- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
المعاول تواصل هدم الجبانات التاريخية في القاهرة.. وعلامات الإزالة تهاجم تراث المصريين
المعاول تواصل هدم الجبانات التاريخية في القاهرة.. وعلامات الإزالة تهاجم تراث المصريين
- 24 مايو 2023, 8:05:37 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
القاهرة- “القدس العربي”:
حالة من الغضب تسيطر على المصريين مع بدء معدات الهدم إزالة مقابر استقرت في منطقة السيدة عائشة وسط القاهرة منذ 1400 عاما.
مشاهد لمقابر هدمت، وأخرى لشواهد كُتبت بالخط الكوفي تدخل ضمن الآثار غير المسجلة عثر عليها باحثون في مواقع الهدم، وعلامة إزالة وضعتها الأجهزة التنفيذية على مقابر شخصيات أثّرت في تاريخ البلاد، دفعت المصريين للتعبير عن غضبهم مما وصفوه “عدم احترام التاريخ”.
الراوي ورش
علامات الإزالة طالت مقابر لشخصيات هامة في التاريخ المصري، منها ضريح الراوي ورش في مقابر الإمام الشافعي، صاحب الرواية المشهورة في قراءة القرآن (ورش عن نافع)، تمهيدا لإزالة المقبرة وإقامة طريق جديد ضمن المشاريع القومية التي تنفذها الدولة في منطقة الإمام الشافعي، بحسب باحثين في التراث المصري.
هيثم أبو زيد الباحث في التراث المصري قال لـ”القدس العربي”، إن المؤسسات الأكاديمية في العالم الإسلامي، تُجمع على قبول النص القرآني عبر قراءات الأئمة العشرة ورواتهم، لكن من الناحية العملية، يقتصر الانتشار الشعبي المتفاوت للقراءات على أربع روايات فقط، على رأسها حفص عن عاصم، ثم ورش وقالون عن نافع، ثم الدوري عن أبي عمرو. وإذن، فرواية ورش هي إحدى الروايات الأربع الباقية جماهيريا إلى اليوم.
وأضاف: “أغلب الدول الإسلامية تقرأ القرآن وفقا لرواية حفص عن عاصم، بينما تنتشر رواية قالون في ليبيا وتونس، وبقدر أقل في الجزائر، أما أهل المغرب فيقرأون برواية ورش عن نافع، ومعهم كثيرون من أهل الجزائر وموريتانيا، وتكاد رواية الدوري عن أبي عمرو لا تخرج عن مناطق محددة في السودان.
وزاد: “ظلت رواية ورش هي السائدة في مصر إلى القرن الخامس الهجري، ثم انحسرت تدريجيا لحساب رواية الدوري عن أبي عمر، ومع دخول العثمانيين بدأت رواية حفص عن عاصم في الانتشار، ومن سنوات، اعتبرت المملكة المغربية أن رواية ورش تمثل جزءا من التراث الثقافي للشعب المغربي، فأصدرت وزارة الثقافة المغربية قرارا بمنع دخول المصاحف برواية حفص حفاظاً على رواية ورش التي تكاد تنقرض في الجزائر، بسبب ممارسات بعض السلفيين”.
ولد الإمام ورش، في صعيد مصر عام 110 هجرية، ورحل إلى المدينة المنورة كي يتتلمذ على أيدي شيخه الإمام نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم المدني، تلميذ الإمام مالك بن أنس.
توفي الإمام ورش في مصر سنة 197 هجرية، عن عمر ناهز 87 عاما، ودفن في مدفنه بمقابر الإمام الشافعي.
مقبرة البارودي
علامة إزالة أخرى، وضعتها الجهات التنفيذية في مصر داخل مقبرة الشاعر محمود سامي البارودي.
والبارودي ولد في 6 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1839 في حى باب الخلق بالقاهرة لأبوين من أصل شركسي، ولقب بفارس السيف والقلم.
كان البارودى أحد أبطال ثورة عرابي ضد الخديوي توفيق، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة في 4 فبراير/ شباط 1882.
