- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
السفير معصوم مرزوق يكتب : كلام دبلوماسي
السفير معصوم مرزوق يكتب : كلام دبلوماسي
- 27 ديسمبر 2021, 2:27:16 م
- 928
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يتعلم الدبلوماسي الشاب منذ البداية مستويات السرية المختلفة التي تحيط بعمله،وأبرزها بالطبع سرية المعلومات،ويعلم الدبلوماسي في نفس الوقت أن معيار نجاحه هو مقدار المعلومات التي يمكنه اقتناصها في أسواق اللقاءات الدبلوماسية،التي تعتمد مثل أي سوق علي مبدأ "خذ وهات ".
كانت دهشتي عظيمة عندما كنت ازور دبلوماسي أمريكي في مكتبه زيارة مجاملة حين وجدته ردا علي أسئلتي حول زيارة وزير خارجيته يفتح أحد الأدراج في شانون معدني ويستخرج " برقية رمزية " حول تلك الزيارة ويقدمها لي كي أقرأها. ترددت في البداية وان كنت بدافع الفضول التهمت كل سطورها في نظرة واحدة .
خشيت أن أحدثه لفترة طويلة حول ما قام به ، ولكن عندما توطدت علاقتنا قلت له ذات يوم أنني لن أستطيع أن أطلعه علي برقياتي الرمزية كما فعل هو معي ، بل ونصحته بالحذر لخطورة ما يقوم به .
ضحك الدبلوماسي الأمريكي من قلبه، وشكرني علي النصيحة.. شرح لي أنه لم يعرض برقية تتعلق بعلاقات بلاده مع مصر ، وأن المعلومات التي كنت أريدها ليست علي هذا القدر من السرية ، وأضاف أخيرا أن رأسمال الدبلوماسي هو مصداقيته ، فقد تكون لديه معلومات غير مسموح له إذاعتها ، فلن يقول أنه لا يعرف ، بل سيقول أنه لا يستطيع الحديث.
ورغم أنني لم أقتنع بكل حججه، إلا أنني احترمت صدقه ، وصرنا بالفعل أصدقاء ، ومن الطريف أنه كان لديه لعبة عبارة عن خريطة مغناطيسية وعليها يمكن وضع قطع تمثل وحدات عسكرية ، مع ملخص لأحد الحروب ، وكان منها حرب أكتوبر..
واللعبة تعتمد علي تبادل تحريك الوحدات والنيران، وكل حركة بحساب مع رمي الزهر لتقدير عدد الحركات لكل لاعب .. والطريف أنه لم يسبق له الخدمة العسكرية وكان مع ذلك غالبا يهزمني في لعبة حرب أكتوبر التي خضتها أنا بالفعل !!.
عندما انتهت سنوات عملي ، أعد حفلا لتوديعي مع عدد من الزملاء في مختلف السفارات ، وأثناء الحفل همست له بأنني قد أكتب ذات يوم أنه كان يطلعني علي برقياته الرمزية ، فضحك بشدة وهو يعلق بأنه لن يعترف بذلك أبدا وسوف يقول أنني حاقد عليه لأنه كان يهزمني في لعبة حرب أكتوبر ..