السفير يحيي نجم : معركة السد .. تقدير موقف

profile
السفير يحيي نجم سفير مصر السابق في دولة فنزويلا
  • clock 26 مايو 2021, 6:36:59 م
  • eye 16801
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تفرض علينا الأحداث المتسارعة إعادة تقدير للموقف فيما يتعلق بأزمة النيل الأزرق وسد "النهضة" ؛ طبقا للتطورات المتلاحقة وحتى المتناقضة ؛ طبقا للمعلومات العلنية والمتخصصة حتى تاريخه .

ويجب التأكيد على أن مرجعية هذه المتابعة اللصيقة تأتي لأسباب منها ما يلي :

الأهمية القصوى والطبيعة المصيرية للموضوع بالنسبة لمصر وشعبها .

 التعتيم والتجهيل وعدم اتاحة المعلومات الكافية عن الموضوع بأوامر صريحة مقصودة من النظام .

محاولة شعبية لخدمة الشعب المصري في كشف الخيانة والخداع الذي يتعرض له .

كما نود الإشارة إلى أن آخر تقدير للموقف قمنا به كان قد توصل إلى استبعاد حدوث ضربة للسد ، 

أو الوصول لانفراجة في المفاوضات "العبثية" التي كانت تجري بين الأنظمة الثلاثة .. وذلك استنادا إلى :

 إعلان رئيس وزراء السودان د. حمدوك في 16/4/2021م. أنه ليس لدى السودان أي نية لعمل عسكري ،

 والعزم على حل أزمة السد من خلال استمرار الحوار (منشور سابق) .

انتهاء جولة المبعوث الأمريكي للقرن الافريقي من 4-13/5/2021 م. بإعلان ضعيف وباهت لا يحمل أي نتائج أو خطوات محددة أو جدول زمني ؛

 واكتفى بإعلان نيته العودة للمنطقة في موعد لم يحدده !! (منشور سابق) .

انتهاء المفاوضات العبثية الثلاثية والوساطات المختلفة (دولة الإمارات – الأمم المتحدة – الرباعية الدولية – الاتحاد الأفريقي ...) إلى لا شيء .

اتفاق القوى الكبرى سواء بالإعلان (الولايات المتحدة وروسيا) أو بالصمت (الباقون)على أن حل الأزمة يكون عبر المفاوضات .

تأكيد اثيوبيا مجدداً على اتمام الملء الثاني في موعده مهما حدث .

ما تناقلته وسائل الإعلام – مدعوماً بالصور – من أن إثيوبيا بدأت بالفعل في تعلية السد لعدة أمتار ،

 بعد تجفيف الممر الأوسط ؛ تمهيداُ للملء الثاني بدون التوصل لاتفاق مع دولتي المرور والمصب .

غير أن تطورات لاحقة دعت لإعادة النظر والتحليل نجملها فيما يلي :

تصاعد القتال في منطقة الفشقة السودانية الحدودي ، وإعلان السودان تحرير 95% من أراضيه المحتلة بواسطة قوات وميليشيات إثيوبية ، 

وما أعقبه ذلك من استدعاء إثيوبيا لتعزيزات بالمنطقة ؛ قيل أنها تتضمن قوات اريترية .

طلب السودان - طبقا لمصادر متخصصة - من روسيا إجلاء أسلحتها من قاعدة بورسودان رغم الاتفاق الموقع بين البلدين في عهد الرئيس السابق عمر البشير ؛

 حتى موافقة البرلمان السوداني المنتظر على الاتفاقية من عدمه .

استقالة عضو مجلس السيادة السوداني السيدة عائشة موسى السعيد التي أعلنت أن :

  "المكون المدني للحكومة لا يشارك في صنع القرار ، ولا أريد أن أشارك في دولة تديرها قوة خفية " .

التضارب بين تصريحات المسؤولين المصريين ؛ فوزير الخارجية يعلن أن مصر يمكنها تحمل الملء الثاني ؛ بينما وزير الري يصرح بأنه سيكون صدمة لمصر .

