض الفتات التي يزعمون انها " مساعدات اقتصادية " وهي في حقيقتها مجرد " حبوب تقوية " تساعد العبد كي يظل قادرا علي العمل في مزرعة السيد المرابي الكبير .