القضية الأمنية ​​الخطيرة: هكذا تحولت الوثائق السرية إلى سلاح سياسي

profile
  • clock 3 نوفمبر 2024, 8:27:18 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إسرائيل اليوم - يوآب ليمور

تعتبر قضية تسريب الوثائق السرية إلى وسائل الإعلام الأجنبية من أخطر القضايا التي عرفتها إسرائيل. ولا تقتصر الأضرار التي لحقت بها على مسائل أمنية بحتة: فهي تثير الشكوك في أن مكتب رئيس الوزراء عمل على إحباط صفقة أسرى مما يتعارض مع أهداف الحرب، كما تشير إلى أساليب غير سليمة في التصرف من قبل مكتب رئيس الوزراء، حتى ان بعضها حتى  يشتبه في أنها جنائية، بما في ذلك احتمال تورط مسؤولين كبار في القضية التي لم يتم التحقيق فيها بعد.

وبدأت القضية، التي يحقق فيها الشاباك، بعد تسريب وثيقة سرية لصحيفة بيلد الألمانية، تتضمن تعليمات مزعومة من قيادة حماس حول كيفية إجراء المفاوضات بشأن الأسرى،   كان لتسريب الوثيقة هدفان رئيسيان: الأول، تقديم قيادة  الجيش والمنظومة  الأمنية على أنها من يخفي عن نتنياهو وحاشيته  المعلومات، أي كأنهم  يريدون إلحاق ضرر  برئيس الوزراء؛ ثانياً، خلق الانطباع بأن حماس ليس لها مصلحة في الصفقة، والادعاء بأن نتنياهو هو من يحبط الصفقة لا أساس له من الصحة.

في يوم النشر، أصبح من الواضح أن الوثيقة قد خضعت للتلاعب، وتم تحريف محتواها عمدا، وفوق كل شيء - أنها لم تكن سياسة رسمية بل ورقة عمل كتبها صغار الرتب المتوسطة في حماس. انزعج الجيش بشدة من التسريب، الذي انضم إلى منشور سابق في المجلة الأسبوعية البريطانية اليهودية "Jewish Chronicle" مفاده أن حماس قد تقوم بتهريب أسرى  عبر محور فيلادلفيا، وقرر التحقيق في مصادر التسريب.

تم تحويل التحقيق إلى الشاباك الذي تمكن من حل لغز  الوثيقة بسرعة. وقاد التحقيق إلى مستشار في مكتب نتنياهو، قام بتنشيط عناصر مختلفة في الجيش للحصول على معلومات منهم. هذه المعلومات تم توزيعها بطريقة تلاعبية على صحفيين مختلفين في الكيان وفي جميع أنحاء العالم من أجل تعزيز مصالح نتنياهو، وكجزء من حملة عميقة تهدف إلى إلحاق الضرر بخصومه، بما في ذلك قادة المنظومة الأمنية.

هذه اتهامات خطيرة وغير مسبوقة.

أولا، لأن نشر وثائق سرية من الجيش يشكل جريمة جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة طويلة.

ثانيا، لأنه يشتبه في أن مكتب رئيس الوزراء شارك فعلا في التجسس داخل المنظومة الأمنية، في زمن الحرب.

ثالثا، بسبب توزيع هذه الوثائق.

رابعاً: لأن الحكومة حددت إطلاق سراح الأسرى كهدف رئيسي للحرب، والمنشورات المبنية على الوثائق (التي تم التلاعب بها كما ذكرنا) كان الهدف منها تخريب إمكانية الوصول. صفقة – أي أنها كانت مخالفة لقرار الحكومة.

الاشتباه في اختفاء مواد

بذلت حاشية بنيامين نتنياهو جهودا كبيرة في الأيام الأخيرة للنأي بنفسها عن هذه القضية.  وفي إطار ذلك، تم تقديم ادعاءين رئيسيين: الأول، أن المستشار الذي تم اعتقاله لا يعمل في مكتب رئيس الوزراء.  والثاني، أن العالم كله يسرب (وخاصة المنظونة الأمنية )، وان رئيس الوزراء هو الذي يطالب بانتظام بإجراء تحقيق من خلال  جهاز كشف الكذب لاكتشاف المسربين.