قررت السلطات نفيه مع زعماء الثورة العرابية في 3 ديسمبر/ كانون الأول 1882 إلى جزيرة سريلانكا، وظل هناك لأكثر من سبعة عشر عاماً، وتوفي في مصر في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1904.
مقبرة المراغي
مقبرة شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي، طالتها خطة الإزالة، بحسب تصريحات لحفيدته شيرين تحسين.
وقالت تحسين في تصريحات متلفزة إن الأسرة تلقت قرارا من محافظة القاهرة بنزع ملكية مقبرة جدها، ونقلها إلى منطقة العاشر من رمضان لاستخدامها في المنفعة العامة.
وأضافت: “لا نعترض على تحقيق المنفعة العامة، لكن جدي الراحل يعتبر أحد رموز الأزهر الشريف، وأحد من تولى مشيخة الأزهر، كما له إسهامات عديدة في تطوير المؤسسة الدينية”.
وتولى المراغي مشيخة الأزهر الشريف، مرتين؛ الأولى في الفترة من عام 1928 حتى استقالته عام 1930، والثانية من 1935 إلى وفاته في 1945.
عشرات المنشورات عجت بها موقع فيسبوك، يشكو أصحابها من هدم مقابر عائلتهم التي تعود لمئات السنوات.
وكتب عز الدين العربي: “هدم مقابر سيدي جلال في السيدة عائشة، وفيها رفات جدي المرحوم الحاج إبراهيم سيد أحمد حيث دفن بها، ودفنت بعده جدتي وأشقاء والدتي وأبناؤهم وزوجاتهم ولا أعرف مصير الرفات ولا كيفية التعامل معها للأسف وليس لدي أية إثبات لملكيتها فأقف حزينا مكتوف الأيدي.
أحد قادة ثورة 1919
استغاثت رانيا عز العرب بالمسؤولين لوقف هدم مقبرة عائلتها، التي تعود لجدها محمد عز العرب أحد قادة ثورة 1919.
وكتبت على صفحتها في فيسبوك: “أوقفوا هدم مدافن الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، أوقفوا الهدم والظلم وضجيج رافعاتكم التي لا تهدأ، هذه الرافعات التي رأيتها أمس بعيني رأسي خافضة رافعة، وكأن القيامة قد قامت في مدافن الإمام في المنطقة المتاخمة للأوتوستراد”.
وتابعت: “أوقفوا الهدم لأن للموت حرمة، ولأن الأسباب الشرعية التي من أجلها تنبش قبور الموتى غير متوفرة، ولأن المنفعة العامة ليست من ضمن الأسباب الشرعية التي تبيح انتهاك حرمة الموت، ولكل مشكلة -مرورية كانت أو غيرها- مئة حل، فلماذا اختيار حل هدم المدافن وانتهاك حرمة موتانا وقتل أهلهم وذويهم أحياء بخنجر الانتظار المسموم كل يوم وكل ساعة”.
وزادت: “أوقفوا الهدم لأن أحدا لم يخطرنا رسميا أبدا، بل ساد التعتيم والتكتم وكأن أصحاب هذه الفكرة الشيطانية ومنفذيها تعمدوا أن يتركونا فريسة للقلق والهواجس، فحكموا علينا أن نعيش الخوف والفزع والإحساس بالقهر والظلم وفقد أحبائنا مرتين وحمل هم دفنهم مرتين”.
واصلت: “أوقفوا هذه المهزلة، فجدّي محمد عزالعرب، صديق سعد زغلول وفقيد الوطنية -بشهادة صحف أوائل القرن العشرين- ونقيب المحامين الشرعيين في طليعة القرن نفسه، وسكرتير عام حزب الوفد وأحد قادة ثورة 1919، فقيد الوطنية الذي طالما دافع عن حقوقنا جميعا نحن المصريين كمناضل وكمحامٍ شرعي لا يجد الآن من يدافع عن حقه ليس في الحياة الكريمة كما كان ينادي، وإنما في أن يرقد بسلام هو وكل موتانا في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة”.
