- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
الصومال وتركيا.. وحدة المصير
مقديشو / الأناضول
- شعب الصومال الذي لا يعتبر مصيره منعزلاً عن مصير تركيا، وينتظر بفارغ الصبر نتيجة الانتخابات في البلاد
- تركيا أثبتت بجدارة قدرتها على لعب دور بناء في إفريقيا من خلال السياسة التي اتبعتها في الصومال
- يرغب الصومال في مواصلة تعاونه مع الصديقة والشقيقة تركيا في العديد من القضايا لا سيما مكافحة الإرهاب
اكتسبت تركيا التي تتمتع بعلاقات تاريخية متأصلة مع الصومال، مكاناً لا غنى عنه في قلوب الصوماليين بفضل علاقاتها الثنائية المبنية على أسس الثقة المتبادلة والصداقة ومبدأ الربح المتبادل.
فحول العالم، لطالما أعرب ملايين الصوماليين عن امتنانهم للدعم غير المشروط الذي تقدمه تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان للصومال.
وينعكس هذا الامتنان باهتمام الصوماليين بمتابعة جميع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا عن كثب. لذلك فإن شعب الصومال الذي لا يعتبر مصيره منعزلاً عن مصير تركيا، وينتظر بفارغ الصبر نتيجة الانتخابات في البلاد.
** الصومال "خاوية على عروشها"
سطع نجم الصومال الذي أعلن استقلالها في 1960 كرمز للديمقراطية والاستقرار والتنمية في إفريقيا حتى 1969. وبعد انقلاب 1969 سُلبت حقوق الصوماليين الديمقراطية.
ومع الحرب الأهلية التي بدأت في 1991، بدأت المرحلة التي يصفها المفكر توماس هوبز على أنها "حرب الكل ضد الكل". فانهارت الدولة الصومالية وأضحت غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية لشعبها بسبب كل من الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية.
تَصَدَّر هذه المرحلة نزاع عرابي الحرب على تقسيم البلاد ومواردها فيما بينهم وذلك على طاولات التقسيم التي أقاموها في الصومال بدعم القوى الأجنبية. وكأن الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت لأكثر من عشرين عاماً لم تكن كافية، فقد واجهت الصومال في السنوات التالية معضلة إرهاب حركة الشباب الدموية.
وفي نهاية الأمر غادرت الدول الغربية، التي كانت تمثل أملاً للبعض، الصومال نتيجة لهذا الوضع معتبرة البلاد "مستنقعاً" وتركتها تواجه مصيرها وحيدة. فأصبحت الصومال التي كانت ذات يوم نجمة شرق إفريقيا الساطعة، دولة خاوية على عروشها ورمزاً لليأس.
** تركيا.. رمز النهضة في الصومال
على الرغم من أن تركيا طرف خارج الإقليم جغرافياً، إلا أنها أثبتت وبجدارة قدرتها على لعب دور بناء في إفريقيا بشكل عام وشرقها بشكل خاص من خلال السياسة التي اتبعتها في الصومال.
فأصبحت أنقرة "شريكاً لا غنى عنه" بالنسبة للصومال بعيد المرحلة الجديدة التي بدأت في 2011. حيث أن الرئيس أردوغان أثبت للجميع إيفاءه العهود التي قطعها على نفسه وحتى تلك التي تعهد بها بعد زيارته (2011) وذلك من خلال أفعاله على مدى السنوات الـ 12 الماضية.
فأصبح إنهاء الوضع المأساوي في الصومال وإعادة إحياء وإعمار الدولة الصومالية عملية تساهم فيها جميع المؤسسات التركية.
وبدأت تركيا عمليات المساعدات الإنسانية في المنطقة مع العديد من المؤسسات وخاصة وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) والهلال الأحمر. وقامت أيضا ببناء أكبر سفارة لها في العاصمة مقديشو في الوقت الذي نقلت فيه دول أخرى خدماتها القنصلية إلى دول مجاورة متذرعة بالوضع الأمني.
وقامت أيضا الدولة التركية بدعوة عشرات الآلاف من الطلاب الصوماليين صمام أمان مستقبل الدولة الصومالية، إلى تركيا للتعليم في الجامعات. كما قامت بتدريب الآلاف من كوادر الخدمات المدنية الصوماليين من مختلف المجالات وتجهيزيهم للبدء في بناء الدولة والمحافظة على سيرها.
أنعشت تركيا النظام الصحي المتهالك في البلاد من خلال المستشفيات التي أنشأتها وخاصة مستشفى "رجب طيب أردوغان للتعليم والبحوث". وأنشأت مدارس زراعية حديثة لتحقيق النهضة الزراعية والاكتفاء الذاتي للصومال التي تتمتع بتربة غنية.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو عادياً بالنسبة للمواطن التركي لأن لديهم مئات الآلاف من الكيلومترات من الطرق والأنفاق والجسور والسكك الحديدية والمطارات الضخمة، إلا أنه لم يكن اعتيادياً في الصومال حتى شيدت تركيا طرقاً في الصومال تربط أواصر العائلة.