وكلا الادعاءين ينطوي على إشكالية، على أقل تقدير. كان المستشار ضمن مكتب نتنياهو، ورافقه  في جولات في المنظومة الأمنية وتحدث بانتظام نيابة عنه مع العديد من الصحفيين، على الرغم من أنه فشل في الفحص الأمني ​​ولم يكن مصنفا استمر في التعرف عل  الأشخاص والمعلومات في المكتب السري في البلاد عندما كان من الواضح أنه يشكل خطراً، ومن المؤكد أن التحقيق سيكشف مع من في المكتب  شارك المعلومات التي حصل عليها من الجيش.  ونشر الصحافي ميخائيل شيمش أن تساحي برافرمان ويوناتان يوريش، رفيقي نتنياهو، تشاورا مع المحامي عميت حداد.

وفي ما يتعلق بالتسريبات، فإن نتنياهو لديه تاريخ  طويل من التسريبات، يعود إلى عندما كان رئيسا للمعارضة في منتصف التسعينيات. كان بإمكانه أن يأمر الشاباك بالتحقيق فيها (والبدء مع أعضاء مكتبه)، على الرغم من أن التحقيق كان سيواجه مشكلة منذ البداية: فهو لا يسمح بإجراء اختبار كشف الكذب لمن لديهم جهاز تنظيم ضربات القلب المزروع في أجسادهم بمعنى أخر، فإن نتنياهو نفسه سيكون معفياً منه.

علاوة على ذلك، في الأشهر الأخيرة، تم توجيه ادعاءات خطيرة ضد نتنياهو ومكتبه، بما في ذلك من اللواء آفي جيل، الذي شغل منصب سكرتيره العسكري، للاشتباه في اختفاء مواد وتغيير نصوص المناقشات والقرارات. إذا تم ذلك بالفعل، فهذه جرائم جنائية تتطلب تحقيقًا، وليس من الواضح ما إذا كان قد تم فتحه أم لا. المخول بإجراء مثل هذا التحقيق هو الشاباك، الذي يتعرض رئيسه رونين بار لهجمات مستمرة من قبل نتنياهو وأبواقه في وسائل الإعلام، والتي يمكن الآن فهم دوافعها،  في التحقيق في القضية الحالية أثبت بار أنه  لا يخشى  نفض حتى أعلى المستويات، ولكن عليه أن يطالب – مع هيئة الأركان العامة  والمستشارةالقانونية  للحكومة – بتوضيح الشكوك بشكل كامل.

التلاعب بالرأي العام

تتيح هذه القضية أيضًا إلقاء نظرة على الطريقة التي تعمل بها حاشية نتنياهو.  النشر  الممنهج  وغير المسؤول لوثائق ومعلومات، جزئية أو مزورة في بعض الأحيان، للتلاعب بالرأي العام في الكيان والعالم كجزء من عمليات وعي ونفوذ محكمة  ومخالفة للقانون،   ومن الأمثلة الجيدة على ذلك كذبة محور فيلادلفيا، والادعاء (الكاذب) بأنه سيتم تهريب الأسرى  عبره، وهو ما استخدم أيضا لتأخير الصفقة.

كل هذا تم خلال حرب متعددة الجبهات، حيث يستعد الكيان (مرة أخرى) لهجوم إيراني وتناور في لبنان وغزة - بما في ذلك سقوط قتلى  إضافيين في نهاية الأسبوع الماضي.  وبدلاً من العمل كشخص بالغ مسؤول، يتبين أن حاشية نتنياهو تتعامل مرة أخرى منشغلة بالتفاهات  ولا تتورع عن سرقة وثائق سرية ونشرها وتشويه سمعة المعارضين ومنع إطلاق سراح الأسرى، من أجل خدمة أهداف سياسية.

هذا استمرار مباشر لإفلات نتنياهو من الاعتراف بمسؤوليته عن فشل 7 أكتوبر وتجنبه تشكيل لجنة تحقيق رسمية، والتحركات المختلفة التي يقودها - وعلى رأسها قانون التهرب من التجنيد - مما يدل على  أنه  ليس معنياً بالكيان وأمنها، بل باستمرار حكمه.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)