مبادرة شواهد مصر
عمليات الإزالة دفعت باحثين مصريين في التاريخ الإسلامي، إلى تدشين مبادرة تحت اسم “شواهد مصر”، لإنقاذ الآثار غير المسجلة في حيز منطقة تنفيذ مشروع توسعة طريق صلاح سالم.
ويحكي الطبيب مصطفى صادق، أحد أعضاء المجموعة على صفحته في فيسبوك: “دخلنا أحد الأحواش في منطقة مقابر الإمام الشافعي الشهيرة، وكان المكان مليئا بالركام وقطع الحجارة المتناثرة هنا وهناك نظرا لأعمال الإزالة التي تشهدها المنطقة، ولفت انتباهنا قطعة مختلفة موجودة داخل جزء من جدار قديم ملقى جانبا”.
وأضاف: “القطعة التي عثرنا عليها هي شاهدة مقبرة لسيدة توفيت عام 229 أو 221 هجريا، أي منذ 1179 عاما على الأقل، ومكتوب عليها بالخط الكوفي غير المنقوط، اسم صاحبة المقبرة، أمامة ابنة محمد بن يحي بن خلد بن يحيى”.
على مدار الأشهر الماضية، تواصلت أزمة هدم المقابر في مصر في إطار خطة تطوير القاهرة، وطالت عمليات الهدم مقابر رموز تاريخية وثقافية، منهم يوسف صديق أحد أعضاء ثورة 1952، والشيخ محمد رفعت الذي عرف بقيثارة السماء، والشاعر المصري حافظ إبراهيم الذي عرف بـ”شاعر النيل”، والأديب المصري يحيى حقي كما تراجعت السلطات المصرية عن هدم مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين بعد تهديد أسرته بنقل رفاته خارج البلاد.
وتأتي عمليات الإزالة التي طالت مقابر تاريخية في وسط القاهرة، ضمن مخطط القاهرة 2050 الذي أطلقه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، حين كان رئيساً لهيئة تطوير المجتمعات العمرانية عام 2009.
بدأت أزمة هدم المقابر التاريخية في مصر في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حيث تم كشف مذكرة بشأن المدافن التي وقعت في نطاق الإزالة في مشروع تطوير محور صلاح سالم من محور جيهان السادات حتى حديقة الفسطاط بامتداد 6 كيلومترات، تتخللها جبانات المجاورين وباب الوزير وسيدي جلال والسيدة نفيسة والطحاوية والإمام الشافعي وسيدي عمر.
وفي عام 2020 أثير جدل بشأن عدد من المقابر في منطقة منشأة ناصر في قلب القاهرة التاريخية، يُزعم أنها “جبانة المماليك” وتعود لنحو 5 قرون من أجل إنشاء جسر.
وتعد مقابر المماليك أقدم جبانة إسلامية في مصر، وتحتل موقعا متميزا وسط العاصمة، وكانت تسمى قديما بـ”صحراء العباسية” إذ وقع اختيار المماليك عليها لتكون مضمارا لسباقات الخيل، وفي النصف الأول من القرن الثامن الهجري، بدأ ملوك مصر وأمراؤها بإنشاء المساجد والخوانق بهذه المنطقة وألحقوا بها مدافن لهم.
فرغم تأكيد السلطات المصرية اهتمامها بالقاهرة التاريخية، يقول مهتمون بالتراث إن السلطات أزالت عشرات المدافن، من بينها مقابر شخصيات تاريخية في منطقة “قرافة المماليك”. وهي مقابر سجلت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو وتعود للقرن السابع الميلادي، وتضم مدافن سلاطين وأمراء من المماليك وشخصيات تاريخية وكثير من العامة.
ونفت الحكومة مرارا أن تكون أي من المدافن التي يجري هدمها مسجلة في عداد المباني الأثرية، مؤكدة حرصها على الحفاظ على المناطق الأثرية.
لكن في السنوات الأخيرة، كررت اليونيسكو شكواها من الإهمال الذي تتعرض له المنطقة، وهددت بشطبها من قائمة التراث العالمي.