ترافق ذلك مع الإعلان (غير المسبق) بإجراء مناورات "حماة النيل" بين الجيشين المصري والسوداني في الفترة 26-31/5/2021م. ،

 ووصول قوات وأسلحة مصرية ثقيلة إلى ميناء بور سودان ومطارات السودان ، علاوة على قوات خاصة ، واجراء تدريب بحري مشترك بين الجانبين .

لفت الانتباه في هذه المناورة -عن سابقتيها نسور النيل 1و2- وصول أسلحة وأنظمة للدفاع الجوي قصيرة ومتوسطة المدى ؛

 قالت المصادر المتخصصة أنها أنظمة "بيشورا" و "بوك" الروسيتين ، وأن هذه الأنظمة وصلت لتبقى في السودان ولن تعود لمصر .

اختفاء رئيس الوزراء السوداني عن المشهد ، وعدم ادلائه بأي تصريحات عن استقالة عضو مجلس السيادة أو المناورات المصرية السودانية .

استنتاجات :

عودة احتمال اللجوء لتوجيه ضربة عسكرية للسد الإثيوبي لتعطيل عملية الملء الثاني .

وصول قوات مصرية للدفاع الجوي دائمة يقوي هذا الاحتمال ، 

ومن المتوقع بطبيعة الحال نشرها لحماية المناطق الحيوية مثل السدود ومحطات الطاقة والمياه والعاصمة والموانيء والمطارات ؛ ضد أي ضربة انتقامية إثيوبية .

توفر أنظمة الدفاع الجوي المصرية براداراتها ، محطات للإنذار المبكر المتقدم قرب مصدر التهديد المحتمل ؛

 للدفاع عن جنوب مصر وخاصة السد العالي ؛ ضد أي محاولة انتقامية إثيوبية ، حتى ولو كان ذلك احتمالاً ضعيفاً حالياً .

في حالة القيام بالضربة ستكون ثنائية بين مصر والسودان 

، وانطلاقاً من الأراضي السودانية (تستبعد المصادر المتخصصة الآن الانطلاق عبر طريق البحر الأحمر) ، 

وباستخدام أسلحة مشتركة يملكها الطرفان مثل طائرات "ميج 29" .

ليس من المعروف بعد كيفية توزيع القوات المصرية أو تفاصيل الضربة ،

 وهل سيكون المجهود الرئيس باتجاه منطقة السد ، أم سيتوجه جزء آخر لمنطقة الفشقة لدعم القوات السودانية .

استخلاصات :

 تأخر ظهور وتبلور احتمال توجيه ضربة عسكرية يرجع لأخطاء وخطايا استراتيجية ربما متعمدة وقع بها النظام المصري مثل :

عدم تحديد الأهداف الاستراتيجية فيما يتعلق بنهر النيل ؛ وأهمها تدفق مياه النهر بشكل طبيعي ، 

حصة مصر من النهر ، ضمان عدم حدوث كوارث بيئية مثل انهيار السد والجفاف ، عدم وجود جدول وسقف زمني للتفاوض ،

 التوقيع على اتفاقية تسليم وإذعان ببناء السد عام 2015م. دون تحديد مواصفات وشروط السد ، ودون طابع الزامي ، 

ودون آلية لحل المنازعات ، ودون شروط جزائية وتعويضات .... الخ ؛ ثم التفاوض على تفاصيل الاتفاق لاحقاً .

بدا من طول مدة التفاوض وتعثرها رغم تعدد مسارح التفاوض أن فريق المفاوضات المصرية يفتقد لرؤية واضحة موحدة ، كما أنه لا يمتلك قراره ، أو حتى وسائل التأثير في صانع القرار .

أضاع النظام المصري كل البدائل والفرص المطروحة مثل الضغط السياسي والاقتصادي على الدول والشركات الممولة والمنفذة لمشروع السد (مثل ايطاليا والصين وفرنسا ....) ؛

 خاصة في ظل وجود مصالح اقتصادية ومشاريع أكبر وأهم لها في مصر .