ربطت تركيا الصومال بالعالم من خلال بناء مطار مقديشو ورحلات شركة الخطوط الجوية التركية. قامت ببناء مجلس الشيوخ والبرلمان الصوماليين حتى يتمكن الصوماليون من مناقشة مشاكلهم في بيئة أكثر أماناً وديمقراطية.
ولم تكتفي بذلك بل قامت بتنظيم العديد من المنتديات التي تمت دعوة الصوماليين من جميع أنحاء العالم لإيجاد حلول لمشاكل بلادهم. كما ساهمت في نزع بذور الفتنة التي تسببت بعداوات بين الإخوة من خلال تبني سياسة الوساطة بين الأطراف.
ولعل الأهم من هذه كله قبل كل شيء إنشاء تركيا قاعدة التدريب العسكري "تركسوم" حيث يتم تدريب الجنود الصوماليين المبجلين الذين يبعثون الأمان للصديق والرعب للعدو.
لعبت قيادة المدرسة العسكرية تحت قيادة فرقة العمل الصومالية التركية دوراً هاماً في تلبية احتياجات الدولة من الضباط وضباط الصف في البلاد. كما قامت القوات
المسلحة التركية بتدريب وتجهيز الآلاف من "الكوماندوز" الصوماليين الشجعان الذين نلقبهم بكل فخر بلقب "النسور" (جورجور) على أراضيها في محافظة إسبرطة
التركية موطن الكوماندوز الأتراك، وشحذت الهمم والروح الوطنية لديهم.
يشكل هؤلاء الجنود اليوم العمود الفقري لكفاح مقديشو الحازم والدؤوب ضد الإرهاب بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود. وبفضل الجنود الشجعان الذين هم في طليعة نضالنا المجيد ضد "حركة الشباب" تزدهر بلادنا أمناً يوماً بعد يوم.
وتخوض قوات جورجور كفاحا لا هوادة فيه ضد أولئك الذين يحلمون بوطن على أرضنا وأولئك الذين يتطلعون إلى أن تستسلم بلادنا للفوضى. نستشعر جهد وعزم هؤلاء
الجنود المبجلين في كل الضربات التي وجهناها لحركة الشباب وكل الانتصارات التي حققناها في الأشهر الثمانية الماضية. هؤلاء الجنود الذين دربتهم تركيا هم مفتاح
الأمان لمستقبل الصومال فهم الجنود الذي يسعون جاهدين لإقامة صومال متطور ومزدهر حاملين أرواحهم على أكفهم من أجل الوطن كما فعلوا من قبل.
** تركيا تساهم في السلام العالمي
ذهبت تركيا إلى أبعد من مجرد المساهمة في السلام في الصومال وشرق إفريقيا. حيث عملت من أجل السلام العالمي بدبلوماسيتها المتعددة الجوانب والريادية والإنسانية إلى جانب قوتها العسكرية الرادعة ونقل الخبرات العسكرية إلى الدول الصديقة والحليفة.
وقد بذلت أنقرة جهوداً مضنية لإيجاد حلول سياسية عادلة ودائمة ومقبولة للطرفين في العديد من النزاعات الإفريقية من خلال الحوار بين الأطراف تحت مظلة الأمم
المتحدة. أخيراً، قدم الرئيس أردوغان برؤية سديدة وشجاعة فريدة وعزيمة منيعة مساهمة مهمة في اتفاقية ممر الحبوب في البحر الأسود. حيث استحق أعلى درجات الثناء
على هذه المساهمة الحيوية التي ساهمت في ضمان الأمن الغذائي العالمي.
من ناحية أخرى، تعد تركيا من أكبر وأهم القوى الديمقراطية في العالم، حيث تعتبر الديمقراطية فيها ذات نجمة ساطعة بين الدول الإسلامية اليوم. كما إن الدور الريادي والنموذجي للبلاد بين الدول الإسلامية يتابع عن كثب في الصومال.
لهذا السبب لا يعتبر الشعب الصومالي مصيره منعزلاً عن مصير الشعب التركي ويراقب عن كثب جميع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا في تركيا.
تركيا القوية التي وقفت إلى جانب الشعب الصومالي في أصعب أوقاته والقادرة على لعب دور حيوي في إحياء مؤسساته، ستواصل لعب دور نشطاً إقليمياً ودولياً في الفترة المقبلة.
استكمالاً لما كان عليه الوضع في السابق، يرغب الصومال في مواصلة تعاونه مع الصديقة والشقيقة تركيا في العديد من القضايا لا سيما مكافحة الإرهاب التي هي أولويتنا.
ونتطلع إلى استمرارية الحصول على الدعم منها. ليس الصومال فحسب، بل إن كل بقاع الأرض التي تعاني من الظلم والاضطهاد بحاجة إلى استمرار الدعم التركي.