-
℃ 11 تركيا
-
6 مارس 2025
السودان على مفترق طرق: تحليل الأزمة السياسية والأمنية الراهنة
السودان على مفترق طرق: تحليل الأزمة السياسية والأمنية الراهنة
-
6 مارس 2025, 10:50:43 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رشا رمزي
يمر السودان بمرحلة حرجة من تاريخه المعاصر، حيث تتصاعد حدة الصراعات الداخلية وتتعقد المشهد السياسي والأمني بشكل غير مسبوق. فالبلاد تواجه انقساماً سياسياً حاداً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان من جهة، وقوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها من جهة أخرى. وقد بلغت هذه الأزمة ذروتها مع توقيع ميثاق لإنشاء سلطة حاكمة موازية في السودان، مما أثار قلق المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن الدولي.
قلق دولي متزايد
أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي، في بيان صحفي أصدروه في 5 فبراير 2025، عن قلقهم البالغ إزاء توقيع ميثاق لإنشاء سلطة حاكمة موازية في السودان. وأكد المجلس أن مثل هذه الإجراءات الأحادية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الصراع الدائر، وتفتيت البلاد، وزيادة تدهور الوضع الإنساني المتردي بالفعل. كما شدد المجلس على التزامه القوي بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، محذراً من أن أي خطوات أحادية الجانب تقوض هذه المبادئ تهدد استقرار السودان والمنطقة على نطاق أوسع.
وفي سياق متصل، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها من خلال مكتب الشؤون الإفريقية بالخارجية الأمريكية، مشيرة إلى أن محاولات إنشاء حكومة موازية في السودان لا تساعد في تحقيق السلام والأمن، وتهدد بمزيد من عدم الاستقرار والتقسيم الفعلي للبلاد.
دعوات لوقف إطلاق النار
دعا أعضاء مجلس الأمن أطراف الصراع إلى السعي لوقف فوري للأعمال العدائية والانخراط بحسن نية في الحوار السياسي والجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. ورحب المجلس بدعوة الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة إلى إعلان وقف إطلاق النار بشكل عاجل خلال شهر رمضان، وأكد على أهمية التزام جميع الأطراف بالتزاماتها الموضحة في إعلان جدة.
الجهود الدبلوماسية البريطانية
أجرت هارييت ماثيوز، مديرة شؤون أفريقيا بالخارجية البريطانية، لقاءً مع الفريق عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، وعبرت عن قلقها العميق إزاء الاتجاه لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع. وأكدت أن تحقيق سلام دائم في السودان يتطلب وحدة وسلامة الأراضي السودانية، مشيرة إلى أن لقاءها بالبرهان كان إيجابياً، حيث تطرق إلى جهود تهيئة الظروف السلمية لإنهاء الحرب، ودور بريطانيا في استضافة المجتمع الدولي في لندن للنقاش حول خلق بيئة ملائمة للسلام في السودان.
ملاحقات قضائية وتوترات دبلوماسية
على صعيد آخر، ألقت السلطات الكينية القبض على ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، التيار الثوري الديمقراطي، بعد وصوله إلى مطار نيروبي، بناءً على مذكرة توقيف صدرت عن السلطات السودانية ونقلت عبر الإنتربول. ويأتي هذا الاعتقال في إطار جهود الحكومة السودانية لملاحقة الشخصيات المتهمة بالتورط في الأزمات السياسية والأمنية في البلاد.
وكان النائب العام السوداني الفاتح طيفور قد أعلن في سبتمبر 2024 عن بدء ملاحقة عدد من القيادات في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، متهماً إياهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع في النزاع المستمر منذ أبريل 2023. وقد تضمنت مذكرة التوقيف تهماً خطيرة، من بينها "تحريض على الحرب ضد الدولة، والتحريض، والمساعدة، والاتفاق، وتقويض النظام الدستوري، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية".
المشهد الميداني والتحالفات العسكرية
أفاد الجيش السوداني باستعادة عدة مناطق في ولاية "النيل الأزرق" الحدودية، بينما ذكرت "قوات الدعم السريع" بالتعاون مع "الجيش الشعبي لتحرير السودان" أنها تمكنت من "تدمير مجموعة كاملة" من قوات نائب رئيس "مجلس السيادة" مالك عقار وطردها إلى داخل أراضي دولة جنوب السودان.
وبعد الاتفاق الذي أُطلق عليه اسم "تحالف التأسيس" والذي وقّعه تيار عبد العزيز الحلو من "الحركة الشعبية – الشمال" مع "الدعم السريع" وبعض القوى السياسية والحركات المسلحة الأخرى، تم الإعلان عن تنسيق عسكري بين الجانبين في ولاية النيل الأزرق. وقد استمرت "قوات الدعم" في تأمين نفوذها في عدة مناطق بجنوب ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض وسنار، قرب الحدود مع دولة جنوب السودان.
التوترات الإقليمية واتهامات الدعم الخارجي
تصاعدت حدة التوترات الدبلوماسية بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وصف مندوب السودان الدائم في مجلس حقوق الإنسان، السفير حسن حامد، نظيره الإماراتي جمال المشرخ بـ"مندوب الدعم السريع في المجلس". وجاء ذلك بعد نفي المندوب الإماراتي اتهامات أوردها وفد السودان بخصوص تورط أبو ظبي في الحرب الدائرة في البلاد.
واتهم مندوب السودان الإمارات بمحاولة إعطاء الدعم السريع فرصة لالتقاط أنفاسها وتزويدها بالمزيد من الأسلحة والذخائر تحت غطاء المطالبة بهدنة خلال شهر رمضان، مطالباً مجلس حقوق الإنسان بإدانة مثل هذه التدخلات في الشؤون الداخلية للدول.
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبدو أن السودان يسير نحو المزيد من التعقيد السياسي والأمني، مع تزايد مخاطر تفكك البلاد واستمرار معاناة المدنيين. ويظل المجتمع الدولي يدعو إلى ضرورة الحوار الوطني الحقيقي والشامل والشفاف الذي يؤدي إلى حكومة وطنية حرة ونزيهة ومنتخبة ديمقراطياً، بعد فترة انتقالية بقيادة مدنية، لتحقيق تطلعات الشعب السوداني لمستقبل سلمي ومستقر ومزدهر. غير أن تحقيق هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل استمرار الصراع المسلح وتدخل قوى إقليمية ودولية، مما يضع مستقبل السودان ووحدة أراضيه على المحك.