لم يقم النظام المصري بالانسحاب من اتفاق المباديء المعيب ، وإعلان فشل المفاوضات العبثية ؛

بسبب الكبرياء والعنجهية الفارغة ، وعدم الرغبة في الاعتراف بالخطأ والكارثة ، وخوفه من تحمل المسؤولية أمام الشعب ؛

وربما كان ذلك هو الحل الأسهل والأقل تكلفة ؛ حيث كان سيعطي مصر الوقت والمرونة والضغط لحل المشكلة بوسائل أخرى .

تجاهل النظام المصري استغلال فرصة الأزمات الداخلية والحرب الأهلية خاصة في إقليمي التيجراي وبني شنقول ؛

 بل وحتى النزاعات الخارجية لإثيوبيا مع كل من كينيا والصومال واريتريا والسودان .

من غير المعروف تفاصيل العملية العسكرية المحتملة ؛ لكن من المرجح طبقاً لحجم القوات وتسليحها - كما تشير مصادر – إلى أنها لن تكون حرباً شاملة ،

 كما لن تكون عملية واسعة لضرب القدرات العسكرية الإثيوبية ، كما لن تكون لتدمير السد بالكامل ؛

 وإنما عملية جراحية لتخريب محدود يؤجل الملء الثاني لحين الوصول لاتفاق عبر المفاوضات .

من المستبعد احتمال التوغل البري أو احتلال منطقة السد ، ومن المرجح القيام بضربة جوية خاطفة ؛ 

وإذا استدعى الأمر عملية انزال لقوات خاصة لتأكيد من النتائج والانسحاب بسرعة ربما في غضون ساعات قليلة ؛ نظرا لقرب السد من الحدود السودانية .

لا ترغب مصر وبشكل أكبر السودان في إثارة غضب أو فزع الدول الأفريقية وخصوصا دول حوض النيل من التدخل العسكري في اثيوبيا ؛

 حتى لا تنقلب أو تنفجر الأمور في وجهيهما بعد انقشاع غبار الضربة .

تتابع عن كثب القيادتان الأمريكيتان المركزية للشرق الأوسط (التي تقع مصر في نطاق عملياتها) والأفريقية (التي يقع السودان بنطاق عملياتها) تفاصيل العملية من بدايتها لنهايتها .

تحدثت مصادر عن أن واشنطن اطلعت على تفاصيل أو خطة الضربة بشكل مسبق ،

 ويمكن بذلك افتراض أنه تم نقل هذه المعلومات إلى كل من إسرائيل وإثيوبيا نفسها ؛ بل ليس من المستبعد أن يكون قد تم الاتفاق عليها .

من المنطقي أن تسعى إسرائيل لمساندة أو مساعدة صديقتها أو حليفتها إثيوبيا ، 

سواء بالسلاح أو المعلومات الاستخباراتية ؛ في ظل رغبتها بتعويض فشلها في غزة ؛ 

خاصة أن منظومات الدفاع الجوي التي تحمي السد هي إسرائيلية ؛ وبطبيعة الحال لا ترغب إسرائيل بتدميرها في هجوم دولتين عربيتين ؛

 بما يقضي على سمعة صادرات السلاح الإسرائيلية ؛ التي تشكل أحد أهم مصادر الدخل القومي والصادرات لها ،

كما أنها تمتلك وجودا نشطا بالبحر الأحمر ، ومركزا للتجسس والرصد والاستطلاع في إريتريا .

أثارت مسألة ترحيل القوات الروسية من بور سودان بهذا الشكل استياء القيادة الروسية ،

 وتشير المصادر إلى أن روسيا ربما تكون قد نقلت بطارياتها للدفاع الجوي من بور سودان أو من موسكو لإثيوبيا كرد انتقامي على الموقف السوداني ،

 وهو ما يزيد من صعوبة تنفيذ العملية ، كما أنه سيؤثر على موقف روسيا في مجلس الأمن عند عرض القضية عليه فيما بعد .

يزداد الاستياء الروسي عندما يرى أن كلا من مصر والسودان تحاربان بالأسلحة الروسية (التي لا يتم فرض قيود عليها مقارنة بنظيرتها الأمريكية) ،

 بينما يتبع نظامي القاهرة الاستراتيجيات والمحددات الأمريكية ، ولا يحترمان المصالح الروسية ، 

ولا يلجآن إلا لوساطة واشنطن في أزماتهما ؛ كما يقول المثل الشعبي المصري "في الحزن والهم مدعية وفي الفرح منسية" !! وربما تكون هذه الأزمة نقطة تحول في علاقات هذا المثلث . 

ربما تحقق  الضربة نصرا دعائيا لنظامي مصر والسودان ؛ إلا أن النظام الإثيوبي سيستفيد أيضا داخلياً أمام شعبه بإصراره وعدم تراجعه عن الملء ؛

 ثم تعرضه ل"عدوان" من جارتين لدودتين من وجهة نظر إثيوبية .

من الطبيعي أن ترفع إثيوبيا القضية لمجلس الأمن في حالة الإعتداء العسكري عليها ، 

وتطالب بفرض عقوبات على كل من مصر والسودان ، ومن المتوقع حدوث إدانة دولية للضربة ؛

 ولا يبدو أن مصر والسودان تبذلان جهودا استباقية استثنائية لتخفيف الضغط الدولي والأفريقي المتوقع من خلال الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

من الغريب أن أحداً لا يتحدث عن احتمال فشل الضربة ولو بنسبة ضعيفة ؛ خاصة بعد أن أصبحت حدثا متوقعا لدى إثيوبيا ،

 أو عن الردود الانتقامية ، أو عن إدانة دولية وافريقية واسعة ، أو احتمال فرض عقوبات (حتى لو كان ضعيفا) بالنظر للوضع الاقتصادي الهش في دولتي المصب .

يبدو أن الهدف القاصر والمحدود للنظام المصري ليس إلا تعويق وتأجيل الملء الثاني ليس إلا ، ودفع إثيوبيا للعودة لمائدة التفاوض بمزيد من المرونة .

من المستبعد جداً أن تسمح الدول الكبرى لمصر والسودان بتكرار الضربة ؛ في حال فشلها ؛ أو في حالة استمرار أو زيادة التعنت الإثيوبي .

 لن تحل الضربة المحتملة مشكلة السد لعدم وجود رؤية استراتيجية للنيل لدى النظام المصري ؛

 سواء بالنسبة للأزمة مع اثيوبيا أو باقي دول حوض النيل ؛ فهي لن تكون حربا شاملة تنهزم فيها إثيوبيا هزيمة منكرة أو تتعرض للتفتت أو حتى تغيير نظام الحكم ,

 كما أنها لن تكون عملية واسعة تنهي الدفاعات الإثيوبية في منطقة السد بحيث تكون مستباحة للقوات المصرية السودانية لتكرار العملية في حال عدم انصياع إثيوبيا ، 

كما أنها لن تهدم السد بالكامل فيضيع على إثيوبيا الوقت والمال بشكل يستحيل تعويضه والتفكير في البناء من جديد .. 

وفي الغالب أنها ستكون محدودة ومتأخرة Too late and too limited ومن المحتمل أن ينطبق عليها المثل القائل "الضربة التي لا تقتل تقوي" !!

بالتأكيد توجد رؤى أخرى وبدائل أكثر شمولاً لحل النزاع والقضية ؛ لكن لا يمكن طرحها الآن وهنا ؛ 

نظرا لاستئثار النظام بالرأي وتكميمه للأفواه ، ومصادرته للحريات ، وتأميمه للمجال العام والسياسة والإعلام ، وتنكيله بأصحاب الرأي .



التعليقات (0)